«التعليم العالي» تقلل من أهمية ردود الفعل بشأن خططها لإنشاء جامعة خاصة للبنات في العراق

ردود فعل واسعة بين الأوساط الأكاديمية خشية من «الفصل التعسفي بين الجنسين»

طلبة جامعة المستنصرية ببغداد هل يواجهون «العزل بين الجنسين» («الشرق الأوسط»)
TT

اعتبرت وزارة التعليم العالي أن خططها الخاصة بإنشاء جامعة خاصة للبنات في العراق لا تتعارض مع مبدأ الحريات العامة المتاحة الآن في العراق والتي أقرها الدستور. وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي علي الأديب أعلن مؤخرا أن وزارته تدرس تأسيس جامعة مستقلة للبنات في العراق. وعزا الوزير السبب في ذلك إلى اكتظاظ جامعة بغداد الأم بالكليات، وأن الجامعة المزمع تأسيسها ستكون لها إدارة نسائية وستفتح باب التعليم للبنات التي لا تسمح لهن عوائلهن بالدراسة بسبب الاختلاط مع الذكور. وبينما أثارت هذه الخطوة ردود فعل متباينة في الأوساط الأكاديمية والطلابية وأوساط الناشطين في حقوق المرأة والإنسان فقد أكدت الوزارة أن «هذا الأمر لا يزال مقترحا وأن تطبيقه قد يحتاج إلى سنوات». وقال المتحدث الرسمي باسم الوزارة قاسم محمد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «وزارة التعليم العالي كانت قد نظمت الأسبوع الماضي احتفالية خاصة لتكريم العميدات من النساء في الوزارة خصوصا أن نسبة النساء ممن تبوأن الآن منصب عميدة كلية ومساعدة رئيس جامعة ارتقى إلى نسبة 30 في المائة، فبينما كانت عدد العميدات خلال الفترة السابقة هو 10 عميدات في الكليات فإنه اليوم أصبح 30 عميدة ومساعدة رئس جامعة وهذا تطور كبير في هذا السياق». وأضاف الناطق الرسمي باسم الوزارة أن «الوزير علي الأديب وخلال الاحتفالية اقترح على الحضور من النساء وكلهن عميدات وأستاذات فكرة تأسيس جامعة خاصة للبنات لا سيما لدينا في العراق كليات خاصة للبنات حتى في الزمن السابق وهو أمر طبيعي ولا يتعارض مع مفهوم الاختلاط»، مؤكدا أنه «لا يهدف أبدا إلى العزل بين الجنسين مثلما رأى البعض أنه خطوة في هذا الاتجاه». وأشار إلى أن «لدينا كلية علوم خاصة للبنات وكلية تربية وكذلك كلية تربية رياضية فلا ضير من تأسيس جامعة ولكن الأمر لن يتم بين عشية وضحاها بل يستغرق وقتا طويلا ربما سنوات». وأبدى المتحدث الرسمي استغرابه من بعض ردود الفعل «بينما هذا الأمر معمول به حتى في الولايات المتحدة الأميركية». وأوضح أن «من بين الأمور التي يمكن أن تكون ذات فائدة في هذا السياق هو تنوع الاختصاصات فإنه في الوقت الذي توجد الآن تخصصات معينة في كليات البنات فإنه لا توجد كلية للطب أو للهندسة وبالتالي فإن توسع الاختصاصات في حال تأسيس جامعة للينات أمر في غاية الأهمية».

وكانت ردود الفعل قد تباينت سواء داخل الوسط الجامعي أو الأوساط المدنية فبينما حذر بعض الأساتذة والعمداء من مغبة أن تكون مثل هذه الخطوة مقدمة لبداية العزل التعسفي بين الرجل والمرأة في الجامعات فإنهم اعتبروه أمرا طبيعيا في حال كانت له مبرراته الموضوعية. وفي هذا السياق أكد عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد الدكتور هاشم حسن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك بالتأكيد عوائل كثيرة تمنع بناتها من الدراسة المختلطة أو على الأقل تتمنى أن تكون هناك كليات خاصة بها لأسباب كثيرة وبالتالي فإن فكرة تأسيس جامعة للبنات إذا ما اقتصرت على هذا البعد فهي أمر طبيعي ولا مخاوف منه لكن الأمر في حال اتخذ أبعادا أخرى فئوية وحزبية وفصل تعسفي فإن هذا أمر آخر ولا بد من التحذير منه». وأشار حسن إلى أن «علينا أن لا نستبق الأحداث وأن نعترف أننا نعش في مجتمع لا تزال تحكمه تداعيات كثيرة وأن هذه الخطوة يمكن أن تلاقي قبولا من كثير من الأهالي لا سيما مع انتشار موجات التطرف الديني والمذهبي في المجتمع وهو ما يثير مخاوفنا في حال انتقل إلى السلك الجامعي بحيث يكون الحل هو الفصل بين الجنسين وهو أمر خطر وغير صحيح». من جانبها أكدت الناشطة المدنية والأكاديمية الدكتورة حنان العبيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يجب أن نحذر منه أن المجتمع العراقي بدأ ينحو منحى دينيا متطرفا وبالتالي فإنه بات يتصور أن الحفاظ على اللحمة الاجتماعية يمكن أن يتم بالفصل بين الجنسين في الكليات وهو أمر خطر». وأكدت أنه «لا ينكر أن الاختلاط عمل مشكلات كثيرة لا سيما بعد الانفتاح الحاصل الآن بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت وغيرها وبالتالي فإن هناك عوائل كثيرة بدأت تفكر في أن الحل لذلك هو في إمكانية التقليل من الاختلاط». واعتبرت العبيدي أن «تأسيس جامعة للبنات ومع وجود كليات للبنات أصلا من الزمن السابق إنما هو سلاح ذو حدين ففي الوقت الذي لا يبدو فيه الأمر خطيرا في حال بقي في الإطار الأكاديمي وأن الكليات الموجودة للبنات لم تعد تستوعب الأعداد الكبيرة من البنات فضلا عن قلة التخصصات فإن المخاطر تتمثل في أن يكون ذلك بابا للفصل التعسفي من قبل الاتجاهات الدينية التي بدأت تسيطر وهو ما يعني أيضا إضعاف قوى المجتمع المدني حيال موجات التطرف». من جهته أكد الأستاذ في أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد الدكتور طه حسن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمر المهم هنا هو الأهداف المتوخاة من وراء ذلك لأننا لو اعترضنا على ذلك فإن الجهات المسؤولة سوف تقول لنا إن مثل هذه الكليات أو الجامعات موجودة في العالم بمن في ذلك العالم المتقدم ولكن من حقنا أن نطمئن على حسن التوجهات لأننا نخشى أن يكون ذلك مقدمة للفصل التعسفي وبالتالي فإنه لا بد من معرفة ما إذا كان ذلك اختياريا أم إجباريا؟».

وأضاف حسن أن «المقترح إذا كانت تقف خلفه أسباب دينية فهو مرفوض لأن هناك ربما من يقترح علينا إنشاء برلمان خاص للنساء وربما شوارع خاصة تمشي بها النساء»، معتبرا أن «المهم أن لا يحاول البعض تصدير مفاهيم أخلاقية تحت حجج وذرائع غير مقبولة بأي شكل من الأشكال».