الفن في السعودية.. مشهد غني ومتفاعل في وجه تحديات كثيرة

مطالب بدعم رسمي وصالات عرض وتعليم فني

..و«الفلك الأسود» للشقيقتين شادية ورجاء عالم مثل السعودية في بينالي البندقية 2011
TT

شهدت مدينة جدة في الأسبوع الأخير من شهر فبراير (شباط) الماضي مجموعة من الفعاليات الفنية تحت مظلة «أسبوع جدة الفني»، شملت معرضا للفن العربي الحديث والمعاصر أقامته دار «سوذبي» اللندنية في أول معارضها بالمملكة، كما أقيمت على هامش المعرض معارض أخرى مستقلة عرضت أعمال مجموعة من الفنانين السعوديين الواعدين، وأيضا شهد الأسبوع افتتاح غاليري «أيام» في جدة.

وضمن الفعاليات أقيمت حلقة نقاش في كلية دار الحكمة بجدة شاركت فيها مجموعة من الفنانات والعاملات في مجال الفنون في السعودية، لتقييم الوضع على الساحة الفنية من حيث احتياجات الفنانين السعوديين ومدى توافر المناخ المناسب للعرض. ومن ضمن المشاركات أشارت الفنانة مها الملوح إلى أن الوضع يعد مبشرا خاصة مع تزايد عدد الفنانين السعوديين الشباب، وإن كانت أشارت إلى أهمية «العمل على توفير البنية التحتية الملائمة والضرورية لذلك». أما المصورة السعودية منال الضويان فقالت «لا توجد لدينا صناعة فنية، لكن لدينا حركة فنية نشطة، فإذا اخترت أن تمارس الفن فأعد نفسك لفترة من التقشف المادي». وأشارت إلى بعض المعوقات أمام الفنانين بقولها «يوجد لدينا دعم محدود جدا، مع وجود نحو اثنين من الغاليريهات المختصة في المملكة، ولا متاحف ولا أماكن عرض ولا منح فنية ولا مؤسسات فنية أو برامج لإقامة الفنانين». وعلى الجانب المبشر قالت «في السعودية لدينا واحدة من أكثر الحركات الفنية حيوية مقارنة ببقية المنطقة في الخليج، ورغم الدعم المادي من تلك الدول لفنانيها والمتاحف الضخمة التي يجري بناؤها هناك، وبالمقارنة في السعودية مع قلة الدعم المتوافر للفنانين، نجد أن هناك حركة فنية قوية».

الحلقة تفتح أكثر من موضوع للنقاش، فعلى سبيل المثال موضوع عدم توافر صالات عرض كافية في السعودية من النقاط التي يشار لها دائما.. وعلى الرغم من النشاط الحالي والاهتمام المتصاعد بالفنون فإن العدد ما زال دون المأمول بكثير. حول هذه النقطة يعلق رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية ومحرر الفنون التشكيلية بجريدة «الجزيرة» محمد المنيف أنه «لا يمكن إحصاء عدد الصالات الفنية (في المملكة) بشكل دقيق خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار النشط منها والقليل التفعيل، إضافة إلى عدم استمرار الكثير منها».

أما نعيمة السديري، المؤسسة ومديرة مساحة «الآن» الفنية التي افتتحت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي وتعد أول مشروع فنون معاصرة في الرياض، فتقول «المشهد الفني في المملكة محدود نسبيا لكنه ينمو بسرعة، ولهذا من المهم أن تتبنى المؤسسات الفنية في الداخل مثل (الآن) الفنانين الصاعدين والمتمرسين أيضا». وتشرح أن فكرة إنشاء «الآن» نبعت من نقص المؤسسات الفنية في الرياض واستجابة للإحساس بأنه يمكن تحقيق الكثير بمد يد العون للفنانين السعوديين الصاعدين.

من جانبه، يشير المنيف إلى نقطة أخرى وهي مشاركات الصالات الفنية في معارض الفن خارج المملكة «تتوقف (المشاركات) على قدرة تلك الصالات على دفع مقابل مشاركتها، فغالبية الصالات لا تتعدى نشاطها أو تفاعلها مع الفن إلا في حدود العرض والطلب وحجم المكسب من المعارض، مع أن كثيرا من المعارض لا يمنح تلك الصالات مكاسب تذكر».

الخبير الفني روبن ستارت، الذي أشرف على جناح السعودية في بينالي البندقية الماضي الذي قدم عمل «الفلك الأسود» للفنانتين شادية ورجاء عالم، يرقب المشهد الفني من الخارج، ويشير إلى أن المشاركات الفنية السعودية في المهرجانات الدولية قد تعد حافزا لإقامة الصالات الفنية داخل المملكة خاصة بعد النجاح الذي لاقته تلك المشاركات سواء على المستوى الجماهيري أو الفني. ويقول «كلما زادت مشاركة الفن السعودي الحديث والمعاصر في الفعاليات الدولية كان الحافز أكبر لهؤلاء الذين يفكرون في دخول المجال الفني داخل المملكة. أنا واثق من أن المزيد من الغاليريهات ستفتتح في السعودية على مدى السنوات القليلة القادمة تزامنا مع زيادة الوعي بالفن السعودي».

بالنسبة لمحمد المنيف فإن مشاركة الفنانين السعوديين في فعاليات دولية يمكن تفسيرها بحالتين «الأولى وهي الأهم إضافة مساحة من الحضور في مسيرة الفنان بأن يذكر في سيرته الذاتية قيامه بمعارض خارج الوطن، وهي لدى البعض مرحلة نحو عالمية الحضور والتنقل وتقديم نفسه لأعين الآخرين في محطات متعددة.. أما عن كونها في دبي فهي فرصة لوجود فعاليات عالمية جاذبة للجمهور المتخصص والمقتني». وردا على سؤال عما إذا كانت المملكة تعيش نهضة فنية حاليا قال «يمكن القول إن الحراك التشكيلي في المملكة حقق حضورا محليا ودوليا لا بأس به ينبئ بمستقبل حافل، نتيجة سهولة التواصل بين الفنانين ونظرائهم العالميين وقاعات العرض العالمية من خلال العلاقات المباشرة عبر المواقع الإلكترونية وتبادل الخبرات والدخول في مسابقات». نعيمة السديري من جانبها تعلق على النقطة نفسها بقولها «الساحة العالمية وفرت منصة لعدد من الفنانين السعوديين المعروفين، ولكن تلك الفرص توفر للفنانين أكثر من مجرد الاعتراف بهم والثناء على أعمالهم.. إنها توفر لهم الدخول في حوار ثقافي متبادل لا يتوافر لهم داخل المملكة».

الدعم الرسمي من داخل المملكة يظل دون المطلوب كما يشير المنيف بقوله «من المؤسف أن الفن التشكيلي في المملكة يقع في آخر قائمة الاهتمام الثقافي مقارنة بما يحظى به هذا الفن في دول أخرى قريبة أقل من المملكة في جانب الدعم، ومع ذلك خُصصت فيها للجمعيات والنقابات والقطاعات ميزانيات ولو لتغطية الأمور الإدارية.. أما المجتمع المدني فالتوجه المعروف عامة للجوانب الخيرية أو للدعم الرياضي». وتختلف نعيمة السديري بعض الشيء، وتقول إن الدعم الرسمي كان له أكبر الأثر في استمرار مساحة «الآن» الفنية «الدعم ومدى التسهيلات التي قدمت لنا كانت كبيرة جدا. أرى أنه توجد مساحة للنمو لكننا يمكن أن نحقق ذلك وأن نخلق حركة فنية في المملكة عبر جنبا إلى جنب مع وزارة الثقافة والصالات الفنية الأخرى».

ولكن روبن ستارت يشير إلى أن المطالبات بدور أقوى للأجهزة الثقافية الرسمية تعد «ظاهرة عالمية» ويضيف «في كل مكان يوجد هذا الإحساس بأن الحكومات يمكنها فعل المزيد في مجال الفنون والثقافة». وقد يكون الحل عبر الأجهزة التعليمية والمؤسسات الفنية مثل جمعية الفنانين التشكيليين لتقديم الدعم اللازم. وهنا يجيب المنيف «أولا علينا أن نؤمن الدخل والدعم من وزارة الثقافة والإعلام التي أقرت الجمعية مع التمسك بأنها مستقلة ماديا وإداريا مما حرمها من الميزانيات، وأن تكون الجمعية المظلة الأولى للتشكيليين بدلا من بعثرة أوراق هذا الفن بين العديد من المؤسسات غير المتخصصة، ويقوم على إدارتها موظفون أبعد ما يكونون عن فهم هذا الفن وفهم أبعاده الفكرية والثقافية. أما عن دورها حاليا فنحن نسعى بقدر المستطاع وذلك من خلال بعض البرامج بالتعاون مع بعض القطاعات ومن بينها وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام لوضعها على الطريق السليم لتسليمها للإدارة القادمة ونأمل أن تكون من الجيل الجديد. أما عن تعريف الجمهور بالفن التشكيلي فهناك من يتحمل مسؤولية الذائقة ابتداء من المراحل الدراسية في التعليم العام وصولا إلى نوعية المعارض التي تتم إجازتها للعرض ووضع حد لما هو أقل مستوى لا أن تكون المعارض التشكيلية مسرحا لكل شاردة وواردة وأعمال رديئة فكرة وتنفيذ».

التعليم الفني يظهر كإحدى أهم الأدوات لنشر اللاوعي الفني وأيضا لضمان إقبال الشباب على تنمية موهبتهم عبر الدراسة أولا، وتشير نعيمة السديري إلى الإقبال الذي تجده من الشباب الموهوب وتقول «هناك قاعدة واعدة من المواهب الصاعدة، وقد كانت لدينا الفرصة للتعامل مع بعضهم في (الآن)، مثل الفنانات سارة أبو عبد الله وسارة مهنا العبدلي.. لقد تقابلنا مع عدد كبير من المواهب الجديدة وأعتقد أن هناك حاجة ملحة لدعم هؤلاء». وتستطرد السديري أن الدعم يكون عبر مساحات العرض وكذلك عبر التعليم: «التعليم هو المفتاح».. وتقول «المعروف أن التعليم الفني يلعب دورا مهما في تنمية التفكير النقدي. وللأسف نرى غيابا ملحوظا للفن من البرامج التعليمية المدرسية ولا يحصل على الاهتمام الخاص الذي يستحقه في المراحل الدراسية العليا. ولهذا نقدم برنامجا فنيا خاصا بنا هنا في (الآن) يستهدف الأطفال والبالغين».

ويشير المنيف في نهاية حديثه إلى هذا الجانب «من المؤسف أن تفتقر المملكة إلى الأكاديميات المتخصصة في الفنون الجميلة وقد يكون العذر كما استشفه من بعض المسؤولين عن التعليم العالي أن الأهم في التعليم هو سد حاجة العمل، ومثل هذه الأكاديميات تم التعويض عنها بكليات أو أقسام التربية الفنية بجامعاتنا».