مؤسسة «الفكر العربي» تطلق مشروعاً لرصد لغة الضاد

المحتوى الرقمي العربي يخسر 6 مليارات دولار سنويا

من حفل إطلاق «المحتوى الرقمي العربي» في بيروت
TT

أصبح للعرب، وللمرة الأولى، قاعدة بيانات إحصائية للمحتوى الرقمي العربي (مكتوبا، ومسموعا، ومرئيا)، سواء أكان أصحابه في المنطقة العربية أو خارجها. و«مأرب» هو الموقع أو المرصد الذي صار بمقدور العرب اللجوء إليه للاطلاع على المعلومات التي جمعت بناء على عينة قوامها أكثر من 20 مليون وحدة معلوماتية، تغطي الفترة بين 1990، وهي بداية استخدام الإنترنت عربيا وحتى نهاية عام 2011، وسيتم استكمال العمل دوريا، مع تجديد كل ستة أشهر، للوصول إلى نتائج لحظية، في حل تم تمويل المشروع.

وقد تم إطلاق المرصد الإنترنتي «مأرب» في فندق الفينيسيا في بيروت، كما أطلق التقرير التأسيسي للمحتوى الرقمي العربي، مطبوعا، ليشرح مختلف جوانب المشروع. والمشروع تطلقه مؤسسة «الفكر العربي» بتمويل من «مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي»، الذراع الثقافية لشركة «أرامكو».

ويظهر المرصد «مأرب» عند الاطلاع عليه، أن السعودية ومصر هما الدولتان العربيتان الأكثر نشاطا على الإنترنت، كما يظهر أن المؤسسات الرسمية اللبنانية هي الأكثر نشاطا بين كل المؤسسات الرسمية الحكومية العربية، حيث يبلغ مستوى نشاطها 14.8%، أما الكويت ومصر فسجلتا أضعف أداء حكومي عربي بنسبة لا تتجاوز 4%.

كما بينت المعلومات التي كشف عنها مرصد «مأرب» والتقرير الذي تم توزيعه أن «إجمالي عائدات المواقع التي تقدم محتوى عربيا يصل إلى ما يقارب المليار ونصف المليار دولار فقط بينما يمكن أن تصل العائدات إلى 7 مليارات فعليا، لو أحسن استخدام الإنترنت».

ويرصد «مأرب» معلوماته من 22 دولة عربية و66 دولة أجنبية. وأقنية النشر العربية التي تم رصدها تتضمن، المواقع، المنتديات، القوائم البريدية، «تويتر»، الشبكات الاجتماعية، شبكات الفيديو، شبكات الصور، والمدونات. ويمكن لزائر «مأرب» أن يرصد المحتوى تبعا للاختصاص، فهناك الإعلام وعلم الاجتماع، كما الاقتصاد والتعليم والعلوم والثقافة والأمن العسكري.

وهكذا يمكن لزائر الموقع أن يعرف مثلا ما هي عائدات كل دولة من الإنترنت، أو مجموع عائدات الدول العربية، كما يمكنه معرفة المجال الأكثر جذبا للجمهور العربي في كل دولة، في حال كان يريد الاستثمار. أو بالإمكان مثلا معرفة اهتمامات السعوديين خلال الفترة التي تم درسها، وما هي المواقع الغالبة وما هو مجال اختصاصها؟ كما يمكن للزائر معرفة مدى اهتمام العرب بالمجال الأمني، وأين يضعون أكثر صورهم أو أشرطة الفيديو الخاصة بهم؟ وما هي الصفحات أو المواقع الأكثر ثراء في الملفات.

فقد تم جمع المعلومات بالاعتماد على عينة كبيرة جدا تتضمن على سبيل المثال لا الحصر، مليوني صفحة «فيس بوك»، و126 ألف موقع بالاستعانة بـ58 محرك بحث.

وقدم المعلومات التقنية خلال حفل الافتتاح كل من الدكتور خالد الغمري، أستاذ اللغويات الحاسوبية في جامعة عين شمس، وخبير المعلوماتية جمال غيطاس، وهما من الفريق التقني الذي عمل على هذا المشروع وشرحا أنه الأول من نوعه عربيا. ومن المعلومات التي كشفها المشروع أن 40% من المحتوى الرقمي العربي اليوم، مجهول المنبع، ولا يعرف إذا كان مصدره العالم العربي أم خارجه، كما أن غالبية المواقع العربية تستغني عن العلم الإلكتروني الوطني، أي رمز البلد الذي توجد فيه، مما يجعلها مكشوفة وغير آمنة على محتواها. أما على صعيد المدونات فتأتي مصر في المرتبة الأولى، تليها السعودية، ومن ثم المغرب، لكن المفاجأة التي تستحق الالتفات إليها هي أن 98% من المدونات العربية هي من دون زوار و84% من المدونات العربية هي بحكم الميتة، وأقل من 1% من المدونات يبلغ زوارها بين ألف و55 ألف زائر.

أرقام مثيرة للغاية كشف عنها هذا المشروع الذي لا يزال في أول الطريق، وعاهات يتوجب التفات إلى حلها سريعا جدا، منها أن القيمين على المشروع تمكنوا من دراسة كل ما هو عربي ومكتوب بالأبجدية العربية، أما ما كتبه العرب بالحرف اللاتيني، فمن غير الممكن إحصاؤه تقنيا حتى اللحظة، ويبقى خارج الدرس، مما يستدعي وعيا من الإنترنتيين لوجوب استخدام الحرف العربي لمساعدة الباحثين في مهماتهم، كما أن غالبية المحتوى العربي المنتج ماليا، موجودة على مواقع غير عربية مثل «فيس بوك» و«ويكيبيديا» مثلا، كما أن الحواسب الخادمة للمحتوى العربي موجودة في غالبيتها الساحقة، وبالتحديد 83% منها خارج النطاق الجغرافي للعالم العربي، أي تحت سيطرة بلدان أجنبية.

هذا غيض من فيض المعلومات التي استمع إليها أكاديميون ومتخصصون وإعلاميون صباح أمس، أثناء إطلاق هذا المشروع الرائد. وكان الحفل قد افتتح بكلمة ترحيبية للأمين العام لمؤسسة «الفكر العربي» الدكتور سليمان عبد المنعم، ثم تلت الأمينة العامة للجنة الوطنية لليونيسكو زهيدة درويش جبور كلمة باسمها ونيابة عن مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الدكتور عبد الله محارب، فأكدت أن «إطلاق مرصد المحتوى الرقمي العربي على الإنترنت يشكل إنجازا متقدما في مواكبة الثورة التكنولوجية الحديثة، كما يدل إطلاق التقرير التأسيسي للمحتوى الرقمي العربي على ارتكاز مؤسسة (الفكر العربي) على استراتيجية علمية واضحة تهدف إلى وضع البيانات ورصد الثغرات وتحديد الأولويات والأهداف والعوائق». كما أكدت الحاجة للنهوض بالمحتوى الرقمي العربي، إذ إن نسبة هذا المحتوى لا تتجاوز 3%، في حين تبلغ نسبة مستخدمي الإنترنت من العرب 14.2%، أي ما يعادل 41 مليون شخص من أصل 300 مليون ناطق باللغة العربية، وهي نسبة ضئيلة إذا ما قورنت بنسبة المحتوى الرقمي باللغات الأخرى.

كما كانت كلمة المدير الإقليمي لمنظمة اليونيسكو الدكتور حمد الهمامي، الذي أكد أهمية المشروع في الربط ما بين الجوانب المعرفية والاقتصادية والتقنية ورصد المحتوى الرقمي العربي على الشبكة العالمية.

وتحدث مدير مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي التابع لـ«أرامكو» السعودية، فؤاد بن فهد الذرمان، فأكد أن «المحتوى الرقمي العربي على الإنترنت يشكل تحديا كبيرا من حيث الكم والنوعية، إذ يشكل هذا المحتوى نحو 4 في الألف من إجمالي المحتوى العالمي، وهذا جزء من سلسلة تحديات معرفية وثقافية لا نستطيع مواجهتها منفردين، لافتا إلى أن «مؤسسة (الفكر العربي) استخدمت في مشروعها وسائل جديدة في عمليات الرصد والتتبع والتصنيف الآلي لعينة كبيرة غير مسبوقة في حجمها، تمتد منذ بداية الإنترنت قبل نحو 20 عاما وتشمل ملايين الوحدات المعلوماتية بصيغة النصوص والصور والفيديو». للاطلاع على «مأرب» الموقع هو: www.arabdigitalcontent.com