هيفاء المنصور: أنا قوية من الداخل وأدعو المرأة العربية أن تثق بنفسها وتحقق أحلامها

استوحت شخصية بطلة فيلمها «وجدة» من ابنة أخيها المرحة والطموحة

هيفاء المنصور
TT

حلت المخرجة السعودية هيفاء المنصور ضيفة على مهرجان «أيام بيروت السينمائية»، الذي افتتح دورته السابعة بفيلمها السينمائي الروائي «وجدة» الحائز لجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دبي السينمائي. هيفاء التي أطلت على جمهورها قبيل عرض الفيلم في مظهر اتسم بالبساطة والرقي في الوقت نفسه (مرتدية بنطالا وقميصا أسودين وحذاء مسطحا) ألقت كلمة مختصرة وصفت فيها عملها «وجدة» بالحقيقي والشفاف تماما كشخصيتها الرقيقة التي تشعرك بصدق مشاعرها منذ اللحظة الأولى لرؤيتك لها، ولم تستطع خلال إلقائها الكلمة أن تخفي خجلها البارز في صوتها الخافت وحركتها الملبكة على المسرح هي التي ورد اسمها في لائحة النساء الـ100 الأقوى في العالم العربي.

وعلى هامش حفل الافتتاح التقتها «الشرق الأوسط» وسألتها عما إذا هي بالفعل امرأة قوية، فأجابت «أنا قوية من الداخل وخجولة من الخارج، وبرأيي القوة لا تعني التصادم مع الآخر، فأنا اخترت الفن لإبراز قوتي التي استمددتها من الآخرين المحيطين بي، واختصر معناها الحقيقي بالصمود». وأكدت أنها فخورة باللقب الذي حصلت عليه مؤخرا كامرأة قوية مع نساء سعوديات أمثال بدرية البشر ولبنى العليان وغيرهما من النساء العربيات اللاتي خدمن بلادهن على أكمل وجه.

ومن يشاهد فيلم «وجدة» لا بد أن يلمس ما قالته مخرجته هيفاء المنصور للإيقاع الواقعي الذي يسوده، وهو يدور حول قصة فتاة سعودية في العاشرة من عمرها لم تستسلم للتقاليد المحيطة بها عندما قررت أن تشتري دراجة هوائية لممارسة هوايتها الرياضية المفضلة التي نمت لديها من خلال مشاهدتها المتكررة لابن جيرانها الذي يستعملها للتنقل ما بين منزله ومدرسته وفي أوقات فراغه. وتبرز قوة «وجدة» بتمسكها بحلمها هذا رغم تصدي المحيطين بها لفكرتها بدءا من والديها مرورا بمعلمتها الرصينة في المدرسة (أستاذة حصة)، ووصولا إلى صديقاتها. أما المشهد الذي وضع حلم «وجدة» على المحك فهو ذلك الذي ينقل إليك روعة الحلم من عينيها مباشرة عندما تشاهد دراجة هوائية تمر أمامها وكأنها تطير، والحقيقة هي أنها كانت تنقل على ظهر سيارة إلى محل ألعاب قرب بيتها. ورغم أن الفيلم صور بتقنية السينما المعروفة فإنك ولوهلة بعد خروجك منه تعتقد أنك شاهدته على طريقة الكاميرا الثلاثية الأبعاد للشفافية والواقعية البارزتين في مجرياته واللتين حرصت مخرجته على أن تلامس بهما عين المشاهد وأحاسيسه على السواء، إن من خلال التفاصيل الصغيرة للحياة اليومية في المملكة العربية السعودية في بيوتها المنخفضة وحواريها الضيقة أو في طبيعة أرض المملكة الساكنة والهادئة والملونة بالنسمات الساخنة التي تتمايل لها أغصان أشجار النخيل المنتشرة على طرقاتها وكأنها لوحة مرسومة بشغف الحزن.

وتتناول المخرجة المشاكل الاجتماعية البسيطة أحيانا والعميقة أحيانا أخرى، والتي ما زالت تتخبط فيها العائلة السعودية كغيرها من العائلات العربية كغياب الوالد الدائم عن المنزل وهاجس الزوجة الذي يقض مضجعها المتمثل في خوفها من أن يتركها زوجها من أجل امرأة أخرى، أو المعاناة التي تعيشها المراهقة السعودية الراغبة في الالتحاق بمن هن من جيلها في المقلب الآخر من الكرة الأرضية إن في طريقة تجملها (في تلوين أظافرها أو في ارتدائها حذاء الرياضة بدل الحذاء النسائي العادي)، أو في سماعها الموسيقى الغربية الصاخبة في غرفتها مما يزعج والدتها، وما إلى هنالك من أمور تضطر لإخفائها رغم أنها لا تتسبب في الأذية لأحد من حولها.

ولم تنس هيفاء المنصور تسليط الضوء على الأوجه الجميلة من الحياة السعودية التي تبرز حنينها الكبير إلى بلدها إن في لمة العائلة وتحضير ربة المنزل أطباق الطعام التقليدية (المرقوق والكبسة)، أو في تعاطف الناس مع بعضهم البعض فلا يوفرون الفرصة لتقديم المساعدة أو الالتزام بالوعد بكلمة شرف بدل توقيع إيصال مكتوب يحفظ حقوقهم المدنية.

وتقول المنصور في هذا الصدد «أردت ملامسة الواقع بتفاصيله ليشكل الحقيقة الساطعة، فلم يعد من المسموح أن نخبئ رأسنا كالنعامة، بل إن نحاول التغيير كل على طريقته». ولكن من أين استوحت شخصية وجدة؟ ترد موضحة «من ابنة أخي الصغيرة، فهي مرحة وذكية ولها أحلامها الخاصة، كما أن (وجدة) تشبه كل فتاة سعودية عرفتها من صديقاتي أو زميلاتي في المدرسة، فهي عينة حية تمثلهن جميعا».

ورغم أن الفيلم ليس رومانسيا فإنه يدور في فلك الحب بامتياز، من حب «وجدة» لحلمها وحب والدتها لها وحب الزوجة لزوجها وشعور ابن الجيران تجاهها، فهيفاء المنصور التي تردد أن مجتمعاتنا لا تقدر الحب آثرت أن تضعه في قالب مغاير بعيدا عن الكليشيهات المحصور بها عادة وتعلق على الموضوع قائلة «إننا نتربى في مجتمعنا على فكرة أننا يجب أن نكون قساة القلب، لكني حاولت وبشفافية مطلقة أن ألمس مشاعر الناس بسماء الحب الفسيحة، خصوصا أننا في الواقع نفتقد هذا الإحساس، فرغبت أن أبرزه في أوجه عدة». وتضيف «أنا من الأشخاص الذين يهمهم الحب، وهناك دون شك كثيرون مثلي».

وعما إذا كانت واجهت صعوبات في كتابة سيناريو الفيلم كي لا تخدش شعور المواطن السعودي عامة فقالت «حاولت جاهدة ألا أصطدم بالثقافة السعودية التي أحترمها، لكني رفعت الصوت لنقل الواقع، وعلى كل منا أن يحترم صوت الآخر، فنحن من بيئة محافظة، لكن ذلك لا يمنع من الاحتفاظ بصوتنا ورأينا». وعما إذا كانت من متابعي أفلام لمخرجات عربيات قالت «طبعا، فأنا معجبة مثلا بفيلم آن ماري الجسر (لما شفتك)، فهي تتمتع بحس راق وحقيقي، وكذلك الأمر بالنسبة لنادين لبكي، فأنا أعشق إحساسها المرهف ومعجبة بالإنسان صاحب الفكر العميق الذي يسكنها».

وختمت هيفاء المنصور حديثها متوجهة إلى المرأة العربية عامة والسعودية خاصة فقالت «عليك أن تثقي بنفسك وبأحلامك، وفي إمكاننا مع بعضنا البعض أن ننجز الكثير، فلا تسمحي للمجتمع أن يحد من طموحك، فمعا نحلم ومعا نحقق الحلم».