إطلاق مسرحية «شمس وقمر» على مسرح «كازينو لبنان»

عاصي الحلاني ثائر ضد الديكتاتورية وينشد «إذا الشعب يوما أراد الحياة»

الثائر عاصي الحلاني يؤدي الدبكة على مسرح كازينو لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

لم تكف نجومية المطرب الكبير عاصي الحلاني، والفنانة المجتهدة جدا نادين الراسي، لإنقاذ مسرحية «شمس وقمر» الغنائية التي بدأت عروضها الأسبوع الماضي، على خشبة مسرح «كازينو لبنان»، من هشاشتها. غنى عاصي الحلاني الوطن والحرية ونبذ العبودية وأمسك بيد الحبيبة وشجعها على الصمود وطالبها بالصبر والانتظار حتى اللحظة الأخيرة.

المسرحية التي يشارك بها مجموعة من الأسماء المعروفة في عالم الفن مثل فايق حميصي وكارلا بطرس كما جيلبير جلخ وجان قسيس وجهاد الأندري، تفتقد لسوء الحظ إلى الكثير من العناصر التي تخرجها من إطار الجمود إلى حيوية الفعل الجمالي الممتع. الفصل الأول يصور مرحلة ما قبل الثورات وحال المجتمع العربي الخانع الذي يبدو فيه قمر (عاصي الحلاني) ثائرا مع مجموعة من المحتجين الذين سرعان ما يلقى بهم في السجن، وتبقى عروسه شمس (نادين الراسي) تغني من أجل الحرية حاملة شالها الأبيض والأسود باحثة عن الخلاص. في الجزء الثاني تتضح الرؤية بالنسبة للمتفرج ويدرك أنه أمام مسرحية تستوحي الثورات وتنقلها بتقريريتها إلى المسرح، متخلية عن أي رمزية أو مسافة تكسر حدة الواقع الفج وتعطيه أبعاده الفنية. في مواجهة شمس وقمر وبقية الثوار هناك الحاكم نخوخ (فائق حميصي) وزوجته (كارلا بطرس) وكذلك هناك شخصية فايروس أو الأجنبي الذي يتواجد على الأرض ليحرك الأحداث ويطلب من الحاكم المغادرة لأن عهده قد انتهى. تفتقد المسرحية إلى حوار يربط الشخصيات ولا تسعف، في أي حال، القفشات الطريفة ذات المغزى المباشر، و«النتعات» الوطنية كما الشعارات الثورية التي يمكن أن تؤجج المشاعر، لتجعل المتفرج يستغرق في العمل.

النجمان عاصي الحلاني ونادين الراسي، تاها على خشبة لم تحتضنهما بما يليق باسميهما، المخرج جهاد الأندري، يبدو وكأنه غفل تماما عن عنصر الإضاءة الذي يلعب دورا أساسيا في إعطاء المشاهد أجواءها وينقل المتفرج من مناخ إلى آخر، كما بقي الديكور الذي صممه جوزيف وجورج خوند جامدا دون أي تغييرات تذكر أو تحريك أو تبديل، مما جعل المشاهد المتتابعة أشبه بالاسكتشات منها إلى مسرحية تختلط فيها عوالم وشخصيات تضج بالحياة.

مسرحية «شمس وقمر» رغم جمال بعض أغنياتها، والجهد الكبير الذي بذلته نادين الراسي، والشعبية الكبيرة لعاصي الحلاني، كما الأداء المتميز لكارلا بطرس، بقيت دون المستوى الذي يليق بالمشاركين فيها. المسرح أحد أعقد أنواع الفنون، والمسرح الغنائي تحديدا، عمل مركب وله أسراره ووصفاته. سبق لعاصي الحلاني أن قدم تجارب مسرحية غنائية إحداها مع فرقة كركلا في «أوبرا الضيعة» برفقة ألين لحود ومشاركة وديع الصافي، حيث طغت الاستعراضية وجماليات الرقص، ولم يكن الأداء التمثيلي أساسا في العمل. في المرة الثانية لعب عاصي الحلاني دور صلاح الدين الأيوبي وامتطى الحصان وحارب بالسيف في قلعة بعلبك، لكن لم تكن التجربة على المستوى المأمول مع الأخوين صباغ اللذين فاق طموحهما موهبتهما. بعد تلك التجربة الضعيفة إخراجيا، كان يتوجب على فنان بقامة عاصي الحلاني أن يفكر مليا قبل الإقدام على خطوة جديدة. «شمس وقمر» بنيت على نجومية عاصي الحلاني ونادين الراسي، وليس في الأمر عيب. لكن المسرحية بضعف نصها وإخراجها وديكورها جاءت دون ما كان ينتظره جمهورها، وبأقل مما يستحقه نجومها.

محاولات فنانين جدد لاختراق الاحتكار الرحباني للمسرح الغنائي في لبنان، هو مما يبعث الأمل والطمأنينة، لكن غالبية هذه الأعمال بقيت للأسف تفتقر إلى تكامل عناصرها، وشد حبكتها، وحيوية مشهديتها.

ثمة أغنيات جميلة في «مسرحية شمس وقمر» لكن الغناء وحده لا يصنع مسرحا. ربما أن العمل كان يحتاج للمزيد من التحضير والتنقيح وإعادة النظر لتلافي كم مهم من الثغرات، وتجويد اللوحات الراقصة، كما الأزياء بما في ذلك ملابس نادين الراسي، كي تبدو، على الأقل، أكثر تمايزا عن بقية الشخصيات الموجودة على المسرح. كما أن قصة الحب التي كان يفترض أن تكون أساسا لكننا شعرنا في بعض اللحظات أنها أصبحت على هامش الموضوع، بحيث تقاسم النجمان عاصي ونادين، بشكل أو بآخر البطولة مع فائق جميصي وكارلا بطرس، وهو مما أضعف العمل. كما أن المبالغة في استخدام الشعارات الوطنية أثناء الحوارات ذهب بالنص إلى مباشرة مضجرة.

جاء الفصل الثاني أكثر حيوية من الفصل الأول. إذ بقيت القصة في الساعة الأولى من العرض تركز على الظلم والطغيان، وسجن المتمردين، إلى أن انبلجت بعض النتائج مع بداية الساعة الثانية، ولم تدب الحياة فعليا على الخشبة إلا في اللحظات الأخيرة من العرض، ومع أداء عاصي الحلاني بصحبة نادين الراسي لقصيدة أبي القاسم الشابي الشهيرة «إذا الشعب يوما أراد الحياة»، بما تحمله هذه الأبيات حين تؤدى بصوتين جميلين من سحر وعذوبة.