طائفة أفريقية الأصل تشكل عنصرا فريدا في المجتمع الهندي

وصلت إلى شبه القارة الهندية في الفترة بين القرنين الحادي عشر والتاسع عشر

الأسياد يؤدون رقصاتهم ذات الطابع الأفريقي
TT

إنها قرية على شاكلة آلاف القرى في الهند: قليل من المتاجر الصغيرة، وطرق مغبرة تصطف بها منازل صغيرة من الطين والقرميد في صفوف غير مستوية على أطراف حقول خصبة. غير أن ما يميز جامبور، القابعة في أعماق غابة «غير»، هو سكانها: نحو أربعة آلاف رجل وامرأة وطفل من أصول أفريقية واضحة. وقد عاشوا هنا لما يزيد على خمسمائة عام، وتظهر عليهم ملامح الأصول الأفريقية في المظهر الجسدي وفي ممارساتهم الموسيقية والدينية. وهم يشيرون إلى أنفسهم بلفظ «سيدي»، المشتق من كلمة «سيد» العربية.

يقول حسن محمد، وهو أحد سكان القرية المسنين «كل السكان هنا تم جلبهم من أفريقيا». وأضاف أنهم أتوا من أفريقيا في عصور غابرة، وأخذ عددهم في الازدياد. أتى أجدادهم من أفريقيا. لكنهم فقدوا كل معلوماتهم عن اللغات الأفريقية، ولا يعرفون على وجه التحديد الأصل الذي انحدر منه أسلافهم أو سبب استقرارهم في الهند. أما الأثر الوحيد الذي يحتفظون به من سلالتهم الأفريقية، فهو موسيقاها ورقصاتها.

وتختلف الآراء حول كيفية وصولهم للهند، فالبعض يشير إلى أنهم ينحدرون من سلالة عبيد وبحارة وخبراء علاج بالأعشاب وقابلات وخدم وتجار أفارقة مكثوا في الهند بعد وصولهم عبر التجارة البحرية مع شرق أفريقيا والخليج. إلا أن البعض الآخر يعتقد أن «الأسياد» الأوائل قد وصلوا إلى الهند في عام 628 ميلاديا. وتبعهم كثيرون آخرون مع أولى حملات العرب المسلمين إلى شبه القارة الهندية في عام 712 ميلاديا. ويعتقد أن آخر مجموعة حضرت مع جيش محمد بن القاسم، وكان يشار إلى الأسياد بمسمى «زنجي» من قبل العرب.

إلا أن التاريخ الحديث يشير إلى أنه قد تم بيع هؤلاء الأفارقة من قبل التجار العرب والبرتغاليين إلى حكام هنود، وصلت إلى شبه القارة الهندية في الفترة بين القرنين الحادي عشر والتاسع عشر، مصطحبين معهم أفراسهم وماشيتهم. وتقول وجهة النظر تلك إنهم ينحدرون من ساحل شرق أفريقيا من السودان والصومال والحبشة (إثيوبيا الآن) حتى موزمبيق، لكن بعضهم أتى من مسافة بعيدة، من جنوب أفريقيا وحتى نيجيريا.

ويوضح عالم الإنسانيات، ديه كيه بهاتاشاريا، أن وصول «الأسياد» ربما يعود إلى القرن العاشر، حينما وفد كثيرون على متن المراكب الشراعية للتجار العرب الذين كانوا يتاجرون مع الممالك على طول ساحل غرب الهند. ويعتقد أن العرب قد أسروا أفراد طائفة «سيدي» عقب غارات على قرى بانتو الساحلية في الحبشة - إثيوبيا في العصر الحديث - وفي مناطق أخرى في شرق أفريقيا. وأوضح «كانت هناك سوق عبيد منتعشة في الفترة ما بين القرنين العاشر والسادس عشر في غوجارات، وهي نقطة انطلاق للهجرة عبر القارة في تلك الأيام». وبصرف النظر عن القصة الحقيقية، فإن أفراد طائفة «سيدي» قد اتخذوا لغة وعادات مكان إقامتهم الحالي، وقد ظلت بعض التقاليد الأفريقية راسخة، مثل موسيقى غوما وشكل الرقصات، التي تعرف في بعض الأحيان باسم الدهامال باللغة المحلية.

وفي كل مساء يتجمع الطبالون في جامبور بالمسجد الصغير في وسط القرية. ومع تردد أصداء صوت طبول البونغو يبدأ مجموعة من الرجال وجوههم ملونة في الرقص، ولا يقطع إيقاعهم سوى صوت هدير البحر أو صرخة أو سلوكيات غريبة، مثل كسر ثمار جوز هند برؤوسهم. بعدها، يقوم الرجال البالغ عددهم نحو عشرة بالغناء والصعود إلى أعلى ضريح ناغاراتشي بابا المكسو بالفسيفساء، ويعتقد أن ناغاراتشي بابا كان تاجر خرز نيجيريا ثريا ورجل دين مسلما، سافر إلى الهند على طول ساحل بحر العرب قبل 800 عام، مصطحبا معه أفارقة، جميعهم مسلمون. وهناك أضرحة له في مدن عبر غرب الهند. ويقال إن ناغاراتشي غور بابا وصل للهند مع أفارقة بعد أدائه فريضة الحج في مكة.

وعمل قطاع ضخم من طائفة «سيدي» لحساب نواب جوناغاد في غوجارات، إذ قاموا بشرائهم للاعتناء بالأسود الآسيوية الوحيدة الموجودة في غابات غير في غوجارات. وتقول أيشوبن ماكوانا باسوريم، وهي سيدة عمرها 40 عاما تعتبر عمدة القرية «ولدت هنا وتزوجت هنا. وأتى والدي وجدي أيضا من هذه القرية. وليست لديّ أدنى فكرة عن المكان الذي أتى منه أسلافهم».

علاوة على ذلك، فقد واجهوا أيضا تمييزا وعزلة، ففي غوجارات يعتبرون الجماعة القبلية الوحيدة، ويقعون في أدنى الهرم الاجتماعي. وهم يشكلون جماعة تعيش في فقر مدقع، إما على الأراضي الواقعة خارج مناطق الغابات، أو يعملون بالزراعة. ومعظم أفراد طائفة «سيدي» لم يحصلوا سوى على قسط ضئيل من التعليم، ويعيشون على هامش المجتمع بصرف النظر عن المكانة التي تمنحها إياهم الحكومة التي تضمن لهم الحصول على وظائف والتعليم.

يقول يونس، الذي يعمل طبالا «أطفالنا بحاجة للتعليم. معظم أبنائنا عاطلون أو يحصلون على أجرهم بشكل يومي، والذي يبلغ 50 روبية (فقط دولار). ما أريده لهم هو العمل بوظائف جيدة. تمكناّ من فتح مدرسة هنا قبل خمسة أعوام، وأتمنى أن نبني مستشفى وكلية».

ومن ثم، تبدو صلتهم الوحيدة بأفريقيا ممثلة في شكل رقصاتهم، إذ إنهم جميعا يتحدثون بلغة غوجارات ويرتدون ملابس مماثلة لتلك التي يرتديها السكان المحليون ويتناولون الأطعمة التي يتناولها السكان المحليون.

مع اختفاء الولايات الملكية الهندية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، عاد الأسياد إلى مجتمعاتهم الخاصة. ومع مجيء عدة ملايين منهم، كما يعتقد المؤرخون، إلى الهند، لا تزال هناك آثار قليلة متبقية. ورغم تمركز الأسياد بشكل مستقل في ولاية غوجارات، فقد تم العثور على بعض منهم في ولايات هندية أخرى مثل ولايات كارناتاكا وماهاراشترا وأندرا براديش، بالإضافة إلى تاميل نادو. وتشير التقديرات إلى أن إجمالي عددهم يبلغ نحو 250.000 نسمة.

وعلى غرار الطوائف الأخرى، يميل الأسياد إلى تفضيل الزواج من الأقارب. فبالنسبة لهم، يتعلق زواج الأقارب بمسألة حماية القدرات الروحية الخاصة. وتعتبر تلك القدرات الروحية بمثابة منحة من أحد السلف البارزين. فهم يعتبرون أنفسهم من سلالة بلال بن رباح، مؤذن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والذي ترجع أصوله لإثيوبيا. ويسهم الأسياد بدور في سمة التنوع الثقافي على مدار التاريخ الطويل لولاية غوجارات وعلاقاتها المرتبطة بالمحيط الهندي. ويقول عمدة قرية أيشوبن «نحن لا نسمح لأبنائنا وبناتنا بالزواج من خارج مجتمعنا. إنها قاعدة نطبقها بصرامة بالغة».

وذكر الدكتور الإثيوبي أبابو ميندا ينين، عالم الأنثروبولوجيا الذي يعمل بالهند «إنهم جلبوا معهم آلاتهم الموسيقية، وكانوا يقرعون الطبول ويرقصون ويغنون في السفن، ويؤدون طقوسهم الدينية التي كانوا يمارسونها في القارة الأفريقية».

وفي الوقت نفسه، أشار الرحالة الأوروبي أرماندو كورتساو إلى أنه في العقد الثاني من القرن السادس عشر «كان الأحباش يحكمون مملكة البنغال. وكان يُنظر إليهم على أنهم فرسان، وكانوا يتمتعون بالوقار والاحترام، بل إنهم أيضا كانوا يسهرون على راحة ملوكهم داخل مساكنهم».

ربما كان المثال الأكثر إثارة للاهتمام في التاريخ الهندي والذي يحوي بين جنباته ماضيا هنديا أفريقيا هو إنشاء ولاية تابعة للأحباش في ولاية البنغال خلال القرن الخامس عشر. وتمضي القصة لتروي كيف قتل حاكم الولاية في انقلاب على قصره بقيادة جنرال ذي أصول هندية أفريقية يخدم في الجيش الملكي، والذي هب ليعلن نفسه ملكا متوجا على الولاية. لكنه ما لبث أن قُتل في وقت لاحق على يد جنرال آخر رفيع المستوى ذي أصول هندية وأفريقية؛ حيث ظل مخلصا للأسرة الحاكمة الأصلية عن طريق تنصيب الابن الصغير للملك المقتول على العرش.

أنشئت ممالك الأسياد في غرب الهند في مدينتي جانجيرا وجعفر آباد في وقت مبكر من العام الميلادي 1100. وبعد اعتناقهم للديانة الإسلامية، أطلق الأفارقة الذين حصلوا على حريتهم في الهند، الذين كان يطلق عليهم في الأصل أحباش وفق اللغة العربية، على أنفسهم لفظ «الأسياد» (أحفاد محمد)، ومن هنا جاء اسم «سيدي». في الواقع، كانت جزيرة جانجيرا تسمى سابقا حبشان، وهي تعني الأراضي الأفريقية. إن كلمة «سيدي» تدل في مفهومها على الأمير أو الملك.

أما اليوم، فإنه باستثناء طائفة الأسياد الملكية وأحفادهم المندمجين إلى حد هائل في الطبقة العليا المسلمة، لا يزال غالبية السكان ذوي الأصول الهندية والأفريقية يعملون كمزارعين أو عمال غير مهرة، على الرغم من أن بعضهم أصبح من فئة المهنيين مثل الأطباء والمحامين والمعلمين ورجال الأعمال. وبموجب برامج الإجراءات الإيجابية الهندية واسعة النطاق، تم تصنيف معظم الأفارقة الهنود على أنهم قبائل، مما يخول لهم الحصول على أماكن خاصة في الجامعة وغيرها من صور الدعم الحكومي.

خلاصة القول إن الأسياد يشكلون عنصرا فريدا في مجتمع الهند المتنوع. في الوقت الذي يتم فيه تيسير المحافظة على ثقافتهم الفريدة والسماح لهم بالاحتفاظ بأي مستوى من التميز يرغبون فيه، فإنه يتعين على الحكومة الهندية والمجتمع ككل تقديم المساعدة في تطوير هذه الطائفة وتمكينها من الحصول على التعليم الحديث والعمل.