عبّارة «فرسان» .. مرسى السعوديين الوحيد لتبادل قصص نهاية الأسبوع

العقيد جباري لـ «الشرق الأوسط»: حرس الحدود ينفذ خطط الطوارئ الجاهزة دوريا

الركاب خلال رحلة العبّارة «فارس 1» من جزيرة فرسان إلى مدينة جازان يوم الأربعاء (تصوير: خالد الخميس)
TT

في مشهد لا يمكن لأي سعودي مشاهدته سوى في مكان واحد، امتلأت مقاعد العبارة السعودية «فارس 1» بالطلاب والطالبات والموظفين العاملين في جزيرة فرسان متجهين لقضاء العطلة الأسبوعية في المحافظة عقب خمسة أيام من العمل المرهق زادت من وطأته تغيرات الأجواء خلال الأسبوع الماضي.

وعلى بعد 40 ميلا عن مدينة جازان، العاصمة الإدارية لمنطقة جازان، كان يوم الأربعاء الماضي في أقصى جنوب غربي السعودية، مثقلا بالحديث الصامت، لأصحاب البشرة الحنطية، الذين تشي سيماء وجوههم وابتساماتهم إلى انتمائهم السواحلي لـ«فرسان».

استغرق الكابتن 15 دقيقة ليغلق الأبواب إيذانا بالتحرك، وانطلقت قبل موعدها المحدد في الثالثة والنصف تماما بنصف ساعة تقريبا، والسبب «امتلاء الطاقة الاستيعابية القصوى للعبارة التي تحتمل وجود 650 راكبا»، بحسب الكابتن أيمن زين الذي قضى عقدا من الزمان يقود العبارة «فارس 1» ذهابا وإيابا.

بدأت الرحلة ساكنة، تتخذ العائلات من النصف الأمامي للعبارة موقعا في حين يجلس الشبان في النصف الأخير، وراح الفتيان يتبادلون أطراف الحديث بطريقة تعكس بساطة إنسان الجزيرة المتخذة نحو 369 كيلومترا مربعا من اليابسة في عرض البحر، والتي تعد الأكبر من 150 جزيرة تمثل جميعها نحو ألف كيلومتر مربع لأرخبيل فرسان الذي تقطنه 17 ألف نسمة، يعيش أغلبهم في «فرسان الكبرى» وست جزر أخرى تقل نسبة السكان فيها عن أكثر من ثلثي الجزيرة الكبرى.

الدقائق العشر الأولى كانت هادئة نوعا ما، وما إن تحركت العبارة بعيدا عن الميناء بدأ الصغار يتجهون صوب مقصف الطعام، حاملين أكواب الشاي والمرطبات لآبائهم وإخوتهم فيما شرعوا يلهون ويدخلون من تحت المقاعد ويلعبون تجهيزا لعطلة نهاية أسبوع «ستكون حتما سعيدة، فغالبيتنا يتجول في الأسواق الكبيرة أو (المولات) في جازان، لتبضع حاجيات الأسبوعين المقبلة على الأقل» كما يقول عبده موسى وهو أحد سكان الجزيرة. وأضاف موسى: «ولأن أسعار السلع الغذائية في الجزيرة ترتفع عن نظيراتها في الخارج، نحرص على شراء كل الاحتياجات المتوقعة من (الهايبر ماركت)، حتى حلوى الأطفال نشتريها توفيرا لتلك التي يبيعها البقال، وكل الحاجيات الضرورية وبعض الكماليات. ونحرص دوما على اغتنام الفرصة السانحة للأجواء التي قد تعوق جدولنا، فحالة الطقس فاصل أساسي، والبحر إذا قال لك (لا، فهذا يعني أنه لن يمكنك الإبحار)».

ويقضي الفرسانيون إجازتهم في المدينة التي طالها تطور عمراني وتجاري واسع، في حين يعمل في الجزيرة أبناء وبنات المحافظة أو من المحافظات والقرى المجاورة.

وبعد هدية خام الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لأهالي المنطقة، اشتغلت العبارتان «جازان» و«فرسان»، وباتت عملية التنقل أكثر رحابة للأهالي والسياح، إذ يستقلها الجميع بشكل مجاني ومن دون رسوم للركوب.

وريثما تصل الرحلة، قال الكابتن أيمن زين وهو يعتلي قمرة القيادة: «لدينا مع الناس هنا قصص وحكايات، فنحن نتشارك بشكل يومي تقريبا الرحلة نفسها، والطريف أن كثيرا من الأهالي يعرفون أطقم العبارات وقائديها، وتجمعنا بهم علاقة غاية في الإنسانية، وعن نفسي أشعر بحجم مسؤوليتي عن الأرواح التي أنقلها بشكل دائم».

من جهته، يؤكد العقيد يحيى جباري قائد قطاع حرس الحدود في فرسان تولي حرس الحدود مهمة أمن العبارة، إلى جانب عمليات الإنقاذ، وهناك خطة دورية تتم تحت اسم الكوارث البحرية، وهي خطة طوارئ جاهزة وتم تدريب كل القيادات على تنفيذها في حال حدث أي مكروه.

وعن المشكلات التي قد تطال العبارة، قال العقيد جباري: «الأهالي هنا تغلب عليهم البساطة والسماحة، فلم نواجه مشكلات ترقى لتسميتها مشكلات، لكن مواجهة أي جمهور تتطلب التصرف الجيد».

ويروي عامل في الميناء فضل عدم ذكر اسمه، أن يوما طالت فيه مشكلة بسيطة، وتدخل حرس الحدود ليتم حلها. وعند سؤال العقيد جباري ابتسم وقال: «هي قصة بسيطة لا تكاد حتى تذكر، إذ جاءت طالبات يرغبن في الذهاب يوم الأربعاء عبر العبارة، لكنها كانت ممتلئة، وكنا نحتاج إلى 70 متطوعا من الشبان، سألنا الشبان عمن يرغب فيهم التطوع وانتظار العبارة القادمة نظرا لعدم قدرة الفتيات على الانتظار، فتبرع أحد المعلمين الذي كان برفقة طلابه، ولم يتوانوا في التبرع بمقاعدهم ووقتهم».

ويعتبر الكابتن أيمن زين أن أكثر ما يؤرقه يكمن في رغبته الجامحة لتلبية رغبات كل الركاب، لكن بعضهم قد يغضب أحيانا، ومع ذلك فإن غضبه يكون على حساب حرصنا على سلامته والركاب الآخرين معه كما يقول زين، خصوصا عندما يقول أحدهم: «أرغب في التمتع بالهواء النقي، أو تدخين السجائر»، لكن هذين الطلبين قطعا لن تتم تلبيتهما، لأن أبسط المعايير الدولية تحظر أن تكون العبارة مكشوفة، كما يحظر التدخين إطلاقا. «ما إن تستقر العبارة في الميناء سيتمكن الجميع من عمل ما يريد، لكنهم هنا أمانة في عنقي، وهي في الأساس ساعة واحدة من الزمن وتنتهي الرحلة».

ولم تتعرض العبارة على مدى عشر سنوات سواء في الغردقة إلى السعودية، أو خلال وجودها في جازان إلى أي مشكلات. ويقول الكابتن زين: «نتعامل بحذر مع كل المتغيرات الجوية، وأي خطورة بسيطة متعلقة بالطقس، نوقف الإبحار تماما حتى نصل إلى أعلى معيار يسمح لنا التحرك من جديد». أما إذا طرأ تغير وقت الإبحار، فإن التراجع يصعب خصوصا في المسافة المنتصفة كما يقول الكابتن زين، ما يضطرنا إلى التعامل مع الحالة بكل تركيز ودقة.

ويشدد الكابتن أيمن زين على أن الطاقة الاستيعابية للعبارة 650 راكبا، ولا يسمح بتجاوز هذا العدد مطلقا، مرجعا ذلك إلى تزويد العبارة بأدوات الطوارئ المخصصة لطاقتها الاستيعابية من الركاب، والتي تحتوي بدورها على «مادة (جلوكوز) وطوق نجاة ومادة تلقى في عرض البحر فتكون هالة صفراء تساعد فرق الإنقاذ الجوي أو البحري».