محمد عبلة يستلهم المنظر الطبيعي في معرض جديد بالقاهرة

يصطاد الضوء من خضرة الريف وبحيرة قارون الهادئة

TT

يرتمي الفنان المصري محمد عبلة في أحضان الطبيعة، ويقلّب طبقات سحرها وخصوبتها في معرضه الجديد «البحث عن الضوء» الذي افتتحه وزير الثقافة المصري د. محمد صابر عرب اخيرا بالمركز المصري للتعاون الثقافي الدولي بحي الزمالك بالقاهرة.

ويضم المعرض 25 لوحة بخامة الزيت يواصل عبلة من خلالها مغامرته في البحث عن الضوء، الذي لعب عليه في عدد من معارضة السابقة مثل «ليل المدينة» و«أبراج القاهرة»، لكنه هنا يواجهه مباشرة، حيث سقوط الضوء والظل أكثر حدة، في براح أفق ريفي منساب بعفوية في محيط بحيرة قارون الفضفاض الهادي بمدينة الفيوم، وهنا يجرب عبلة اصطياد محاور أخرى للإيقاع والرؤية، خاصة في غمرة الشمس الساطعة وأيضا في لحظات غروبها، وهي تنزلق على ضفاف البحيرة مخلفة تكوينات ضوئية خلابة، تتمتع بخصوصية شديدة على مستوى المكان والطبيعة معا.

تردنا لوحات المعرض لطفولة الفن، وتذكرنا في الوقت نفسه بالانطباعيين العظام من أمثال سيزان ومونيه، ورينوار، فالضوء يصفو ويشع ويتسع في ضربات الفرشاة الغليظة، كما يتنوع بنغمات لونية، عبر نثرات من البني والأصفر والأحمر الحفيف، والرمادي الغائم المشرّب بزرقة الماء والسماء.

وعلى الرغم من بساطة التكوين فإن ثمة شعورا آثرا بالحركة في اللوحات، يعكس انفعالات الفنان الداخلية بحسية المشهد أو المنظر الطبيعي، كما يعطي إحساسا خفيا بانتفاء الفواصل والحواجز بين الصورة المرسومة، وصورتها المادية في الواقع. واللافت أيضا في اللوحات هو أن هذه الحركة تتكثف وتتدفق بقوة في المساحات التي تترصد لحظة سقوط الضوء على العناصر المادية كالصخور وأشجار النخيل والحشائش والحقول والمياه، ويحافظ عبلة على توازن التكوين على السطح، فلا يموه زوايا القرب والبعد، كما أن ارتجالاته للتقاطعات الخطية واللونية، باستقامتها واستداراتها، تحافظ بشكل غير مباشر على هويتها المائلة في الطبيعة وهو ما يجعل العين مشدودة إلى سطح اللوحة، بلا أي شوشرة أو تشويش.

لكن هذه الحركة المكثفة في الأسفل، تتخفف كثيرا من ثقلها، حين نتأمل السطح الأعلى للوحة حيث السماء وحركة الغيوم والشمس، فيبدو الفضاء وكأنه هالة من الألوان المتوهجة والساجية، تفيض عن ضوء الشمس الساطع، تسبح فيه وتكمله بضربات الفرشاة التي تميل إلى الحنو والهدهدة النغمية أحيانا، وكأننا أمام لحن أو معزوفة بصرية، تنبثق من أعماق الطبيعة بإيقاع له سمت قوس قزح، لكنها مع ذلك تعرف لمستها الخاصة.

فهكذا، يدرك عبلة خصوصية المنظر الطبيعي، ليس فقط كقيمة لتأمل جمال العناصر والأشياء في قوامها المادي الماثل أمام العين، بل أيضا كوسيلة للتعلم، وسبر أغوار الكون، وعلاقة البشر به، في نسقها العادي البسيط، وأيضا في سياقاتها الأعلى على مستوى الفلسفة والمعرفة والفن. لذلك يطمح وعلى حد قوله، أن يكمل مشروع البحث عن الضوء في كل أنحاء مصر.. «لكي يرى الناس ويعرفوا ويعطوا أنفسهم فرصة للتأمل، لأن طبيعتها جميلة، وهذا يجعلهم يحبون البلد أكثر وأكثر».

ويراهن عبلة في هذا الطموح على «أجيال مقبلة ستأخذنا إلى بر الأمان وهذه الأجيال تستمد كل الطاقة والقوة من جمال الطبيعة وخلودها وعظمتها مثلما قال باوستوفسكي: إن حب الطبيعة هو إحدى أمارات حب الإنسان لبلاده».