الاضطرابات العالمية تجلب مشترين جددا للسيارات المدرعة

هندسة أوروبية تختبر وتعتمد في ألمانيا وتصنع في دبي

تجهيزات السيارة المدرعة لكل الأجواء
TT

في ورشة بمنطقة صناعية متربة على مشارف دبي يعكف مهندسون على تفكيك سيارة «تويوتا لاند كروزر» لتركيب ألواح مصفحة وزجاج مضاد للرصاص وإطارات مقاومة للثقوب.

وبعد انتفاضات «الربيع العربي» ومع تفاوت الثروات واندلاع القلاقل الاجتماعية في مناطق كثيرة من العالم طفت على السطح فجأة حكومات ثرية وطبقة من الأفراد الموسرين ممن شعروا بحاجتهم إلى وسائل حماية إضافية.

وبالنسبة إلى شركات مثل «انكاس» الكندية و«جانكل» البريطانية و«ترانسيكو» الألمانية فقد شهدت أرباحا وفيرة خلال السنوات العشر الأخيرة. وحتى وإن بدأت الحرب في العراق وأفغانستان - وهي ضمن الصراعات التي نمت خلالها هذه الصناعة - تضع أوزارها، فلا تزال هناك صفقات في الأفق.

وتقول شركة «اريس سيكيوريتي فياكيلز» - التي تأسست عام 2010 ودخلت السوق في الآونة الأخيرة لكن يعمل بها أشخاص مخضرمون في الصناعة - إن لديها سجل طلبيات كبيرا ومتزايدا.

ويقول مارك رويللي، وهو مهندس بلجيكي يتولى الآن منصب الرئيس التنفيذي للشركة التي يقع مقرها في دبي: «هذه الدفعة من العربات سترسل إلى العراق». ويضيف: «والمجموعة التي في الخلف سترسل إلى روسيا. وننتظر تسليم 30 سيارة غدا... سترسل إلى ليبيا».

ومع خفض الإنفاق في أنحاء العالم تقول شركة «آي إتش إس جينز» للاستشارات الصناعية إن سوق المركبات العسكرية التقليدية تتقلص بأكثر من أربعة في المائة سنويا. لكن الطلب على السيارات الرياضية والسيارات الصالون المصفحة - التي لا يمكن تمييزها من حيث الشكل عن العربات المدنية العادية لكنها مضادة لنيران الأسلحة الصغيرة والقنابل - في ازدياد.

أما المعيار الذهبي - الذي ربما لا يثير الدهشة - فقد حددته السيارة الصالون الكاديلاك للرئيس الأميركي باراك أوباما التي أطلقت عليها وسائل الإعلام الأميركية وجهاز الخدمة السرية اسم «الوحش»، والتي يعتقد أنها تزن بضعة أطنان ومزودة بأسلحة دفاعية خاصة وإمداد بالهواء تحسبا لوقوع هجوم كيماوي.

وتنتج شركات رئيسية كثيرة لصناعة السيارات - من بينها «مرسيدس – بنز» و«بي إم دبليو» و«جاغوار» و«لاند روفر» - النسخ المصفحة من سياراتها. لكن معظم الشركات التي تتعامل في هذا القطاع تضم وحدات تقوم بتصفيح السيارات الجديدة أو المستعملة وتكون في معظم الأحوال أرخص كثيرا، لكن مبيعات السيارات التي تصنع خارج أوروبا الغربية والولايات المتحدة لا تخضع للقيود المعقدة الخاصة بالتصدير.

وتجارة تحويل السيارات إلى أخرى مصفحة ليست بالجديدة، إذ تقوم شركة «جانكل» البريطانية - التي تصنع عربات مصفحة تستخدم في مكافحة الشغب للشرطة والجيوش - بتصفيح وإعادة تجهيز سيارات مصفحة لرؤساء الدول وعملاء آخرين منذ ثمانينات القرن الماضي، لكنّ مراقبين بهذه الصناعة يقولون إن مجال واتساع الطلب في السنوات الأخيرة كان جديدا تماما. ويقول محللون إنه في تلك الدول التي تأثرت على نحو خاص بالربيع العربي شهد الطلب من جانب الحكومات والأفراد والشركات زيادة كبيرة.

ويقول جون هوكس كبير المحللين في مجال المركبات العسكرية بشركة «آي إتش إس جينز»: «إنها سوق غامضة ومن الصعب الحصول على إحصاءات دقيقة». ويضيف: «لكن الشركات تتحدث عن زيادة بواقع 30 - 40 في المائة في المبيعات خلال فترة السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة. كبرى الشركات المصنعة للسيارات تدرك بدرجة متزايدة أن هناك أموالا يجري تحصيلها».

وتتفاوت الأسعار لكن العربة «لاند كروزر» المصفحة يمكن أن يبلغ سعرها 150 ألف دولار أو أكثر، وهو ما يزيد ثلاث مرات عن سعر سيارة عادية غير مصفحة.

وفي مدخل ورشتها في دبي تفخر شركة «اريس» بعرض إحدى السيارات التي اجتازت اختبارات قاسية لإطلاق النار في ميدان رماية تجريبي بألمانيا. وتقول الشركة إنها إذا منحت الوقت الكافي فيمكنها تغيير أي سيارة تقريبا، لكن السيارة «تويوتا لاند كروزر» كانت المفضلة بدرجة كبيرة.

ويقول الرئيس التنفيذي رويللي إن مصنع دبي ينتج الآن سيارتين من هذا النوع يوميا للشحن بصفة أساسية إلى العراق وأفغانستان، ولكن بدرجة متزايدة إلى مشترين آخرين في أماكن أخرى.

وبرزت منطقة الشرق الأوسط بصفتها المركز الرئيسي لهذه الصناعة بسبب قربها من منطقتي حرب وأسواق أخرى. وفي ذروة الحربين العراقية والأفغانية كانت أكثر من عشر شركات تعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها تنتج ما يقول العالمون ببواطن الأمور في هذه الصناعة إنه 400 سيارة شهريا. ويقول خبراء هذه الصناعة إن هذا المعدل تراجع في الآونة الأخيرة. ومن أسباب ذلك سحب قوات غربية مما يعني انخفاض عدد الأفراد الأجانب على الأرض. وفي نفس الوقت فإن الورش تزايدت في العراق وأفغانستان وأصبحت قادرة على تحويل السيارات الخاصة بها وتصفيحها.وأنشأت عدة شركات من بينها «اريس» ورشا لها في أماكن أخرى. وأصبح الأردن من الأماكن المفضلة بوجه خاص لأن له حدودا برية مع العراق. غير أنه بالنسبة لرويللي فإن دبي تمثل قاعدة أكثر جاذبية، إذ إنه بالإضافة إلى سهولة جلب القوى العاملة الوافدة فإنها تفرض ضرائب قليلة وموقعها جيد بالنسبة للأسواق النامية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. وقال: «الإمارات قاعدة جذابة لعملياتنا الرئيسية». وأضاف: «هندسة أوروبية تختبر وتعتمد في ألمانيا وتصنع في دبي».

والشركات المتعددة الجنسيات وخصوصا شركات النفط من كبار المشترين لهذه المنتجات، ومثل هذه السيارات وسائل مفيدة أيضا في جلب خفض في التأمين. والأغنياء في الاقتصادات الصاعدة يأملون في أن توفر حماية من الخطف وعنف الشوارع. لكن رجال هذه الصناعة يقولون إن الأموال الحقيقية ما زالت تكمن في التعاقدات الحكومية الضخمة.

وفي معرض الأسلحة الذي أقيم الأسبوع الماضي في أبوظبي عرضت «اريس» وعدة شركات أخرى منتجاتها من العربات المصفحة، إضافة إلى موردي الدفاع التقليديين. وهم يقولون إن السيارة «لاند كروزر» التي بها ثقوب طلقات اجتذبت الاهتمام.

وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوجه خاص فإن أجهزة الشرطة السرية وقوات الأمن الحكومية زادت مشترياتها من هذه المركبات. وتقوم بعض الشركات المصنعة بالتوسع في إنتاج العربات التي تستخدم في مكافحة الشغب من الطرز العسكرية، وهي سوق أخرى متنامية حيث تعتقد أنه يمكنها المنافسة مع شركات دفاعية أكبر وأكثر رسوخا.

ومع وجود دول كثيرة تشهد زيادة في أعمال الشغب والاضطرابات منذ الأزمة المالية يزداد الطلب على مثل هذه العربات. ونسب الفضل إلى عربات الشرطة المصفحة التي تنتجها شركة «جانكل» في المساعدة في استعادة النظام في لندن بعد أعمال شغب 2011.

وقال رويللي إن أغرب طلب حتى الآن ورد من شخص ما يبحث عن سيارة رياضية مدرعة من نوع «بورشه». ورفض رويللي هذا الطلب مفضلا التركيز على الأنواع التي تنتجها الشركة بالفعل. لكن شركات أخرى تقدم تلك الخدمة. وتقول شركة أميركية هي «لاسكو غروب» إن العربة المصفحة من نوع «فيراري» تتكلف 100 ألف دولار بالإضافة إلى السعر الأصلي.

وقال هوكس: «في بعض الأحيان ينظر إلى هذه السيارات على أنها نمط حياة». وأضاف: «هؤلاء المشترون أقل اهتماما بمدى قدرة هذه السيارات على مقاومة الرصاص».