السينما والتلفزيون المغربيان يستقيان التراث الشعبي في أعمالهما

النسخة المغربية من «جحا» تجلب «الفرجة» في المغرب

مشهد من فيلم «موسم لمشاوشة» لمخرجه محمد عهد بن سودة .. وفي الإطار صورة جماعية لممثلي مسلسل «حديدان» لمخرجته فاطمة بوبكدي
TT

ثمة تركيز في الآونة الأخيرة على الاستثمار في التاريخ المغربي في مجالي السينما والتلفزيون، عبر عرض إنتاجات مغربية تستقي قصصها ومضمونها من التراث الشعبي المغربي، وآخرها كان «حديدان» أو شخصية «جحا» في نسخته المغربية.

وبدأ الجمهور يحرص على متابعة بعض الأعمال، التي اتكأت على التراث المغربي. الفكرة، التي تتسابق القناتان «الأولى» و«الثانية»، في المغرب، فضلا عن قناة «ميدي آن تيفي»، للتركيز عليها، نجحت في جر الجمهور إلى حلقات كل المسلسلات التي تمت برمجتها، كما خلقت الاستثناء على مستوى المتابعة النقدية، بعد الرضا الذي حالفها من جهة وسائل الإعلام، التي قليلا ما تكتب، بشكل إيجابي، عن برامج القنوات المغربية. ومن بين المسلسلات، التي حظيت بمتابعة الجمهور ورضا المتتبعين، مسلسل «المجذوب»، الذي يحكي قصة عبد الرحمان المجذوب، الذي اشتهر بقصائده الزجلية، التي ما زالت تحظى باهتمام كبير، على الرغم من مرور نحو خمسة قرون على وفاة قائلها، بعد أن ذاع صيتها، شرقا وغربا، وتناقلها الناس فيما بينهم، لما تضمنته من معان وحكم بليغة. وأكد تقديم عمل بهذا المضمون والتوجه، قيمة الثقافة المغربية الشفوية التي تشكل إرثا غنيا، نادرا ما يحظى بالاهتمام اللازم، كما أنه بقي، إلى الآن، بعيدا عن انشغالات جيل الشباب.

أما آخر أشهر المسلسلات، التي تم تقديمها، على القناة الثانية، فهو مسلسل «حديدان»، الذي يحكي قصة أحد أشهر أبطال الحكايات الشعبية المغربية، المعروف بلقب «حديدان الحرامي»، الذي تميز بسخريته من تكبر وغرور وغباء البعض، مجسدا شخصية ماكرة اخترقت شهرتها القرون والأجيال والأعمار، وهي تشبه، في جانب كبير منها، شخصية «جحا» المعروفة في المشرق والمغرب، على حد سواء.

وينهل مسلسل «حديدان» من التراث، وهو من إخراج فاطمة بوبكدي، التي أخرجت، في وقت سابق، مسلسلا من نفس الصنف هو «رمانة وبرطال»، أما السيناريو فكتبه كل من براهيم بوبكدي وفاطمة بوبكدي، ومثّل في العمل كل من كمال كاضمي وفاطمة وشاي ومحمد بنبراهيم وصلاح الدين بنموسى وأنوار الجندي وصفية الزياني وجواد السايح ونعيمة بوحمالة، وآخرون.

وتماما كشخصية جحا، في الحكايات والطرائف العربية، لا يكاد المتفرج يعرف أين يصنف «جحا» المغرب؛ أحمق أم حكيم؟! وبين الحمق والحكمة يستمتع المشاهد بمشاهدة جميلة قوامها حكايات مسلية من صميم التراث الشعبي المغربي، تحمل في طياتها مواعظ وحكم، من خلال مغامرات «حديدان».

من جهتها، استسلمت السينما المغربية إلى «موضة» العودة إلى التراث الشعبي والتاريخ المغربي لتقديم أعمال تحظى بإعجاب الجمهور.

ومن الأعمال السينمائية، التي نزلت إلى القاعات المغربية، الفيلم السينمائي المغربي «موسم لمشاوشة»، للمخرج محمد عهد بن سودة، الذي نبش في التاريخ المغربي، ناقلا صورة جميلة عن مغرب نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقبله كان المشاهدون المغاربة مع أفلام استوحت من التاريخ المغربي، سواء القريب أو البعيد، حكاياتها، ونذكر منها «علي ربيعة والآخرون» و«فينك آليام» و«فين ماشي يا موشي»، مثلا، بالنسبة للتاريخ المعاصر، و«عبدو عند الموحدين» الذي عاد إلى زمن حكم الموحدين (1121م - 1289م)، في أسلوب فكاهي، على الرغم من بعض الانتقادات التي طالت هذه الأعمال، سواء على مستوى الشكل أو المضمون.

ومن بين كل هذه الأعمال السينمائية، اتخذ «موسم لمشاوشة» من رياضة مغربية تقليدية تشبه، إلى حد بعيد، رياضة المصارعة، محركا لأحداثه.

وكانت لرياضة «لمشاوشة»، التي ظلت تُمارس في كثير من مناطق المغرب، حتى وقت قريب، وتمارس في المساجد، كل جمعة، وخلال المناسبات والمواسم الدينية، تسميات كثيرة، منها «لمعابزة»، و«لمعاركة»، و«لمشاوشة»، وهي التسمية التي عرفت بها في مناطق فاس ومكناس. وتحكي أحداث الفيلم قصة الشاب سليمان (هشام بهلول)، الذي يرتبط بعلاقة حب مع السعدية (ريم شماعو)، ابنة الحاج لمفضل (حميدو بنمسعود)، أحد أعيان المدينة، الذي يجد نفسه «رهينة» في يد طبوخ (عبد الله فركوس)، تاجر الأغنام والأبقار و«المشاوشي»، الذي يشترط الزواج من السعدية، مقابل الالتزام بإتمام الصفقة التجارية التي عقدها مع والدها، تاجر «الخليع» (أكلة مغربية تقليدية دسمة جدا تدخل الشحوم ضمن مكوناتها الأساسية، إلى جانب لحم البقر المجفف أو ما يعرف بـ«القديد»، وإمداده باللحم الكافي) للوفاء بطلبات سبق أن التزم بها. وتترجم قصة الفيلم، كما أغلبية الأفلام والمسلسلات التي عادت إلى التاريخ المغربي، أبدية الصراع بين الخير والشر، الحب والكراهية والحياة والموت.

وباشتغاله على رياضة مغربية قديمة، ووضعها في سياج قصة حب، والاعتماد على تقنيين وممثلين مغاربة، يكون فيلم «موسم لمشاوشة»، قد نجح في توظيف حكاية مغربية تراثية، 100 في المائة، في قالب حركي و«فرجوي». وإلى جانب قصة الحب، التي ربطت بطلي الفيلم، وما تلاها من صراع على حلبة «لمشاوشة»، يقدم الفيلم لمحة عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، التي عرفها المغرب في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث الهوة كبيرة بين الطبقات الاجتماعية، مع وضع المتفرج في صورة ما ميز تلك الفترة على مستوى فن العيش، من حيث الملابس التقليدية المغربية، واستغلال بعض الفضاءات التاريخية المغربية، كإطار لأحداث الفيلم.

وقال بن سودة لـ«الشرق الأوسط»: «إن (موسم لمشاوشة) هو شريط إيجابي، مقارنة مع كثير من الأفلام المغربية، التي أنتجت في السنوات الأخيرة، والتي حاولت أن تقدم صورة سلبية عن المغرب، من خلال التركيز على الإثارة في المواضيع التي تقاربها. فالجمهور المغربي، الذي يؤدي ثمن التذكرة، بحاجة إلى أعمال تحفز خياله. وأنا أرى أن السينما هي لحظة فرح ومتعة وفرجة، قبل أي شيء آخر.

والمتفرج المغربي يذهب إلى السينما لكي يعيش فرجة جميلة تخاطب فيه قيمه وحضارته، ولذلك علينا أن نتمعن في دلالات تركيز سينمائيي الشرق الأقصى، في الصين واليابان، مثلا، على حضارتهم وتراثهم الرياضي، واستثمار رياضات مثل الجودو والتكواندو، في صناعتهم السينمائية، بعيدا عن تقليد ما يقوم به الأميركيون في هوليوود».