«الألباستر» كان هدية الفراعنة لزوار مصر

الملك خوفو أول من أهداه ويستعصى على التقليد الصيني

TT

تقول الرواية الفرعونية إنه عندما قام مهندس الملك خوفو المسؤول وقتها عن تصميم وبناء الهرم الأكبر بقطع ألواح ضخمة من أحجار الرخام المصري أو الألباستر، ونقلها عبر النيل ليقوم بتغليف حجرة الملك خوفو التي بناها داخل الهرم، كانت بمثابة لوحة جمالية داخل حجرات الأهرامات؛ لما يتمتع به هذا الحجر الجميل من طواعية للنقش تظهر إبداعات الفنان الذي يتناولها، ولكنه لم يكتف بهذا؛ فقد شعر المهندس «الأمير حم ايونو» أن باستطاعته من خلال هذا الحجر ابتكار الكثير، فأهدى الملك «خوفو» نموذجا مصغرا من تصميمه للهرم الأكبر. وبعدها قام الملك بإهداء كل أصدقائه من الملوك والأمراء ممن زاروا مصر قطعا من الألباستر كتب عليها «خوفو راعي الأرض»، ومن هنا أصبحت قطعة الألباستر أجمل هدية يمكن أن يأخذها الزائر لمصر.

الأسطى «أشرف عمرو» (53 عاما) يجلس داخل محله بحي «خان الخليلي» السياحي بالقاهرة، مبتسما بزهو وهو يتأمل بضاعته من قطع الألباستر في انتظار زبائنه حتى يشرح لهم أصل كل قطعة من الألباستر الموجودة في محله وكأنه أستاذ تاريخ شغوف بإيصال المعلومة لطلابه.

يقول أشرف كان «الألباستر وما زال مصدر إبداع وإلهام للنحاتين المصريين على مر العصور. ورغم أنني لم أحصل على شهادة دراسية في مجال الفنون فإنني عشقت النحت على الألباستر.. كانت يداي تبدعان أعمالا فنية رائعة من هذا الحجر، من يشاهدها لا يفرقها عن تلك التي تقبع خلف الواجهات الزجاجية في المتاحف، ولذلك يقبل على شرائها السائحون ممن يزورن مصر ليهدوها لأصدقائهم، فتكون أجمل هدية يحملونها من أرض الفراعنة». وحول طبيعة هذه المهنة يضيف أشرف: «عشقت العمل في هذه المهنة منذ أن كنت في العاشرة، فقد كنت أراقب والدي وهو ينحت أجمل الأشكال على قطع الألباستر. كان يسافر إلى الأقصر وأسوان لجلب الرخام (الألباستر الخام) ويبدأ في تشكيله. كان الأجانب ينبهرون من سرعته ودقته المتناهية وهو يحول قطعة من الحجر من دون ملامح إلى قطعة فنية جميلة تسلب الألباب. تعلمت من والدي السرعة مع الإتقان والإبداع. وبعد رحيله أصبحت أسير على نهجه، فحرفيو «الألباستر» في أسوان والأقصر كثيرون، ولكن في «خان الخليلي» لا يعدون على أصابع اليد الواحدة».

وحجر «الألباستر» عبارة عن تركيبة من الجبس الطبيعي دقيق الحبيبات ذي شفافية عالية، ولونه أبيض صاف أو مخلط مع اللون البني المحمر، كما يتمتع بدرجة عالية من الليونة، وهذه الصفة أهلته ليقتحم عالم الديكور، حيث يتم تشكيله بسهولة لصناعة الأعمال الفنية الدقيقة والتحف المنزلية. كما كان «الألباستر» المصري يستخدم منذ عصر الفراعنة في المعابد والتماثيل وصناعة الأواني والتحف.

يعتز الأسطى أشرف بأدوات العمل التي يعمل بها، ويقول: «هذه الأدوات هي أهم مقومات الإبداع والحياة، فالمبرد والإزميل هي بالنسبة لي بمثابة الريشة والألوان، ومن ثم تأتي أهم مرحلة التي يبرز فيها جمال الرخام، وهي التلميع والجلي بواسطة الملح الخشن ومادة البودريش».

وحول تقنيات العمل يؤكد الأسطى أشرف أن القطعة الواحدة قد تستغرق دقائق عندما تكون عبارة عن «خرطوش» طوله لا يتعدى 10 سم، ويكتب عليه الاسم بـ«الهيروغليفية». وهناك قطع تحاكي بعض التماثيل الفرعونية، أو الأدوات المنزلية التي كانت تستخدم قديما، بالإضافة إلى الكثير من قطع الديكور الحديثة من فازات، ووحدات إضاءة، وأطباق فاكهة وغيرها، وأحيانا يطلب مني تشكيل أشياء على حسب رغبة الزبون.

ويبتسم الأسطى أشرف في ختام حديثه مؤكدا أن «صناعة الألباستر لم يستطع الغزو الصيني إصابتها بأي مكروه، رغم كل المحاولات بتقديم موديلات متنوعة وأسعار أرخص، إلا أن الخامة المصرية النادرة والإبداع الذي يقدمه الحرفي المصري تفوق ووقف صامدا. إلا أن السياحة وتدهور أحوالها أصابنا في مقتل، فقد يمر علي أيام لا أبيع فيها سوى بضع قطع صغيرة لا يتعدى ثمنها عشرات الجنيهات. بالإضافة إلى زيادة أسعار الخامات ونقلها، مما يجعلني أخاف على مستقبل المهنة، وأولادي بدأوا يتذمرون من قلة حركة البيع والشراء، طامحين إلى تغيير النشاط، مما أحزنني؛ فقد كنت أتمنى أن يسيروا في طريق جدهم وأبيهم، إلا أنني أراعي ظروفهم الاقتصادية اليوم، واحتياجاتهم المتزايدة في ظل صعوبة المعيشة».