«قلعة العريش».. في قبضة الإهمال وأكوام القمامة

شيدها الفراعنة لتأمين حدود مصر وكانت مسرحا لكثير من المعارك

TT

كانت يوما شامخة تترصد بأعينها ضجيج الغزوات، ثم تحولت مع مرور السنين وتدهور الأحوال في فترة، إلى مجرد شاهد وبقايا أثر، هو الوحيد الباقي من عبق التاريخ بمدينة العريش عاصمة سيناء الشمالية.

تقع «قلعة العريش» على مساحة نحو 300 متر مربع بجوار «سوق الخميس» الأسبوعي بحي الفواخرية، وكانت بداخلها بئر وحديقة ومساكن الجند وشهدت أحداثا تاريخية، وتعد من أهم القلاع الحصينة، حيث كانت مركزا للقاء تجار الشام وتركيا وفلسطين بمصر، وحاليا أصبحت مجرد أطلال، حيث تهدم معظمها واكتفت هيئة الآثار المصرية بوضع سياج دائري عليها، لم يمنع العديد من المواطنين المجاورين لها من إلقاء القمامة بجوارها في حين أنها من الممكن أن تصبح أثرا سياحيا مهما وموردا اقتصاديا كبيرا لمصر.

عن تاريخ وأهمية القلعة، يقول الدكتور سليمان فتوح أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعتي بورسعيد وسيناء، إن قلعة العريش قلعة فرعونية الأصل وتوجد بها نقوش مصرية قديمة وتقع في الجزء الجنوبي الغربي من مدينة العريش، وهى على ربوة عالية وعلى طريق الدرب السلطاني القديم، وورد في كتاب «تاريخ المدن المصرية» أن المصريين القدماء أحاطوا مصر بسور عظيم، ولما دقق الباحث في هذه العبارة وتتبع جذورها وجد أن المصريين القدماء بخبرتهم العسكرية ولحماية حدود مصر الشرقية والجنوبية والغربية قاموا ببناء القلاع على طول خط الحدود التي تعد بمثابة خطوط تموين وهجوم.

وبأسى تابع الدكتور سليمان قائلا: «للأسف أصبحت القلعة مقلبا للقمامة»، متسائلا: «أين دور السياحة بالمحافظة لحماية هذا المكان التاريخي من الاندثار، والذي يظهر دور أبناء سيناء الوطني في مقاومة قوى البغي والعدوان على مر التاريخ»، مشيرا إلى أنه يأمل أن تتحول هذه المنطقة إلى منطقة جذب سياحي ومركز إشعاع حضاري توصل فيه الشخصيات بتاريخها الوطني لمن حكم القلعة من أبناء سيناء وغيرهم ومن تولوا إدارة شؤون سيناء بأكملها.

وأوضح أن بالقلعة سردابا يصل بينها وبين البحر المتوسط، و«من خلال ما رواه المعمرون من أمثال الحاج عبد الشافى كريم عمدة العريش السابق، فإن هذا السرداب يؤدى وظيفة تموين القلعة في حال نقص الإمدادات، والهروب في حالة الهجوم وسقوط القلعة».

وأكد أن القلعة تقع في مكان عال ما زال حتى الآن شاهد عيان لارتفاعه رغم المباني الحديثة ذات الطوابق المتعددة، و«الواقف على أرضية القلعة يستطيع أن يستكشف مدينة العريش بأكملها، ونظرا للأهمية الاستراتيجية للقلعة، قام الخديوي عباس الثاني عام 1906 بوضع حجر أساس لبناء مسجد بجوار القلعة معروف بـ(المسجد العباسي)، وما زال حتى الآن تؤدى فيه الفروض».

وقال سالم حسين صباح مدير إدارة السياحة بمحافظة العريش إن «القلعة تتبع (الآثار) وليس (وزارة) السياحة، وحدثت بها حفائر أكثر من مرة، كما تم رصد مليون و800 ألف جنيه من وزارة الآثار، بالإضافة إلى 3 ملايين من موازنة الدولة، وتم حضور عدة اجتماعات بشأن تطوير القلعة، لكن لم يتم شيء حتى الآن على أرض الواقع».

ويقول عبد العزيز الغالي، عضو اتحاد الكتاب ومؤرخ سيناوي، إن «أهالي العريش يرتبطون بصلة روحية مع القلعة، ويوجد بينهما نوع من الألفة، حيث تمثل القلعة لهم كل ما تبقى من تاريخهم المهم، لأن بعض أصول أهالي العريش يرجع إلى بعض ممن كانوا يقومون على حراستها، حتى إن جزءا من العائلات ينحدر من أحد حكامها، ويقولون عنه إنه جد العرايشية ويدعى على بوشناق».

وأضاف الغالي أنه يرجح أن تاريخ تشييدها الأصلي يعود للعصر الفرعوني، وأن من أكمل تطويرها هو السلطان سليمان القانوني عام 1560 حتى ساد في عرف الباحثين أنه من أنشأها.

وعن أهميتها الاستراتيجية، قال: «كان لها دور دفاعي عظيم، حيث كانت مسرحا تاريخيا لكثير من المعارك، واحتلها الفرنسيون بعد تغلبهم على الحامية العثمانية في معركة استمرت يومين متتاليين قتل فيها 500 جندي من الأتراك، ولكن عاد الأتراك وانتزعوها من أيدي الفرنسيين بجيش قوامه 80 ألف مقاتل بقيادة الصدر الأعظم يوسف باشا، واستسلمت الحامية الفرنسية عام 1801 ووقعت اتفاقية جلاء الفرنسيين عن مصر في 24 يناير (كانون الثاني) من العام نفسه، وعرفت باسم (اتفاقية العريش)».

ويقول الدكتور قدري الكاشف الخبير والمحلل السياسي بشمال سيناء، إن «قلعة العريش تقع على قمة هضبة مرتفعة جنوب غربي العريش، وقد اختير موقعها بشكل يتواءم وحماية طريق الحرب والتجارة الشمالي، كما أنها كانت تؤدي وظيفة إدارة شؤون العريش القديمة الملاصقة لها، والقلعة فرعونية الأصل، وكانت توجد بها نقوش مصرية قديمة، وأعيد تجديدها وترميمها خلال العصور التاريخية المختلفة، وكان أهم هذه التجديدات ما قام به السلطان التركي سليمان القانوني»، مشيرا إلى أن السوق المجاورة لها كانت تسمى «الفوقاني» نظرا لعلو المكان الذي كان يصعد له السكان صعودا، وأن «القلعة أقيمت في منطقة عالية تسمح بمراقبة مناطق واسعة حتى في البحر، وتشرف على طريق التجارة والحرب الشمالي وتقوم بتأمينه».

وقال كمال الحلو رئيس مجلس إدارة «جمعية متحف التراث» إنه من الممكن ترميم القلعة ورفعها مقدار متر أو اثنين من على الأرض، «في الوقت نفسه، يتم عمل تدوين بيانات تاريخها والأحداث وكل المواقع التي وقعت فيها، بما فيها معاهدة العريش»، مضيفا أنها «من الممكن أن تكون مزارا سياحيا مهما للمهتمين بالسياحة الأثرية، وذلك بالتنسيق مع محافظة شمال سيناء وهيئة الآثار».