انتشار شبكات المقايضة في إسبانيا

مشاريع تسمح للناس بالعيش جزئيا خارج النظام النقدي

لا يوجد بائعون وبائعات أو طاولات لعد النقود في «السوق الحرة» (المجانية) الموجودة في مبنى سكني مهجور في العاصمة الإسبانية مدريد
TT

لا يوجد بائعون وبائعات أو طاولات لعد النقود في «السوق الحرة» (المجانية) الموجودة في مبنى سكني مهجور في العاصمة الإسبانية مدريد، حيث يمكن لأي شخص أن يدخل، ويترك الأشياء التي لم يعد يستخدمها، ويأخذ ما يحتاجه من أشياء أخرى.

ويشارك مئات الآلاف من الأشخاص في نظام اقتصاد مواز، وهو ذلك الاقتصاد غير المدرج في الناتج المحلي والدخل القومي وغير الواقع تحت مظلة الدولة، حيث تتم مقايضة السلع والخدمات.

ويقول توماس فوينتيس «نحن نعمل خارج النظام الرأسمالي». ويعد فوينتيس الخبير الاقتصادي (42 عاما) جزءا من شبكة نشطاء على نطاق الدولة تسعى لإقامة بدائل للنظام الاقتصادي الحالي، الذي يحملونه مسؤولية الأزمة العالمية التي تسببت في انهيار الاقتصاد الإسباني.

وفي حي مالاسانا بوسط العاصمة مدريد، احتل النشطاء الشقق المهجورة، التي يستخدمها فوينتيس وغيره لعقد الاجتماعات. ويقود سلم خشبي قديم من غرفة إلى أخرى، حيث تعلو أحد الأبواب لافتة مكتوب عليها «مكتب الحقوق الاجتماعية». وفي جزء آخر من المبنى، تتشاور مجموعة أخرى حول مستقبل الطاقة النووية في البلاد.

وفي مكان آخر هناك عدة أشخاص في حالة تأمل عميق، وهناك فصول مجانية لتعليم ممارسة اليوغا. ورسم على الدرج شعار يقول ببساطة «لا أملك شيئا، ولا أخشى شيئا». وينتمي الكثير من هؤلاء النشطاء إلى حركة «15 إم» أو حركة «الساخطون» الاحتجاجية في إسبانيا. ويشير اسم «15 إم» إلى الخامس عشر من مايو (أيار) 2011، عندما تمكن نشطاء من الشباب عبر الإنترنت في دفع عشرات الآلاف من المواطنين للخروج إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم ضد الفساد السياسي وامتيازات ونفوذ المصارف.

وربما يكون اسم الحركة قد اختفى من عناوين الصحف، لكن هذا لا يعني أن الحركة توقفت عن ممارسة أنشطتها. وقال فوينتيس وزميلته الناشطة مارينا سانشو لوكالة الأنباء الألمانية إن النشطاء ينظمون اجتماعات على مستوى المجتمع المحلي والمدينة واجتماعات عبر شبكة الإنترنت على المستوى الوطني.

وتنظم حركة «15 إم» مسيرات ضد عمليات إخلاء المتعثرين في دفع الرهون العقارية. وتنشر الحركة مقترحات، على شبكة الإنترنت، تهدف إلى التغيير الاجتماعي، وتتبادل تلك المقترحات مع جماعات أخرى تتبنى نفس نمط التفكير بأماكن مختلفة في أوروبا. وتدير حركة «15 إم» وجماعات أخرى في الأحياء مشاريع تسمح للناس بالعيش جزئيا خارج النظام النقدي.

ويوجد عشرات الأشخاص في مالاسانا على قائمة بريدية موجودة على شبكة الإنترنت، تسمح للمقيمين بتقديم الأثاث القديم أو أجهزة التلفاز أو سلع استهلاكية مستعملة أخرى، على وشك أن يتخلوا عنها، من دون مقابل. وينظم نشطاء مالاسانا سوقا للمقايضة شهريا، حيث يتبادل السكان السلع المستعملة أو يأخذونها من دون أي مقابل. وتقول سانشو «كثير من الناس يشعرون بالخجل من أخذ أشياء دون دفع ثمنها، لأنهم لم يتعودوا على هذه الفكرة». وتقدم أيضا خدمات بلا مقابل، مثل حلاقة الشعر على يد المتدربين في صالونات الحلاقة.

ويسمح ما يسمى بـ«بنوك الوقت» بتبادل الخدمات، بدءا من خبرة الحاسب الآلي والمشورة الضريبية إلى دروس اللغة ورعاية الأطفال، حيث يعطي المشاركون بعضهم البعض تقريبا الفترة نفسها الزمنية في تبادل الخدمات.

وفي عام 2012، كان هناك نحو 300 «بنك وقت»، وفقا لقائمة وضعها موقع «فيفير سن إيمبليو». وتوجد مشاريع أخرى لا تلغي استخدام المال ولكنها تحد من التكاليف، حيث وضعت المجموعة نظام خصومات لعملاء المتاجر، التي تشارك المجموعة أهدافها.

وفي كل مرة يشتري العميل شيئا من أحد المتاجر فإنه يحصل على وحدات خصم تعرف بـ«بونياتوس» أو «البطاطا الحلوة». هذه الوحدات، التي يجري تسجيلها على الإنترنت تتيح للعملاء الحصول على خصم عند التسوق في متجر آخر من السلسلة.

وبدأت مبادرات مماثلة في الظهور في شتى أنحاء البلاد، مثل نظام «كاربوول»، حيث ترتب مجموعة من الناس القيام برحلة في سيارة واحدة، وعادة ما يتناوبون على قيادة السيارة فيما بينهم. ويوفر أصحاب المنازل أو المستأجرون إقامة رخيصة لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الفنادق. ويقوم رجال الأعمال بدفع الإيجار عن طريق مواد مكتبية أو خدمات.

ويزور ما لا يقل عن 200 ألف شخص شهريا بعض المواقع التي تعرض سلعا وخدمات مجانا. ويقول فوينتيس «نظام المقايضة يجعلنا ندرك كم (السلع التي) تنتج وتشترى دون داع». ويقوم معظم الأشخاص الذين يستخدمون الخدمات المجانية بذلك بدافع الضرورة البحتة.

ويعاني حاليا نحو 26 في المائة من القوة العاملة في إسبانيا، و55 في المائة من الشباب من البطالة. وتمر البلاد حاليا بثاني حالة ركود لها في ثلاثة أعوام، ويتوقع مرور عقد من الزمن قبل أن يتعافى الاقتصاد الإسباني على نحو كامل.

ويقول مندوب إعلانات عاطل عن العمل، تم إعطاؤه حقيبة مليئة بالكتب المستعملة «أنا لا أبالي بزوال الرأسمالية، ولكن هذا هو السبيل الوحيد بالنسبة لي كي أحصل على الكتب لأطفالي».

وأصبحت النظم الاقتصادية غير الرسمية وسيلة للبقاء على قيد الحياة، حسبما يقول ميغيل أنجيل غارسيا، الخبير الاقتصادي في «سي سي أو أو»، وهو أحد أكبر اتحادين للنقابات العمالية في إسبانيا. ومع ذلك، فهو لا يشعر بالسعادة تجاه نموها. ويقول غارسيا «إنهم يعملون بشكل غير قانوني ودون دفع ضرائب أو اشتراكات الضمان الاجتماعي». ويشعر غارسيا بأن النظم غير الرسمية من شأنها إضعاف النسيج الاجتماعي. وأضاف «نحن بحاجة إلى تعزيز المؤسسات القائمة، بدلا من رفضها».

لكن فوينتيس المنتمي لحركة «15 إم» يقول «إن الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ستؤدي إما إلى تغيير جذري، أو إلى إثارة حرب طبقية عالمية».