قلعة شيروانة التاريخية في إقليم كردستان تحتضن رقصات شعوب العالم وموسيقاها

فرق دولية تقدم عروضها الفنية في مهرجان كالار للفنون الشعبية الدولي الثالث

تشارك في المهرجان فرق للفنون الشعبية من دول مختلفة
TT

خرج أهالي مدينة كالار الكردية مبكرين إلى الشوارع مرتدين ملابس العيد ومتهيئين للحدث الذي ينتظرونه سنويا.. حدث فني استثنائي في تاريخ وعادات المدينة يحل مع أعياد نوروز، رأس السنة الكردية. فهم على موعد مع المهرجان الدولي للرقص الشعبي الذي تشارك فيه فرق للفنون الشعبية من دول مختلفة مثل الأردن والمجر وبلغاريا وبولندا وإيران والهند وطاجكستان واليونان وتركيا والسويد ورومانيا وجورجيا والبرازيل، إضافة إلى الفرق العراقية من البصرة والسليمانية ودهوك.

يستغرق الوصول إلى مدينة كالار من مدينة السليمانية بواسطة السيارة ساعتين عبر طريق يتسلق الجبال صعودا، والطريق ذاته هو احتفاء بالطبيعة وجمالها المتميز في هذه المناطق، مرورا ببحيرة دربنديخان التي تتربع بين قمم الجبال لتشكل منظرا فريدا من نوعه تمتزج فيه انعكاسات القمم التي ما زالت تحتفظ ببياض الثلوج وخضرة الأشجار وانعكاس أشعة الشمس التي تحيل مياهها الصافية إلى ما يشبه المرآة الفضية، مرورا ببلدات وقرى تستيقظ مبكرا لينطلق رجالها إلى الحقول والوديان للزراعة ورعاية الماشية، هناك تفاجأنا على جانب الطريق مقاه ومطاعم مختبئة بين طيات الجبال، تنزل على أطرافها سيول من مياه متدفقة من عيون ماء في أعالي الجبال.

كالار الكردية، أكبر من قضاء وأصغر من محافظة لهذا منحتها «حكومة إقليم كردستان العراق تقسيما إداريا غير شائع في العراق وهو إدارة كالار وتتمتع بصلاحيات المحافظة، مع أنها تابعة لمحافظة السليمانية،» حسب ما يوضح الدكتور كاوا شاكر، وزير الثقافة والرياضة والشباب في حكومة الإقليم، الكردي الذي رافقناه في تلك الزيارة. وتقع هذه المدينة على مجرى نهر سيروان. وحتى بداية السبعينات، كانت عبارة عن قرية صغيرة تدعى (كلاري كون) أي كلار القديمة التي شيدت عام 1860 وتعد مركز رؤساء عشائر الجاف. ولم يكن فيها سوى مخفر للشرطة ومقهى على الطريق بين قضاء دربنديخان وجلولاء، وتم افتتاح أول مدرسة ابتدائية فيها عام 1970، بينما تم افتتاح جامعة كرميان من قبل حكومة إقليم كردستان العراق للسنة الدراسية 2011 - 2012 في كالار ولها كليات في مدينة خانقين، وكذلك يوجد فيها المعهد الفني ومعهد متخصص بعلوم الكومبيوتر.

استقبلتنا ألوان علم كردستان، بألوانه الأحمر والأخضر والأبيض، مرتبة بصورة أفقية، تتوسطه شمس صفراء. وكان علم كردستان قد رفع عام 1946 كعلم رسمي لأول جمهورية كردية وهي جمهورية مها آباد التي استمرت لأشهر قليلة. وقد منع رفع هذا العلم في تركيا وسوريا وإيران..

ويرمز اللون الأحمر للفداء والدم ولتضحيات الأكراد في سبيل الحرية والاستقلال، والأخضر يرمز إلى طبيعة كردستان الخضراء والخير، بينما يرمز اللون الأبيض إلى السلم والأمان ونقاء نفوس الأكراد. وينبعث من شعار الشمس 21 شعاعا إشارة إلى 21 مارس (آذار)، حيث رأس السنة الكردية الذي يعتبر عيدا قوميا لجميع الأكراد في العالم.

بدت المدينة بشوارعها المنظمة وأبنيتها العالية وبيوتها الواسعة، متهيئة تماما لاستقبال مهرجانها الفني. وأوضح وزير الثقافة لإقليم كردستان قائلا: «هذه المدينة التي تبدو اليوم متطورة وحديثة وواسعة، لم تكن قبل 1991 سوى بلدة مهدمة لما أصابها من دمار بسبب قصف طائرات النظام السابق لها ضمن عمليات الأنفال الإجرامية. وقد أعيد تشييدها بالكامل من قبل حكومة الإقليم»، مشيرا إلى أن العقارات في كالار هي الأغلى تقريبا في عموم إقليم كردستان، كون المنطقة تجارية وتقع على الحدود العراقية - الإيرانية، حيث يوجد معبر تجاري مهم بين البلدين.

وردا على سؤال حول أسباب إقامة مثل هذا المهرجان الفني الدولي في مدينة بعيدة بقوله: «لقد تعرض أهالي كالار لمختلف أنواع الاضطهاد علي أيدي النظام السابق. وهنا، جرت معارك دامية أثرت في نفوس الناس وكادت تغير من طباعهم، خاصة أنهم شعروا بما يشبه العزلة عن بقية المدن، لذا فكرنا في حكومة الإقليم في إقامة نشاط ثقافي فني تساهم فيه فرق من جميع أنحاء العالم ليشعر الأهالي بارتباطهم بالعالم الواسع من جهة، ولبناء المواطن ثقافيا وفنيا والعمل على أن ينسى الظروف الصعبة التي علقت بذاكرتهم، وهذا ما حدث بالفعل، فهذه هي النسخة الثالثة لهذا المهرجان وسترون بأنفسكم كيف يتفاعل الناس مع نشاطات الفرق الفنية».

بدأت فعاليات المهرجان الدولي للفنون الشعبية عند الساعة الثالثة بعد الظهر، حيث كانت أشعة الشمس تغسل المدينة بلمعانها لتعطي للألوان تألقها الحقيقي. وحسب منهاج المهرجان سنويا، تقدم الفرق الفنية عروضها الأولية في أحد شوارع كالار، تمر الفرق واحدة تلو الأخرى مع فرقها التي تعزف الموسيقى التقليدية لكل بلد، بينما تؤدي الراقصات والراقصون فقراتهم الفنية وسط حشد كبير من جمهور منضبط بمتابعته ومتفاعل مع ما يجري من دون أي إشكالات تذكر، كأن الحدث في مدينة أوروبية وليس في مدينة تقع عند أطراف إقليم كردستان العراق.

لكن المنهاج الرئيس للمهرجان ينطلق في باحة قلعة شيروانة التاريخية التي لا تبتعد كثيرا عن مركز مدينة كالار حيث يصلها الناس مشيا، هناك سيكون الحدث مضاعفا، حيث الاستمتاع بمنظر القلعة التاريخية الرابضة على قمة تل عال مثل تاج على رأس المدينة، ومتابعة عروض فرق الفنون الشعبية المختلفة والاستمتاع بموسيقى شعوبهم.

عندما وصلنا إلى موقع تقديم العروض كان الناس قد اتخذوا مواقعهم على السلالم المؤدية إلى القلعة التي تم بناؤها على تلة عالية تكاد تكون دائرية يعود تاريخ بنائها إلى عهد السلالة الكيشية.

لقد تم بناء القلعة بشكل مستطيل، وعند الدخول إليها تبدو مربعة بشكل عام ذات عدة طوابق متداخلة. وسميت بقلعة «شيروان» وتعني (عرين الأسد). وحسب تاريخها المسجل، فإن من قام ببنائها هو محمد باشا بن كيخسر وبك بن سليمان بك وهو رئيس عشائر الجاف لتكون له قاعدة ومركزا لقيادة العمليات العسكرية وكذلك مركزا لإدارة حكم الإمارة التي يمتد نفوذها تاريخيا إلى مناطق كفري، والسعدية، وشهر زور، وشيروان، وكرمنشاه في منتصف القرن التاسع عشر.

وقد شهدت تلك القلعة أحداثا كثيرة سجلها التاريخ إلى أن رحل عنها آخر ساكنيها من أحفاد محمد باشا كريم بك بن فتاح بك عام 1930.

وتتمتع قلعة شيروانة بتاريخ زاخر بأحداث مشرقة وكانت قد تعرضت للإهمال لفترات طويلة، ولكن أساسها قوي ومتين ومحسوب بشكل علمي ودقيق، مما أتاح لها الصمود بوجه العوامل الطبيعية. وقد أبدت حكومة الإقليم اهتمامها الواضح بكل مرفق تاريخي وسياحي، وقد نالت القلعة نصيبا مهما من أجل إعادة ترميمها وبث الحياة فيها، وكذلك الاهتمام بالآثار واللقى والرقم الطينية والرسومات والتخطيطات وبإشراف مباشر من دائرة الآثار في كالار.

وتم مؤخرا العثور على موقع أثري يضم عددا من القطع الآثارية والأواني القديمة، في قلعة شيروانة، وهي عبارة عن عدد من الأواني الفخارية تمثل جرارا وأباريق متنوعة. وحسب مصدر آثاري في كالار، فإن «الجرار الخزفية التي تم العثور عليها كبيرة، ويبلغ عرضها 72 سنتيمترا وارتفاعها 80 سنتيمترا». كما توجد مغارات داخل قلعة شيروانة لا يعرفون من أين تبدأ وإلى أين تنتهي.

قبالة القلعة التاريخية، انطلقت فعاليات المهرجان الدولي للرقص الشعبي، كان ثمة حديث يدور بين تاريخ القلعة ورقصات وموسيقى الفنون الشعبية للدول المشاركة كأنه احتفاء شعبي دولي بوجود هذا الصرح الأثري المهم. رقصت الفرق الشعبية وهي تبث روحا من السعادة في نفوس الحاضرين، وتألقت فرقة السليمانية ودهوك والبصرة ورومانيا وجورجيا وبقية الفرق عاكسة حضارة شعوبها التراثية.