راديكا مينون.. أول هندية تعمل ربانا لسفينة تجارية

إضافة إلى 40 امرأة في الأسطول التجاري بعضهن مسلمات

TT

راديكا مينون هي أول امرأة هندية تعمل ربانا لسفينة تجارية. تتحدث عن إصلاحات الماكينات بصورة مريحة جدا، كما لو كانت تتحدث عن أحدث صيحات الموضة، وتبدو راضية عن كل من تكييف الهواء بغرفة الانتظار والتدفئة التي تبدو أشبه بحرارة الفرن في غرفة الماكينات.

وبينما من المحتمل أن تكون قد تكيفت مع مسؤولياتها كربان لسفينة من دون جلبة، فإن المتخصصين في النقل البحري ما زالوا يتعجبون من اضطلاع امرأة بهذه الوظيفة. تقول راديكا «في أي وقت نقترب فيه من ميناء، ويسألنا موظف الميناء عن اسم الربان، يمكنك أن تجد حالة من الصمت المفاجئ بعد أن تسمع سلطات الميناء اسم (راديكا). ودائما ما يتعين علينا أن نكرر على مسامعهم الاسم كي يتأكدوا أننا لم يجانبنا الصواب». البعض حتى قد ظنوا أنها رجل بصوت أنثوي ذي تردد عال، وهو تردد راديو تستخدمه السفن في التواصل مع بعضها البعض.

إن حالة الشك والارتياب ليست مفاجئة. ففي المقام الأول تدخل السفن التجارية في نطاق أنشطة الرجال. لقد مرت 12 سنة منذ أن تخرجت أول مهندسة بحرية في الهند في معهد الهندسة البحرية والأبحاث بكلكتا واتجهت إلى الأسطول التجاري. الآن، نجد المزيد والمزيد من النساء المولعات بـ«حركة العجلات والرياح واهتزاز الشراع الأبيض»، من دون تبرم من التعرض للأوساخ أو من ساعات العمل الشاقة الطويلة.

في عام 2001، كسرت سونالي بانيرجي (25 عاما)، حاجز السيطرة الذكورية على الأسطول التجاري الهندي لتصبح أول امرأة تتأهل لتصبح ضابطة بحرية تجارية، وتبعتها سواتي سينغ وسونيكا جوشي التي أصبحت أول ربان تحت التدريب.

يقول الكابتن فيفكاناند، مدير الدراسات البحرية بجامعة فيلس «هناك نحو 40 سيدة في الأسطول البحري التجاري عبر أنحاء الهند». وقال إنه في بعض الدول الأوروبية، تمثل النساء نسبة 50 في المائة من القوة العاملة البحرية. وأشار إلى أن المزيد من النساء بحاجة لاستكشاف الأسطول البحري التجاري بوصفه خيار عمل، إذ إن هناك طلبا كبيرا على السيدات الهنديات في المهنة، نظرا لأسلوبهن الاحترافي في العمل.

تعمل راديكا مينون الآن منذ سبعة أشهر كربان على متن ناقلة النفط التابعة لشركة الشحن البحري الهندية. أبحرت مينون في مسطحات مياه لم تتم تجربتها من قبل في مجال الشحن البحري في وقت مبكر. في عام 1991، انضمت إلى شركة الشحن البحري الهندية كضابط لاسلكي. وقد تطلبت تلك الوظيفة متابعة أنظمة الاتصال بالسفينة. وتقول «حتى في ذلك الحين، كنت السيدة الوحيدة التي تعمل في وظيفة ضابط لاسلكي في الدولة». وقد ارتقت السلم الوظيفي عن طريق الإشراف على اختبارات قبول لمتقدمين لوظائف أو كضابط أول للسفينة (نائب الربان) أو ضابط بحري ثان، وأمضت الوقت المطلوب في البحر للتأهل لشهادة ربان، التي حصلت عليها في عام 2010. والعام الماضي، اضطلعت بمسؤولية قيادة «إم تي سوفارنا سواراجيا»، التي أبحرت على متنها مرتين من قبل. وتقر بأنه من القاسي أن تكون امرأة في قطاع طالما عرف بأنه معقل للرجال. وتقول «ربما يكون طاقم العمل هنا قد فوجئ في البداية حينما تنامى إلى علمه أنه ستقوده امرأة. ربما كانوا في حالة من العصبية تفوق تلك التي كنت عليها. لكن الأمر يعتمد على أسلوبك في التصرف والذي تقنعهم من خلاله بقدرتك على القيادة. بقولي ذلك، أعترف بأنه، كما هو عليه الحال في مجالات العمل الأخرى، عادة ما تخضع أي امرأة لمراقبة بصورة تفوق أي رجل للوقوف على الأخطاء والزلات التي ربما تكون قد وقعت فيها». ومن خلال عملها كربان سفينة، يجب أن تضمن أن طاقمها المؤلف من 40 شخصا يقوم بوظيفته على الوجه الملائم. وتقضي يومها على ظهر السفينة في فحص العنابر والصيانة والنهوض بإجراءات الإشراف، وعقد اجتماعات السلامة والتواصل مع الفريق، والتحقق من أن السفينة جاهزة بجميع السبل الممكنة قبل وصولها إلى ميناء التوقف التالي. إن العمل يوميا على مدار الساعة يتطلب أيضا تحمل المسؤولية عن أمان السفينة وطاقم العمل والحمولة، ومن ثم، تكون بمثابة وظيفة عادة ما تتطلب أعصابا قوية وقدرة على اتخاذ قرارات بسرعة.

لقد وجدت مينون نفسها في موقف صعب في مرحلة مبكرة من توليها مهمة قيادة سفينة، حينما اكتشفت أن سفينتها في طريقها لمواجهة إعصار في ناغاباتينام. تروي مينون قائلة «بدأ من ساحل سريلانكا الشرقي وكان متجها نحونا. رأيت مسار الإعصار على شبكة الإنترنت واتخذت إجراء مبكرا لتغيير مساره». وفيما بدأت شركات الشحن البحري تعتاد على زيادة عدد السيدات العاملات بها، لم يفكر أحد قط في تغيير تسمية الربان إلى آخر لا يبرز الاختلاف في النوع. تقول مينون «هذا لا يشكل أي فارق. إنني راضية تماما لكوني ربانا للسفينة ولمصيري».

تقول شارفاني ميشرا، وهي بحارة أخرى، في فترة راحتها «دائما ما تكون هناك مشكلات مرتبطة بالموقف العام تجاه عمل المرأة في هذا المجال، لكن ما دامت المرأة محترفة وتعمل بجد وتتمتع بالكفاءة في عملها، فستحظى باحترام الجميع». وماذا عن مشكلات مثل التحرش الجنسي والتمييز في مكان العمل؟

تتكرر عبارة «نحن نتمتع بدرجة أكبر من الأمان على متن السفينة منه على الأرض» بين السيدات العاملات على متن السفن. إضافة إلى ذلك، فإنه تتم معاملة السيدات على قدم المساواة بالرجال، ويكون متوقعا منهن أن يؤدين المهام نفسها التي يؤديها الرجال. تقول ميشرا «إذا حدث عطل في منتصف الليل يكون متوقعا منك أن تتوجهي إلى عملك، حتى وإن كنت قد خلدت للنوم قبل ساعتين فقط بعد إنهاء نوبة عملك».

غير أن العمل على متن سفينة قديمة ربما يعج بالتحديات. تسترجع ميشرا قائلة «في إحدى رحلاتي السابقة كنت على متن سفينة تعود إلى فترة تتراوح ما بين 15 و20 عاما مضت. كانت فترة مريعة. فقد كان لزاما علي أن أظل مستيقظة معظم الليالي لضمان أن السفينة تعمل من دون أعطال». في واقع الأمر، ربما يكون العيش على متن ناقلة نفط مليئا بمخاطر بصورة تفوق العيش على متن السفن التي تحمل بضائع جافة (مثل خام الحديد والحبوب بكميات ضخمة). لكن لا يبدو أن هؤلاء السيدات يمانعن هذا.. «في النهاية، يبدو أنها فترة ما بين أربعة إلى خمسة أشهر».

سوف تنضم أنكيتا سريفاستافا، وهي أم لطفل عمره عام واحد، إلى العمل هذا الشهر بعد راحة مدتها عامان. وتعوض كل الكدح الذي تكدحه والعرق وفترات الوحدة الزيارات التي تقوم بها إلى أماكن خلابة والراتب الذي يقدر بالملايين. تقول أنكيتا «يكون سفرنا بالمجان وينتهي بنا الحال إلى توفير راتبنا بأكمله. ماذا يمكننا أن نطلب أكثر من ذلك؟». يعتبر السفر إلى الأهرامات وإلقاء نظرة خاطفة على الحاجز المرجاني العظيم أو مشاهدة الدلافين تسبح بجانب السفينة بعضا من المميزات غير المعتادة لوظيفة. وفي نهاية اليوم، بينما يغط العالم بأسره في النوم، تكون الفكرة المسيطرة على ذهن المهندسة البحرية هي القيادة السلسة للسفينة.

بالمثل، بعد عودتها من فترة تدريبية مدتها ستة أشهر في البحر، ربما تكون نعيمة خان، المبتدئة، التي ربما تعد أول امرأة هندية مسلمة تعمل في البحرية، قد ضجرت من الرد على النقاد المراوغين. تقول نعيمة، التي أبحرت على متن شاحنة نفط تابعة لشركة نمساوية، «سيارلاند»: «تطلب الأمر ستة أشهر من الانكباب على العمل - لا امتيازات بسبب اختلاف النوع. ظللنا نقوم بالفحص لفترات مطولة في غرفة الماكينات، تماما كالرجال»، هكذا تحكي نعيمة، التي أبحرت على متن سفينة تابعة لشركة «شيفرون» الأميركية. وتضيف باعتزاز «أثناء عطل رئيسي في ماكينة، ظل كبير المهندسين يطلب مني أن أستريح؛ ظن أنني على وشك الانهيار. لكنني أخبرته بأنني على ما يرام».

غير أن وابلا من الأسئلة ظل ينهال علي «أثناء عمليات اختيارنا في الحرم الجامعي، ظل من يحاورني يركز على حقيقة أنه حتى أكثر الرجال صلابة قد خارت قواهم في مثل هذه الظروف. ورغب في معرفة ما إذا كان بإمكاني مواكبة الظروف أم لا». إن التمييز محدود، لكنه حاد. «من بين الشركات الأربع والعشرين التي أتت لاختيارنا من الحرم الجامعي، لم تتحدث إلينا سوى ثلاث فقط»، هذا ما تقوله ديبيكا راو في اشمئزاز.

بعدها، بالطبع، يأتي السؤال الأهم، وهو: هل ستقدمين استقالتك عند زواجك؟ تقول راو «أخبرت محاوري بأنني على مدار الأعوام الخمسة المقبلة على الأقل أنوي الإبحار». أما عن الآن فتتطلع «ناياك» إلى البحث عن النفط على متن سفينة أبحاث تابعة لشركة ألمانية. وتبلغ قيمة راتبها المبدئي أربعة آلاف دولار. ترى هل تشعر بأن الأمر يستحق العناء؟ «إنني لست منادية بالمساواة بين الجنسين. فقط مبتدئة أرغب في معرفة إلى أي مدى يمكنني المضي قدما..». في المقام الأول، دائما ما مثلت الرحلة أهمية أكبر من الوجهة. لكم أن تسألوا سندباد.