«إشارات المرور» في جدة.. فرص لزيادة دخل الباعة المتجولين

تتنوع بضائعهم حسب المواقع والمناسبات.. ويحصلون على راتب مقابل تلك الساعات

إشارات المرور مهمة للباعة المتجولين
TT

105 ثوان من الوقت مهمة للباعة المتجولين عند إشارات المرور بمدينة جدة غرب السعودية، وهي تعادل ساعات عمل طويلة يقضيها أحد الموظفين في مكتبه ليعمل ويحصل على راتب مقابل تلك الساعات بثوانيها ودقائقها.

فزحمة إشارات المرور بمدينة جدة ليلا ونهارا خلقت نوعا من الحياة للناس ليستفيدوا منها للتبضع وشراء ما يلزمهم بشكل سريع في تلك الثواني خلال عودتهم من العمل أو المشاوير اليومية.

وأصبح ذلك الازدحام يعود بالفائدة على الباعة المتجولين الذين يبتكرون كل فترة مواد استهلاكية يمكن بيعها سريعا خلال تلك الثواني، سواء كانت أدوات زينة أو ألعاب أطفال أو حتى هدايا للمناسبات، وأخيرا الفاكهة والخضراوات الموسمية، كما أن تلك الثواني تُغني بعض السائقين عن الذهاب بسيارته لمغسلة، حيث يقوم هؤلاء المتجولون بمسح زجاج سيارات السائقين أثناء وقوفهم عند الإشارات حاملين معهم الممسحة ومواد التنظيف السريعة.

محمد منصور شاب ثلاثيني من إحدى الجنسيات العربية يبيع فواكه وخضراوات «موسمية» عند إشارة مرور في مدينة جدة منذ شهرين تقريبا، وكان قد قدم إلى السعودية على أنه عامل بناء منذ سنة، ويسكن مع مجموعة الشبان يعملون في بيع الخضراوات والفواكه.

وقال منصور لـ«الشرق الأوسط»: «بعد عودتي من العمل، كنت أستمع لحديث زملائي في السكن وكيف يقومون ببيع الخضراوات والفواكه ويتقاسمون الأماكن التي يبيعون فيها، وكنت أرى أغلبهم يتجه للبيع عند إشارات المرور ويتحدث عن المخاطر التي يتعرضون لها، ولم أكن أتوقع أن أقوم بتلك المهمة».. ويستطرد منصور قائلا: «اقترح علي أحد أصدقائي أن أجرب البيع معهم عند إشارات المرور، خاصة أن لدي وقت فراغ طويلا عند انتهاء عملي في فترة النهار، حتى أزود الدخل، وبالفعل بدأت أبيع عند الإشارات واكتشفت بالفعل أن هذه الشغلة مربحة أكثر من البناء الذي غالبا ما يكون مؤقتا وكل شهرين أو ثلاثة أشهر على حسب المقاول، ولكن بيع الخضراوات والفاكهة يكون بشكل مستمر». وأضاف منصور: «أصبحت أقف كزملائي عند إشارات المرور في الشارع الفرعي المقابل للعام الذي غالبا ما يكون آمنا أكثر من الشوارع الرئيسة التي عادة ما تسير فيها السيارات بسرعة جنونية، كما أن الذي يقف في الشارع العام يمكنه رؤيتي في الشارع الفرعي ويناديني إن أراد الشراء».

إلا أن البيع عند إشارات المرور لم يمنع علي أحمد من استمرار البيع عند بوابة أحد المساجد، الذي يدر عليه دخلا مهولا، خاصة أن كل من يخرج من المسجد لا بد أن يقف ويُعاين بضاعته، كما أن زبائنه باتوا معروفين ويقومون بتوصيته على نوع الخضراوات أو الفاكهة التي يريدونها من قبلها بيوم حتى يوفرها لهم في اليوم التالي.

وقال علي إنه قرر مؤخرا أن يذهب ليبيع الخضراوات والفاكهة عند الإشارة المجاورة لمنزله، بعد انتهاء الصلاة أو قبلها، ولكنه غالبا ما يكون متخوفا من ذلك، لأن أغلب السائقين متهورون ويسيرون بسرعة قبل أن تضيء الإشارة باللون الأخضر بثوان قد تكلفه حياته. وحفاظا على حياته، قرر أن لا يبيع للسيارات التي تقف في الصف الأول، بل يفضل أن يبيع للصفوف الأخيرة، لأنها لا تنطلق بسرعة.

بائعو الإشارات، أو تجار الإشارات، باتوا يعرفون زبائنهم، كما بين أبو حسن، بائع الفاكهة الذي يعرف الزبون الذي سيشتري، فلا يذهب لأي شخص عند الإشارة، بل يتجه مباشرة لمن سيشتري، وذلك من خلال «فراسته» كما يقول.. «بفراستنا نعرف الزبون الذي سيشتري ونتوجه له مباشرة حتى نكسب الوقت».

الحوار مع بائعي إشارة المرور لم يلههم عن متابعة تغير ألوانها خلال حديثهم معنا.. يتركنا عندما تبدأ ألوان الإشارة تتغير للأصفر ومن ثم للأخضر، ليبتعدوا عن الطريق ويُسمَح للسيارات بالمرور دون أن يتعرضوا للخطر، منطلقين إلى الإشارة الأخرى.

من جانبه، بين الاختصاصي الاجتماعي خالد الطويل أن الباعة المتجولين معروفون منذ زمن، «فكانوا يبيعوا الماء البارد عند الإشارات خاصة في فصل الصيف، وفي فترة المساء، كما يبيعون أدوات زينة السيارات، كأغطية المقود وزجاج السيارة، سواء كانت مصنوعة من الجلد أو من الأقمشة لتحفظها من حرارة الشمس، وبعد فترة، وجدنا الباعة قد ابتكروا نوعا آخر من المواد الاستهلاكية التي يتم بيعها عند الإشارات كألعاب الأطفال التي تدر دخلا أكبر عليهم لأنها تجذب الأطفال خلال الثواني التي تقف فيها السيارة عند الإشارة، فيضطر ذووهم لشراء تلك اللعبة أو الحلوى».

ويوضح الطويل أن تلك التجارة السريعة عند إشارات المرور، كانت تقتصر على البائعين من دول شرق آسيا، إلى أن تغيرت طريقة البيع منذ فترة بسيطة بدخول بعض الجاليات العربية التي أدخلت فكرا جديدا في «عالم إشارات المرور» وأصبحت تنافس تلك الجاليات على البيع والشراء من خلال استحداث مواد استهلاكية كحلوى غزل البنات والورود بأنواعها المختلفة، كما أنهم يتنافسون في بيع الهدايا الخاصة بالمناسبات والأعياد كعيد الحب و«اليوم الوطني»، فتجدهم يرتدون ملابس تعبر عن تلك المناسبة، ويحملون في أيديهم هدايا حمراء اللون وورودا في عيد الحب، أو أعلاما خضراء في «اليوم الوطني».

ومنذ وقت قريب، انتقل الباعة المتجولون لما يسمى بالتجارة الموسمية التي تتعلق ببيع الخضراوات والفواكه الفصلية، وعادة ما يمتلك أصحابها عربات لبيعها عند المساجد أو بجوار المحلات التجارية والمولات، ومؤخرا قرروا أن لا يكتفوا بالوقوف في مكان معين ودخول عالم إشارات المرور لينافسوا المتسولين.

وهناك بعض الباعة المتجولين الذين لم يجدوا طريقهم لدخول إشارات المرور كالأطفال الذين يبيعون اللبان والمناشف، يكتفون بالانتظار عند مواقف سيارات المحلات التجارية والأسواق خوفا من تهور السائقين عند الإشارات.

في حين ترى جهات أخرى أن حياة إشارات المرور لا تتوقف عند الريالات التي يدخلها الباعة أو المتسولون، ولا عند البضائع البسيطة التي يقومون ببيعها، بل لها قصة أخرى، حيث بينت عبير الحارثي مديرة القسم النسائي بمكافحة المخدرات لـ«الشرق الأوسط» أن هناك استغلالا كبيرا للأطفال والبائعين عند الإشارات، «ففي حين يفكر البعض بطريقة سطحية ويعتقد أنهم يبيعون تلك المواد الاستهلاكية مقابل (لقمة العيش)، نحن نرى من خلال عملنا ما تخبئه تلك التجارة»، وأضافت: «هؤلاء الأطفال والباعة يتم استغلالهم من قبل عصابات حتى لا يشك فيهم أحد، للترويج من خلال وضعهم تحت غطاء خارجي باسم (التسول) أو (لقمة العيش)».