«كارتييه».. فن ومجوهرات وتاريخ

الرئيس التنفيذي للشركة العالمية لـ «الشرق الأوسط»: من يقطع الجواهر ويضعها في أطر وينحتها.. فنانون

عمل الفنان أليساندرو منديني «لو فيزاج أركاييك» (الوجه القديم) الذي عرض في «آرت دبي» مؤخرا
TT

قد يثير اسم «كارتييه» لدى السامع صورة لقطعة مجوهرات رفيعة المستوى أو ساعة كلاسيكية فاخرة، وهو أمر طبيعي، فالدار العريقة تعد من أكبر دور المجوهرات العالمية، وتزهو بتاريخ عريق بدأ منذ عام 1847. لكن الدار أيضا اختارت أن تمزج بين الفن والحرفية التي تتمثل في قطعها الفريدة مع التزام جاد بدعم الفنون الحديثة وذلك عبر مؤسسة «كارتييه» للفن المعاصر (Fondation Cartier pour l’art contemporain) التي أنشئت في عام 1984 ونزعت منذ نشأتها إلى تشجيع تطور أكثر أشكال الإبداع معاصرة ونشر التعريف بها. ولعل ذلك يطرح تفسيرا لدعم الدار لسوق الفنون السنوية «آرت دبي»، والتي دعمتها «كارتييه» أيضا العام الماضي.

جناح «كارتييه» في «آرت دبي» ينضح بالعراقة والأصالة المستوحاة من الشوارع الباريسية وبالتحديد جادة لابيه حيث يوجد متجر «كارتييه»، وقد أعيد تصميم جانب من الشارع الشهير لنقل صورة من الجو العام للدار وورش العمل فيها. عبر واجهة بيضاء رسمت عليها مبان باريسية ووقف على مداخلها حراس ببدلات حمراء يمر الزائر لجناح «كارتييه» ليتجول في الداخل عبر خزانات عرض تروي جانبا من تاريخ الدار، وأسرار تصنيع المجوهرات، إلى جانب عرض مجموعة من القطع النادرة التي تعد نقطة جذب لمحبي المجوهرات وجامعي القطع الفنية على حد سواء. ويتوج العرض بقطعة فنية للفنان أليساندرو منديني بعنوان «لوفيزاج أركاييك» (الوجه القديم) تتوسط ساحة مركزية باريسية.

وفي صالون صغير مطابق لإحدى غرف الدار في باريس التقت الشرق الأوسط مع ستانيسلاس دو كورسيز، الرئيس التنفيذي لـ«كارتييه» العالمية، ودار معه حديث خاص حول نظرة الدار للفنون واهتمامها بها عبر مؤسسة «كارتييه» للفنون، وأيضا تطرق الحديث إلى معرض قادم للدار تقدم فيه مجموعة ضخمة من قطع المجوهرات المتحفية. وإذا كان الحديث مع دار مجوهرات عريق بحجم «كارتييه» فمن الطبيعي التطرق لتاريخ بعض القطع التي صنعت عبر السنين لترتديها سيدات الأسر المالكة حول العالم، وهنا لا بد من الاستشهاد بقول الملك إدوارد السابع الذي أطلق على «كارتييه» لقب «صانع مجوهرات الملوك.. وملك صناع المجوهرات».

يرى دو كورسيز أن «كارتييه» ليست غريبة على عالم الفن، فبالنسبة للدار فإن الفن هو جزء من عملها، وإن مهمتها هي ترسيخ شكل و«استايل» مميز يعرف حول العالم بأنه «استايل كارتييه»، سواء كانت تلك القطعة مصنوعة في عام 1847 مع بدايات الدار أو حتى في عام 2000، ذلك الشكل هو ما يجعل تلك القطع تعرض في المتاحف العالمية كقطع فنية خالصة يمتزج فيها بريق الأحجار الكريمة مع خطوط وتشكيلات فنية رفيعة، وهنا يذكر دو كورسيز أن الدار ستقيم معرضا في الصيف المقبل في «غراند باليه» بباريس. ويقول «سيكون هذا المعرض رقم 35 بالنسبة لـ(كارتييه) في الأعوام الثلاثين الأخيرة، وقد اختار له منسق المعرض عنوان (كارتييه الأسلوب والتاريخ)، وتُعرض فيه 500 قطعة متفردة». ويشير إلى أن متاحف عالمية شهيرة استضافت معارض لمجوهرات «كارتييه»، منها متحف المتروبوليتان في نيويورك، والمتحف البريطاني في لندن، كما عرضت أيضا في الكرملين بموسكو وفي المدينة المحرمة في بكين «35 متحفا عالميا رأى خبراؤها الطابع المتحفي لقطع مجوهرات كارتييه ورأوا أن من حق الجمهور العريض الاستمتاع بها وليس فقط زبائن الدار».

العروض المتحفية كانت بابا لاتجاه الدار لاتخاذ خطوة تبلور أهمية أن تمارس الدار دورا يظهر كرما واهتماما بالجمهور العام، يقول دو كورسيز «منذ 29 عاما ناقش رئيس الدار آلان دومينيك بيرين مع الفنان الشهير سيزار فكرة إنشاء مؤسسة تدعم الفنانين المعاصرين حول العالم عبر إقامة معارض لهم في مبنى المؤسسة الذي صممه المعماري العالمي جان نوفيل، وها نحن هنا الآن ندعم الفنون الحديثة في (آرت دبي)».

الصلة بين عالم الفن وعالم صناعة المجوهرات قريبة جدا حسبما يؤكد دو كورسيز، ويقول بفخر ردا على سؤال عما إذا كانت الدار قد استوحت أعمالا لفنانين مشهورين في تصميماتها أو استعانت ببعضهم، إن العاملين في ورش الدار هم أيضا فنانون «منذ عام 1847 ونحن لدينا فنانون يعملون في ورش المجوهرات يصممونها وينفذوها، فمن يقطع الجواهر، ومن يضعها في أطر، ومن ينحتها، كل هؤلاء فنانون.. ونرى أن العاملين في الدار من النساء والرجال هم فنانون يجمع بينهم توقيع (كارتييه)».

لكن إقامة مؤسسة ضخمة تعنى بالفنون الحديثة وتقيم المعارض الدورية لهم أمر يدعو للتساؤل عن ماذا تجنيه الدار في المقابل، يقول كورسيز «أعتقد أن ذلك كله يدعم هوية الدار وهو ما نطلق عليه «كارتييه الخلاقة» إنها جزأ من هويتنا ولكن هل نستفيد من ذلك، لا أعرف.. لكنى أؤمن بأننا يجب أن نكون كرماء، وفي هذا الإطار أرى أن دعم عمل المؤسسة هو كرم، الفن أساسه الإبداع والمشاركة». في هذا الإطار يرى دو كورسيز أن أهم منجزات المؤسسة يتمثل في «الالتزام الدائم عبر 29 عاما لخدمة المناخ الفني المعاصر». عبر الـ29 عاما أقامت المؤسسة نحو 120 معرضا بمعدل 4 معارض في السنة حتى الآن.

إلى جانب تبني أعمال فنانين معاصرين من حول العالم. ويشير دو كورسيز إلى أن الدار أيضا تكلف فنانين بإعداد قطع خاصة، ويشير كمثال للقطعة التي تعرض في «آرت دبي» وهي من تصميم الفنان أليساندرو منديني بعنوان «لوفيزاج أركاييك» (الوجه القديم)، وهي أشبه بمزيج بين قطعة المجوهرات والأضحية المنذورة، مصنوع من الفسيفساء الذهبية مع لمسة من القداسة. على عنق التمثال، يتألق عقد بثلاث قلادات نفيسة من الذهب، تمت صناعتها في ورش عمل كارتييه بناء على طلب الفنان في عام 2002.

القطع النادرة والتي تصنع بتكليف خاص تحتفظ بألق ولمعة خاصة، وهو ما يقودنا للسؤال حول المجوهرات الراقية التي تصنعها الدار والوقت الذي يستغرقه صنع كل قطعة منها. يقول «كل قطعة من مجموعة 2013 استغرق العمل فيها منذ عام 1847 وحتى الآن، تماما مثل قصة السيدة التي طلبت من بيكاسو رسم لوحة شخصية لها وعندما انتهى سألته عن سعرها، لكنها فوجئت بالسعر العالي الذي قدمه الفنان فقالت «لا أفهم لقد رسمت اللوحة في 30 دقيقة»، ليجيب بيكاسو «لا لم أعمل لـ30 دقيقة، بل استغرق العمل مني 65 عاما (وهو عمر الفنان)». القصة كما يشير دو كورسيز تشير إلى الخبرة التي تنعكس في العمل النهائي للفنان، وبهذا فإن كل قطعة تصنعها الدار تحمل خبرة طويلة متوارثة عبر الأجيال. ويستطرد: «لنعد لسؤالك، سأضرب لك مثالا، كل قطعة ماس يستغرق تركيبها نحو 15 دقيقة، فعلى سبيل المثال نعرض هنا عقد (بانثر) الذي كان يحمل 3324 ماسة، وبمعادلة رياضية بسيطة نضرب عدد الماسات في الدقائق نستطيع تخيل الوقت الذي تستغرقه كل قطعة من المجوهرات الراقية. بعض القطع تستغرق 1000 ساعة وفي بعض الأحيان أكثر من عام. تنفيذ قطعة واحدة من المجوهرات الراقية هو أمر يتطلب جهد فريق متفان من العاملين والحرفيين، هي قطعة فريدة ولهذا يتضاعف سعرها، إنها مثل قطعة من الفن».

الدار تفخر بوصف الملك إدوارد السابع لها بأنها «صانع مجوهرات الملوك.. وملك صناع المجوهرات»، وهنا نطلق سؤالا: هل تختلف القطع التي تصمم للملوك عن باقي القطع؟.. الإجابة تأتي حاسمة «هناك أسلوب واحد، وتوقيع (كارتييه)، نقول دائما إن من يدخل إلى البوتيك الخاص بنا يجب أن يخرج منها وهو يشعر بأنه ازداد طوله 25 سنتيمترا، فقد عومل كملك أو ملكة. المجوهرات مصنوعة لتليق بكل النساء والرجال حول العالم».

وقد يتشارك الجميع في نظر صانع المجوهرات، لكن اختيارات البعض قد تميز قطعة عن أخرى وتمنحها شهرة كبيرة، فعلى سبيل المثال قطع المجوهرات التي يقتنيها أعضاء العائلات المالكة في العالم ويتم عرضها في المتاحف قد تحتل مكانا خاصا، مثال على ذلك بعض القطع التي عرضت في قصر باكنغهام العام الماضي والتي كانت ملكا للملكة إليزابيث ورثت بعضها عن والدته وجدتها ومنها التاج الذي ارتدته كاثرين دوقة كمبردج في حفل زفافها على الأمير ويليام. وفي هذا الإطار يشير دو كورسيز إلى المعرض الذي يقام في باريس في الصيف «في معرض باريس نعرض قطعا كانت ملكا لدوقة ويندسور وأميرة موناكو غريس كيلي والممثلة الراحلة إليزابيث تايلور»،