عاشق للتحف والمقتنيات يوثق حياة المصريين

الخمساوي أسس نادي «التاج الملكي للهوايات» .. ويحلم بتحويله إلى متحف دائم

مقتنيات نادرة لمظاهر الحياة اليومية المصرية على مدار 200 عام يضمها نادي التاج الملكي («الشرق الأوسط»
TT

في دهاليز شارع النبي دانيال، أعتق شوارع الإسكندرية، اختار رأفت الخمساوي أن يجمع مقتنياته من التحف والطوابع والصور والرخص والوثائق التاريخية التي يزيد عمرها عن مائتي عام ليودعها في شقة حولها إلى بانوراما للعرض المتحفي برؤية فنية متميزة. دفعه عشقه لجمع كل ما يخص الحقبة الملكية المصرية لتأسيس «نادي التاج الملكي للهوايات» الذي يرأسه، وهو يعتبر أكبر منتدى ثقافي للهواة والباحثين التاريخيين وجامعي الوثائق.

كانت هواية جمع الطوابع هي التي أدخلت رأفت هذا العالم السحري، ودفعه حبه لأسرة محمد علي وأفراد العائلة الملكية إلى جمع كل ما يتعلق بهم من صور ومراسلات وطوابع وكروت بوستال، قائلا: «لدي صور عليها توقيع الملك فاروق وصور أخرى من عهد الخديوي إسماعيل، فضلا عن الطوابع البريدية الصادرة في المناسبات الملكية بالتسلسل التاريخي».

وعلى مدار 20 عاما، أصبح رأفت يمتلك أكبر مجموعة من التحف والمقتنيات توثق للحياة اليومية في مصر تضاهي ما تضمه المتاحف الأثرية. وبين أرجاء ما يشبه المتحف، تجولت «الشرق الأوسط»، وكان من اللافت البرواز الضخم الذي تطل من خلاله صورة أصلية للملك فؤاد ملونة وعليها توقيع فنان إنجليزي قام بتلوينها بطريقة متميزة، وهنا قال رأفت بزهو كبير: «تلك الصورة من أندر الصور للملك فؤاد، وكانت تهدى لكبار رجال الدولة، وطولها متر، وتمت طباعتها في بريطانيا، وعليها ختم بارز يؤكد أنها نسخة أصلية منذ عام 1930، وهي من مقتنياتي التي أعتز وأفخر بها، وقد عثرت عليها بالصدفة عند أحد تجار التحف في القاهرة، منذ سنوات».

ما يثير الإعجاب حقا، هو تفاني الخمساوي في ترتيب كل ما يجمعه، وفقا لكل حقبة تاريخية، فكل مجموعة من الطوابع يصاحبها وثائق في الفترة نفسها وكروت بوستال وعملات وكتب ومراجع ورخص الشيالين والسائقين والبائعين، وأدوات الحياة اليومية في تلك الفترة من جرامافونات وموازين وأقلام وحتى القداحات وغيرها، مما يجعلك وكأنك تعيش في تلك الحقبة بكل تفاصيلها اليومية.

برع الخمساوي في تقسيم مقتنياته إلى ما يشبه أقسام في طريقة رائعة للعرض، حتى إنك يمكن أن تتعرف على حياة المصريين والمنزل المصري من الإبرة للصاروخ، فكل قسم يضم توثيقا لمرحلة ما، أو لتطور استخدام أدوات معينة كآلات التصوير وأدوات طهي الطعام والموازيين والمكاييل المصرية، وماكينات طحن البن، وماكينات الطباعة، وآلة صب الطرابيش، والأواني الفخارية، والأثاث الشرقي الأصيل، وكذلك علب المجوهرات والتليفونات القديمة وغيرها.

يعتز رأفت الخمساوي بما جمعه من مجموعات قيمة من الطوابع، التي أصبح مسؤولا عن تقييمها وإعطاء شهادات للهواة، ويقول: «تبدأ الهواية عادة بجمع عدد من الطوابع؛ لا يستطيع الهاوي أن يفرق بين الأصلي والمقلد، ويأتي بما لديه هنا ونرشده إلى كيفية التمييز ما بين الغث والثمين، ثم ندله على كيفية العناية بالطوابع والاهتمام بها والأدوات التي يجب أن يقتنيها ليطور هوايته، ثم نرشده لكيفية نزعها من على الأظرف، ثم وضعها في ألبومات، لأن بصمات الأصابع على الطابع قد تفقده قيمته، ثم تأتي مرحلة تصنيفها تاريخيا»، ويؤكد الخمساوي أن «قيمة الطوابع أنها تروي تاريخ الأمم والشعوب، فهناك طوابع تحكى قصص قيام الثورات أو المناسبات الملكية أو حكاية شخصيات تاريخية بعينها». ويضيف: «من أقيم المجموعات مثلا مجموعة بور فؤاد مثلا تصل إلى 2000 دولار، ومجموعة قناة السويس، ويجب أن تكون المجموعة مختومة من أمهر جامعي الطوابع، ويكون الختم مدرجا في صالات المزادات العالمية».

ويشير رأفت إلى أنواع الطوابع عالميا، ومنها أن الطابع غير المستخدم «فيرست يوز»، وهناك أسماء أخرى للطوابع، وهي «المينت»، وهي أغلى طوابع، ولم يستخدم للمراسلات على الإطلاق، أو «الشارنييه»، وهي طوابع استخدمت في المراسلات، وأحيانا وفقا لشخصية المرسِل والمرسل إليه قد تزيد قيمة الطابع، وأيضا وفقا للختم المختوم به.

ويصنف الهاوي ضمن هواة «الأوبن كلاس»، حينما يتمكن من ربط الطوابع بالمناسبات والميداليات والدبابيس والكروت البوستال والخرائط والجرائد.

ويوضح الخمساوي: «الحلقات التي نعقدها هنا في نادي التاج الملكي تتضمن مساعدة الهواة على الاحتراف في جمع ما يريدون، وإمدادهم بالكتب والمراجع اللازمة، كذلك ننسق معا موضوع المبادلة ما بين الهواة ومساعدتهم في استكمال مجموعاتهم، فضلا عن منتديات الشعر والقصة التي نعقدها معا هنا كل يوم أربعاء من كل أسبوع».

وفي قسم آخر، وثق الخمساوي للصحف والمجلات المصرية منذ بداية صدورها في أواخر القرن التاسع عشر، وحتى أحداث الثورة المصرية، كذلك وثق الخمساوي للصحافة المدرسية والمجلات التي كانت تصدرها أرقى مدارس الإسكندرية.

تطورت هواية الخمساوي، بل أصبح خبيرا في توثيق المقتنيات وإعداد كشافات دورية للمجلات والصحف، التي لا يوجد توثيق لها في دار الكتب والوثائق المصرية، ومنها «الوطن» و«المؤيد» و«الفلاح» و«الأهرام»، مما جعل مكتبة الإسكندرية تستعين به في مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، وأيضا في معرض «من فات قديمة تاه»، كذلك أمد المكتبة بأعداد مجلتي «العربي» و«الدوحة» حيث كانت المكتبة تقوم بتوثيق لتاريخ المجلتين في كتالوغات.

يفخر الخمساوي بأن زواره ما بين باحثين شبان من مختلف الجنسيات وأناس مرموقين، وأهمهم زيارة الأميرة فايزة حفيدة الأميرة فائقة أخت الملك فاروق الصغرى، وابنة الملك فؤاد الأول من الملكة نازلي. يقول الخمساوي: «جاءت زيارتها بعد أن جاء خطيبها البروفسور روبرت ستولز، وهو مدير برنامج (فلاغ شيب) بالإسكندرية ويتحدث اللغة العربية بطلاقة، وكان يبحث عن صور تخص جدتها الأميرة فائقة، ثم رافقته مع عدد من أصدقائهم من المصريين والأميركيين لزيارة مقرنا، وقد أثار إعجابها صورة الملك فؤاد، وقاموا بالتقاط الصور التذكارية أمام الصورة مرتدين الطربوش المصري».

ويحلم الخمساوي بتحويل مقره إلى متحف دائم مفتوح للجميع، وخاصة لهواة توثيق التراث ليستزيدوا منه ويتعرفوا على تاريخ مصر. كما يطمح رأفت الخمساوي في أن يكون هناك رعاة يهتمون بجامعي الوثائق والطوابع والتحف، وأن يتم دعمهم لعرض مقتنياتهم في معارض تجوب العالم لتعرف الشعوب بحضارة مصر وتاريخها، قائلا: «أحيانا أرغب في عرض ما أملك في الخارج، لكن تكاليف النقل والتأمين تكون مرهقة، ولكن إذا اهتم الرعاة بتمويل تلك المعارض، فستدر دخلا وفيرا وستشجع المزيد من الهواة على عرض ما في حوزتهم من كنوز تاريخية».