قرار «ياهو» إلغاء العمل من المنزل بين مؤيد ومعارض

59% من الشركات الأميركية تقدم وظائف للعمل عن بعد

المقر الرئيسي لشركة «ياهو» في صني فيل بولاية كاليفورنيا الأميركية (إ.ب.أ) وماريسا ماير
TT

أثار قرار ماريسا ماير الرئيسة التنفيذية لموقع «ياهو» بحظر العمل من المنزل الذي أصدرته أول من أمس ضجة كبيرة في أوساط الأعمال في الولايات المتحدة دفعت البعض للتساؤل عما إذا كان مبدأ العمل من المنزل الذي كان السمة الأساسية للتطور الذي شهده قطاع الأعمال في السنوات الأخيرة قد بدأ في الانكماش.

وفور صدور القرار بدأت بعض الشركات الأخرى في استغلال القرار لمصلحتها بنشر إعلانات عمل لجذب أفضل الكفاءات للعاملين في «ياهو» الذين لن يتمكنوا من تطبيق قرار العمل من مقار الشركة، وسيضطرون للاستقالة سواء لبعدهم عن مقر الشركة أو لأسباب اجتماعية مثل تربية الرضع.

وكان مدير الموارد البشرية في موقع «ياهو» قد بعث برسالة إلكترونية إلى رؤساء الأقسام يبلغهم فيها بقرار الشركة بحظر العمل من المنزل ابتداء من شهر يونيو (حزيران) القادم.

وقالت الرسالة إن الغرض من هذا القرار هو حاجة الشركة لتضافر جهود موظفيها والعمل جانبا إلى جانب لتحقيق أهداف الشركة. وأوضحت الرسالة أن «بعض أفضل القرارات صدرت في ممرات الشركة ومناقشات الكافتيريات ولقاء أشخاص جدد واجتماعات فرق العمل غير المرتبة مسبقا».

إلا أنه يمكن التكهن برد فعل العاملين في شركة «ياهو» الذين يزيد عددهم عن 11500 شخص فالرسالة الإلكترونية مكتوب عليها عبارة «معلومات سرية. لا تعيد إرسالها». إلا أن عددا كبيرا من العاملين أعادوا إرسالها لموقع «أول ثينغز دي» طبقا لكارا سويشر كبيرة محررين في الموقع التي بثت النبأ.

وأشار بعض الخبراء إلى أن القرار سيؤثر على نسبة بسيطة من العاملين في الشركة، وبصفة أساسية العاملين في مجال خدمات العملاء أو على العاملين في مدن لا يوجد بها مكاتب لـ«ياهو».

وقالت كارا سويشر إنها تلقت الكثير من الرسائل من عاملين غاضبين أوضحوا لها أنهم عملوا في الشركة على أساس أنه يمكنهم العمل بطريقة مرنة سواء من المنزل أو العمل في أوقات مختلفة.

وتجدر الإشارة إلى أنه تم التعاقد مع ماير التي كانت تشغل منصب نائب رئيس محرك بحث غوغل في شهر يوليو (تموز) الماضي وأعلنت بعدها أنها حامل وقد أنجبت طفلها الأول في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وعادت بعد أسابيع قليلة إلى العمل ولم تستفد من إجازة الوضع التي توفرها لها قوانين العمل في الولايات المتحدة. والمهمة الرئيسية لها هي إعادة تنظيم الشركة التي أسسها جيري يانغ وديفيد فيلو في عام 1995.

فالبر غم من أن «ياهو» وهو الأحرف الأولى من عبارة «فضولي هرمي آخر من أوركل» هي واحدة من أكثر المواقع زيارة على شبكة الإنترنت فإنها بدأت في تكبد خسائر كشركة في السنوات الأخيرة.

وقد حصل موقع «ياهو» على عدد من الجوائز من بينها «أفضل 50 مكانا للعمل» في العام الحالي بالإضافة إلى لقب واحدة من «أفضل 500 شركة تحافظ على البيئة» قبل ثلاثة أعوام، إلا أن صحيفة «الغارديان» أشارت ساخرة إلى أنها ربما تحصل على لقب «أكبر مجموعة من العاملين الذين شعروا بالضيق فجأة» في إشارة إلى قرار إلغاء العمل من المنزل.

وذكر كارمين غالو خبير الاتصالات في موضوع نشرته مجلة «فوربس» أن قرار ماير ليس بالمفاجأة كما يتصور البعض وأنها تميل إلى اللقاءات المباشرة مع العاملين. وقد أشار إلى لقاء معها حول كتاب كان يعده حيث قالت له إنها تعقد 70 اجتماعا أسبوعيا ابتداء من الساعة الرابعة بعد الظهر وإن كل اجتماع يستغرق ربع ساعة. وكل ما هو مطلوب هو أن يسجل الموظف اسمه في قائمة الاجتماعات وتبدأ في استقبالهم في مكتبها. وربما يستغرق الاجتماع عدة دقائق أو ربع ساعة كاملة. وأوضح الكاتب أنها قالت له إن بعضا من أفضل الأفكار التي تم تطبيقها في موقع «غوغل» (حيث كانت تعمل آنذاك) كانت نتيجة لتلك الاجتماعات القصير المباشرة خلال ساعات العمل.

إلا أن خبير الاتصالات أشار إلى شركة للإنترنت تتبنى مبدأ «بيئة عمل النتائج فقط» فطبقا لهذا المبدأ فإن العاملين - في بعض القطاعات – يمكنهم العمل في أي وقت ومن أي موقع المهم هو تسليم النتائج. وطبقا لبعض الشروط يمكنهم الحصول على إجازات لأي فترة يرغبون فيها. غير أنه أوضح أنه لا يمكن تطبيق هذا المبدأ على كل الوظائف والمناصب في شركات الإنترنت.

ويرى بعض الخبراء أنه كان من المفروض أن تناقش شركة «ياهو» العاملين في إلغاء قرار العمل من المنزل قبل تطبيقه.

وقد علق موظف سابق في «ياهو» قائلا: إن العمل من المنزل جعلهم أكثر إنتاجا من العمل في المكتب: «لماذا لأنني لست مضطرا لتحمل المبرمجين الأغبياء الذين يتحدثون مع بعضهم البعض بصوت عال عبر قاعات العمل في قضايا ليست لها علاقة بالعمل، ولا أتعرض لصرف الانتباه كل 20 دقيقة من جانب شخص يشعر بالملل يأتي لمكتبي يدعوني لشرب قهوة، أو لمجرد التحدث عن المعلومات المعروفة بأننا نعمل في شركة راحت أيام مجدها».

وفي الوقت ذاته تعتقد «غوغل» أن العمل في المنزل ليس أفضل بيئة لتبلور الأفكار طبقا للرئيس التنفيذي المالي باتريك بيتشت، وهو رد مفاجئ من واحد من كبار موظفي شركة جعلت البريد الإلكتروني متوفرا على مستوى العالم وشجعت الأعمال على تبني «تطبيقات غوغل» بحيث يمكن للعاملين العمل من أي مكان وفي أي مكان.

وقال: «السؤال المثير للدهشة هو كما عدد العاملين الذين يعملون عن بعد في غوغل؟ وأجابتنا هي أقل عدد بقدر الإمكان».

وأوضح بيتشت الموجود في أستراليا في الوقت الراهن لزيارة مكاتب غوغل هناك أنه يعتقد أن العمل من المنزل يمكن أن يؤدي إلى عزلة العاملين عن بعضهم البعض. وقال هناك «شيء سحري فيما يتعلق بمشاركة الطعام وقضاء بعض الوقت معا، ومناقشة الأفكار أو طرح سؤال مثل: ما رأيك في ذلك؟ وتلك لحظات سحرية نعتقد في غوغل أنها مهمة لتطوير شركتك، وتطورك الشخصي وتشكيل مجتمعات أكثر قوة».

وتعتبر الحكومة الفيدرالية الأسترالية أن «العمل عن بعد» واحد من الفوائد الرئيسية لشبكة النطاق العريض الوطنية التي ستمد شبكة إنترنت سريعة باستخدام الألياف البصرية يمكنها الوصول إلى 93% من الأستراليين.

وقد بدأت شركات أميركية تعمل في قطاع الإنترنت في استخدام موقع «تويتر» سواء للتعبير عن اعتراضهم على قرار ماريسا أو إرسال دعوات للعمل إلى العاملين في «ياهو» الذين سيتأثرون بقرار ماير.

فلم يضيع مارك غاريت الرئيس التنفيذي لشركة «إنتريديا» للبرامج الإلكترونية وقتا في نشر تغريدة للعاملين في «ياهو» قال فيها «إذا أجبرت على التقاعد، احضر واعمل معي في (إنتريديا). نعمل كلنا من المنزل».

وأكد غاريت أن العاملين من المنزل «ليسوا أقل إنتاجا من نظرائهم الذين يعملون في المكتب. وعندما يتكيف العاملون مع العمل من المنزل فإن إنتاجيتهم تزداد. إن العاملين لدينا لا يجبرون على تغيير حياتهم للعمل لدينا».

وأوضح أن العاملين في شركته يوفرون ما يقرب من 9 آلاف ساعة سنويا بعدم الانتقال من وإلى مقر العمل. ويمكنهم قضاء ذلك الوقت في ممارسة هواياتهم أو الحفاظ على صحتهم أو قضائه مع أسرهم.

وفي بريطانيا وصف ريتشارد برانسون رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات «فيرجن» التي تضم شركات تعمل في مجالات مختلفة من الإعلام للسكك الحديدية للطيران القرار – كما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية في موقعها – «خطوة متخلفة في عصر عندما أصبح (العمل عن بعد) أسهل وأكثر فاعلية من ذي قبل».

لقد انتشرت في الغرب في السنوات الأخيرة الكثير من المعدات والأجهزة والتقنيات التي تيسر العمل من خارج المكتب وتجعل من السهل التواصل معه سواء من النطاق العريض السريع والكاميرات التي تسمع بالتواصل مع المكتب وعقد الاجتماعات بالإضافة إلى أجهزة الهاتف الذكية والكومبيوترات الحضنية واللوحية التي تزداد تقدما وتنخفض ثمنا مع مرور الوقت.

وأوضحت هيئة الإذاعة البريطانية في تقريرها أن هناك مؤشرات على أن عدد العاملين في بريطانيا في تزايد طبقا لمجلس الصناعة البريطاني وأن 59% من الشركات البريطانية تقدم وظائف من المنزل في عام 2011 بالمقارنة بـ13% في عام 2006.

أما في الولايات المتحدة فقد ذكر 24% من العاملين أنهم يعملون من المنزل لبعض ساعات في كل أسبوع، إلا أن 2.5% فقط من العاملين الأميركيين أي 3.1 مليون شخص يعتبرون المنزل مقر عملهم الرئيسي.