الفنانون السعوديون في دبي.. نشاط وتنوع

عبر مشاركات في الفعاليات الرسمية لـ«آرت دبي» .. والمعارض المستقلة

«الرقص مع الموت» للمصور معتصم المسكري من معرض «عمق»
TT

يتوافد على دبي خلال فترة أسبوع الفنون عدد كبير من الفنانين من جميع أنحاء العالم يشارك بعضهم في فعاليات المعرض السنوي، والبعض الآخر يكتفي بالمشاهدة والمشاركة والاستمتاع أيضا بالوفرة والتنوع الفني. ولكن هناك أيضا من يقيم معارض فنية على هامش المعرض الأساسي وبالتالي يضمن الاهتمام الجماهيري وجانبا من تسليط الضوء أيضا. من اللافت تزايد أعداد الفنانين من السعودية الذين يجدون فرصة واسعة لعرض فنونهم والوجود النشط، سواء عبر الغاليرهات المشاركة داخل «آرت دبي» أو في العروض المستقلة خارجه.

ويعد المركز المالي في دبي نقطة جذب لمحبي الفنون، حيث يوجد به عدد من الغاليرهات المهمة التي تقدم معارض خاصة خلال أسبوع الفنون مثل أيام غاليري، كوادرو آرت غاليري، آرت سبيس، إمبتي كوارتر (الربع الخالي)، وكيوب آرتس غاليري. في جولة على المعارض المختلفة التي تقدمها هذه الغاليرهات يوجد حجم مهم من المشاركة الفنية السعودية.

* صيد اللآلئ إلهام لفناني الخليج

* البداية كانت مع «كيوب آرتس غاليري»، حيث يقام معرض «عمق» الذي يعرض أعمالا لـ13 فنانا من السعودية ودول مجلس التعاون. تصاحبنا في جولة على المعروضات المصورة الأميرة ريم الفيصل والفنانة لولوة الحمود مديرة الغاليري. تقول ريم الفيصل في البداية: «الفنانون هنا كلهم من الخليج يعرضون فنونا متنوعة تشمل التفاعل بين الفن واللغة والشعر». وتشير ريم الفيصل إلى اسم المعرض «عمق» وتقول إنه «مستوحى من صيد اللؤلؤ الذي اشتهر به أهل الخليج والحضارة التي صاحبته، هناك أيضا لعب على كلمة «عمق» فتعبر الأعمال عن العمق في أشياء كثيرة، عمق اللغة وعمق التفكير. وتشير أيضا إلى صور فوتوغرافية تمثل رجلا يغوص في أعماق البحر للمصور العماني معتصم المسكري يصور من خلالها رحلته الشخصية مع صيد اللؤلؤ. وتقول: «هذا العمل من سلسلة (الرقص مع الموت) يعرض تجربة صيادي اللؤلؤ ومخاطرتهم بحياتهم في المهنة». وهو نفس المعنى التي تعبر عنه الفنانة هالة الخليفة من البحرين في عملها «انحباس». المعرض يأخذ المشاهد لرحلة في العمق يلمس فيها التحدي والغنيمة، الخسارة والنصر، عبر اصطحاب المتفرج لأعماق عقل وروح صائدي اللؤلؤ. من الفنانين المشاركين في المعرض هناك فهد القثامي وسارة السنوسي ومحمد حيدر وناصر التركي من السعودية وبدر المنصور من الكويت وهالة الخليفة من البحرين.

* «خط في الرمال».. بين المعلن والمخفي

* من خلال معرض «خط في الرمال» الذي يقام في آرت سبيس دبي بالتعاون مع أثر غاليري، نتجول بين مجموعة من الأعمال لمجموعة من الفنانين الناشئين السعوديين يقدمون من خلالها رؤيتهم لواقع المجتمع والحدود الوهمية والحقيقية التي يضعوها أمام العقبات. المعرض من تنسيق رنيم زكي فارسي وآية علي رضا ويضم أعمالا لكل من: أحمد عنقاوي، مساعد الحليس، راشد الشعشعي، بسمة فلمبان، سارة خوجه، إياد مغازل والفنان شاويش.

وحسب دليل المعرض فـ«خط في الرمال» يعبر عن لفتة ترمز إلى نقطة الحد الأقصى الذي لا يمكن تجاوزه. فتجاوزه رمز لاختبار جراءة وشجاعة الشخص العازم على التحدي لاتخاذ الخطوة التالية. ومع ذلك، في نهاية المطاف، يبقى مجرد خط حد في الرمال، علامة عبور من شأنها أن تتلاشى بين الرمال التي رسمت عليها. جميع الفنانين المشاركين في هذا المعرض يدفعون حدودهم، متحدين القيود التي وضعتها بيئتهم، منها الحقيقية التي توجد على هيئة معوقات وعقبات يومية يواجهها الفنان، وأخرى نظرية وفكرية.

تأخذنا المنسقة رنيم زكي فارسي عبر الأعمال المعروضة وتبدأ بعمل الفنان راشد الشعشعي وهو عبارة عن سدادة ضخمة مثبت أول طرفها بالحائط، تقول: «هذا العمل يترك لتفسير المتفرج ولكننا رأينا فيه طريقة لتحديد الوقت المناسب لإيقاف شيء ووضع الحد». العمل يبدو مضخما لدرجة أفقدته هويته الأصلية فلم تعد السدادة هي نفسها التي نراها في عالمنا اليومي، بل تحولت إلى رمز.

العمل الثاني في الجولة هو للفنان مساعد الحليس وهو عبارة عن ثلاثة تروس ضخمة مختلفة الأحجام تبدو مرتبطة ببعضها ومتكاملة، فإذا تحركت إحداها ستتحرك الأخريات بتناسق تام. تشير رنيم فارسي إلى أن التروس مصنوعة من أحزمة يستخدمها الحجاج عادة لتثبيت الإحرامات، ملفوفة حول بعضها لتكون دوائر ضخمة متعاقبة من تجارب وشخصيات ورؤى كلها تدور بانسجام جنب إلى جنب مع بقية الدوائر المجاورة. تقول: «العمل اسمه (التصميم العظيم)، وهو تصميم وتنظيم الخالق عز وجل في خلقه، وفي ميكانيكية دورة الحياة، ولكن الفنان عبر عن الفكرة العامة الضخمة بأبسط الوسائل، مستخدما فكرة الدوران، فالحجاج يطوفون حول الكعبة والأرض والقمر يدوران في فلكيهما، فكل شيء في هذا الكون يعتمد على الآخر، وإذا ما تعطل عامل واحد فقط لتوقفت العجلة عن الدوران».

ومن عمل الحليس إلى عمل للفنان شاويش الذي يقدم المعرض بعضا من أعماله الفوتوغرافية، تشير فارسي إلى إحدى الصور التي تبدو كصورة وثائقية للملك فيصل أثناء مراسم توقيع في الأمم المتحدة. يبدو إلى جانب الملك شخصية تبدو غريبة على السياق التاريخي والواقعي أيضا، هي شخصية يودا من سلسلة أفلام «حرب النجوم» الشهيرة. تقول فارسي: «الفنان يستخدم التقنية الحديثة لدمج شخصيات من الأفلام الخيال العلمي مع شخصيات واقعية، وهنا نرى إضافة شخصية (حرب النجوم) في هذا الإطار، فيودا معروف بحكمته ونظره الثاقب».

ومن أعمال الفنانة بسمة فلمبان يقدم المعرض عملين أحدهما بعنوان «جيم» الذي استوحته الفنانة من قصيدة شعرية لعبد الجبار النفري يبدأ بـ«الحرف يسري حيث القصد - جيم جنة جيم جحيم». تقول فارسي: «العمل يعبر عن المخفي والظاهر وهناك خط يجمع بينهما تعبر عنه الفنانة في قالب بديع من تشكيلات الخط العربي». العمل عرض في المتحف البريطاني ضمن معرض «الحج» الذي أقيم العام الماضي.

أما الفنان إياد مغازل، فهو يطرح قضية اجتماعية من خلال عمله «القفل والمفتاح»، ويشدد على أهمية الخصوصيات الأسرية والاجتماعية وما يعانيه الإنسان عند فقدانها، عندما تتحول الفضوليات إلى القيل والقال.

نمضي إلى عمل للفنان أحمد عنقاوي والذي يبدو مألوفا للعين للوهلة الأولى، فهو صورة لشهادة حج كانت تمنح للحجاج في القرن السابع عشر. تفصيلة صغيرة في الركن الأيمن من المخطوطة تحملها من القرن السابع عشر لتحط بها في زماننا هذا، فنرى «تراكتور» يأكل جانبا من الإطار الذي يحيط بالمسجد الحرام. اللفتة عميقة ولا تحتاج تعليقا كثيرا، فالفنان عبر من خلال العمل عن مشاهداته وعن طبيعة التغيير والتحديث.. سيظل قائما إلى تاريخ 18 أبريل (نيسان) 2013.

* أثر غاليري وتطور المشهد الفني في السعودية

* للعام الخامس يشارك أثر غاليري من جدة في آرت دبي، في معرض هذا العام. ويقدم الغاليري أعمالا للفنان أحمد ماطر من سلسلة أعماله التصويرية حول مكة، كما يقدم أعمالا للفنان أيمن يسري وناصر السالم وسامي التركي.

يقول محمد حافظ، الشريك المؤسس لأثر غاليري، حول مشاركة هذا العام: «هذا العام لدينا ستة نشاطات، منصتين داخل (آرت دبي) ولدينا معرض (خط في الرمال) في غاليري (آرت سبيس) وأيضا مشروع الفنان صديق واصل في حديقة المنحوتات في (آرت دبي). هذا بالإضافة إلى مشاركة الفنان أحمد ماطر في بينالي الشارقة». يشير حافظ أيضا إلى أن «أثر غاليري» قام هذا العام بتنظيم رحلة لمجموعة من المقتنين السعوديين إلى دبي وقام بإعداد برنامج لهم بالتعاون مع «آرت دبي».

ومن جانبه، تحدث حمزة صيرفي الشريك المؤسس لـ«أثر غاليري» مع «الشرق الأوسط» حول الجو العام للفنون في السعودية والحركة النشطة التي يشهدها الآن. يقول: «نحن سعداء بما يحدث، أصبح هناك معارض للشباب تناقش بشكل راق مشكلات حيوية في المجتمع». ويضرب صيرفي المثل بمعرض «عمود نور» الذي أقيم في شهر فبراير (شباط) الماضي في جدة ضمن أسبوع «جو» للفنون الذي شهد أيضا أول معرض تجاري لصالة مزادات سوذبيز في السعودية. يقول صيرفي: «قابلنا العرض التجاري بعرض ثقافي عن طريق (عمود نور). هناك شباب واع يريد أن يتفاعل، يعبر ويناقش. الفن من أفضل الطرق التي يمكن بها لشبابنا التعبير والنقاش بشكل حضاري. هناك أيضا (تويتر) و(فيس بوك) و(يوتيوب) كلها أدوات يفترض أن يتم من خلالها طرح ثقافي لتنمية المجتمع وليس فقط لتسليته ونتمنى أن تتجه الفنون في هذا الاتجاه».

وحول تأثير الرقابة على عرض الأعمال الفنية يقول: «نحن دائما في حالة حوار ناضج من الطرفين، لأن هناك وعيا بأن الأعمال التي تقدم هي من أجل الحوار ومن أجل التنمية ليس فقط مجرد النقد، فيهمنا أن يقرأ العالم ويعرف أننا أصبح لدينا حركة ثقافية نامية ليس فقط للنقد».

ويشير إلى أن الغاليرهات والمعارض التجارية لها تأثير كبير على الساحة الفنية الآن: «الجانب التجاري في الفن أصبح مؤثرا الآن، المتاحف أصبحت لا تملك نفس القوة الشرائية، فبدأت الغاليرهات تقوم بمهام ثقافية واجتماعية». وفي هذا السياق، يشير أيضا إلى تنامي عدد الغاليرهات الناشئة في السعودية مثل غاليري الآن وغاليري لام في الرياض وغاليري رؤيا وبالطبع «أثر» في جدة.

وردا على سؤال حول الفرق الذي يلمسه بين المعارض الفنية في منطقة الخليج، والمشهد الفني في السعودية يقول: «الفن في السعودية كان دائما متطورا وهو أمر يلاحظه المتابعون. استطاع تزاوج الإبداع والأدوات الجديدة مع الإرث الإنساني أن ينتج لنا جيلا جديدا من المبدعين، منهم من أصبحوا روادا مثل أيمن يسري وأحمد ماطر وعبد الناصر الغارم. عندما بدأوا فتحوا الأبواب لجيل متعطش وجاهز وقد استطعنا خلال الخمس سنوات الأخيرة إبراز أكثر من موهبة حقيقية. بالمقارنة مع الدول المجاورة هناك أكثر من اتجاه لدعم الفن، فهناك من يرى أهمية إقامة متاحف ومنشآت أولا، وفي الجانب الآخر اتجاه يرى أهمية دعم الفنانين أولا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما الذي سيملأ هذه المتاحف؟ المفروض أن يتم ذلك بأعمال محلية لفنانين من المنطقة وان يكون وجود الأعمال الغربية عبر المعارض الزائرة، بهدف الزيارة والتثقيف والحوار لكن المجموعات الرئيسة يجب أن تكون أعمالا لفنانين يعبرون عن المنطقة من المنطقة بلغتها وثقافتها».

السؤال الذي قد يدور في أذهان الكثيرين هو حول مزاولة الفن كمهنة، وهل يمكن ذلك لشباب الفنانين أن يمارسوا هوايتهم دون الحاجة لوجود وظيفة دائما تضمن دخلا ثابتا. يقول: «نحن أول غاليري تجاري يسمح للفنان بأن يعيش من ناتج عمله الفني، لكننا جهة واحدة، وضعنا المثال أن هذا الأمر ممكن ولكننا نحتاج إلى أكثر من جهة لذلك وأيضا يحتاج الفنانون لأن تدعمهم الدولة وتمنحهم سبل للاستقلال المادي لإنجاز فنونهم».