«الياشمك» كنز المرأة في سيناء.. تتبارى في تزيينه بأندر العملات

يصنع من الذهب العثماني القديم المسبوك بالقسطنطينية ويمثل فلسفة البادية

«الياشمك» أو البرقع زينة المرأة البدوية في سيناء ويحمل قيمة تاريخية
TT

رغم التطور الذي شهدته نواحي الحياة الاجتماعية بسيناء لا تزال المرأة البدوية بمناطق رفح والشيخ زويد تتمسك بارتداء البرقع المعروف باسم «الياشمك»، وهو أيضا زي الفتيات في بادية سيناء حيث التزين به كتقاليد بدوية أصيلة تحرم ظهور وجه المرأة. ولكن المرأة بطبيعتها تحب الزينة ولو من خلف برقع (ياشمك) لذلك تتبارى النسوة في إعطاء قيمة لهذا البرقع من خلال تزيينه بما ندر، والندرة هنا وجدنها في العملات.

ولا يزال الذهب العثماني القديم المسبوك في القسطنطينية حاضرا في زينة براقع السيدات البدويات بسيناء إضافة إلى العملات القديمة التي تمثل مورد للتزين وهذه المشغولات والعملات الذهبية ثروات من الزينة والحلي تتوارثها البدويات ويرتدينها للتجمل بها جيلا وراء جيل، جنبا إلى جنب مع العملات الرومانية والإسلامية والعملات الخاصة بعصور مصرية تاريخية أخرى قديمة أو حديثة.

ويتميز برقع المرأة البدوية السيناوية بأنه يحتوي على عشرات من القطع المعدنية الذهبية والفضية كل قطعة منها ربما لا يوجد مثيلها في برقع آخر.

الدكتور قدري الكاشف الخبير السياحي بشمال سيناء يقول إن وجه الثراء للياشمك يتمثل في القيمة التاريخية لكل قطعة. وهذه القطع ربما تحوي تاريخ سيناء كله من فترة ما قبل الأسرات مرورا بالعصور الفرعونية التي تخللتها عصور الاحتلال الأجنبي كالهكسوس والفرس والرومان، بالإضافة إلى العصور الوسطى منذ الفتح الإسلامي لمصر حتى دولة محمد علي التي استمرت إلى أن وصلت لثورات مصر المنتهية بثورة يوليو (تموز) كمرحلة أسست للتاريخ المصري المعاصر حتى الآن.

وأضاف أن المئات من العصور التاريخية تركت عملاتها في سيناء باعتبارها أكبر سجل تاريخي في العالم شهد غزوات كما شهد اهتماما من كل من حكم مصر عبر التاريخ ولذلك فإن البرقع أو الياشمك الواحد يمثل فلسفة البادية التاريخية للمرأة السيناوية.

ويحمل البرقع القطع العثمانية المسكوك عليها عبارة «ضرب في قسطنطينية 1223»، وذلك بالتاريخ الهجري، وبعضها يحمل ختما وأخرى كلمة «عربضرة»، وهي عملات وصلت إلى مصر في عهد الحكم العثماني الذي بدأ في القرن السادس عشر الميلادي.

وتقول السيدة مسعدة عودة بجنوب رفح إن العملات هي كنز لمن تملكها تتباهى بها وتبرزها في قطع مرصوصة وذلك بإحداث ثقب في طرف العملة الدائرية بحيث يمكن وضع خيط التثبيت في البرقع داخله في شكل من العملات المرصوصة في خط مستقيم بشكل مثالي يعلق على البرقع الذي يغطي الوجه، وتكشف حجم ما تحمله جوانبها من قيمة ما تملكه صاحبتها من ثروة، مضيفة أن البرقع الواحد يتم تزويده بالكثير من هذه الخيوط الحاملة للقطع المعدنية الذهبية والفضية.

وتقول السيدة نافعة عيد من قرية أبو شنار برفح إنها تمتلك عددا كبيرا من هذه العملات آلت إليها بعد وفاة والدتها التي ورثتها أمها عن جدتها قبل عشرات من السنوات، وأضافت أنها ستورثها لبناتها كما أنها حريصة على الاحتفاظ بها وعدم بيعها كما بدأت تفعل بعض النساء البدويات حاليا.

أما نبوية الشريف بجمعية الشابات المسلمات فتقول إن السيدات اللاتي يرتدين البرقع بدأن في الانقراض، كما أنه يوجد حاليا هواة لجمع هذه البراقع ليس لقيمة التبرقع لكن لما يحمله من معادن. وأضافت أن أعداد البراقع التاريخية في تناقص لأن المرأة البدوية حاليا بدأت في بيعه للآخرين.

وتوضح نافعة أن البرقع البدوي له تصميمات وأشكال متعددة وألوان متباينة يتحكم فيها الموقع الجغرافي واسم القبيلة، ويختلف من قبيلة إلى أخرى، ودائما ما تحرص على ارتدائه المرأة في البادية، ويعتبر موروثا ثقافيا منذ آلاف السنين. ويتكون البرقع عادة من الجبهة، وهي قطعة قماش مستطيلة تلتصق بجبهة المرأة، وتكون مطرزة بخيوط ملونة وخرز وعملات معدنية تسمى العشاري، والسبلة وهي خيط مطرز يتدلى من الجبهة على وسط الوجه وبه تثبت قطع ذهبية تسمى مشاخص. أما البت فهو قطعة مستطيلة مطرزة طولها 7سم وعرضها 5سم مرصعة بالقطع الفضية والعملات المعدنية والشكة، وتشكل جانبي البرقع من أسفل، وتتجهان من وسط البرقع من البت يمينا وشمالا نحو عنق المرأة، ثم الصدغات وهما قطعتان تتدليان وتغطيان الخدود لأن الصدغ معناه الخد في اللهجة البدوية وتكون مزينة بالخرز والعملات، ثم العناج: وهو الخيط الذي يربط أسفل البرقع بعنق المرأة من أسفل؛ حيث يلتف حول العنق.

وتروي صباح سليم وهي سيدة تعمل في تجارة وبيع الأزياء البدوية التقليدية أن المرأة البدوية حاليا خرجت من البرقع لتبيعه للآخرين كتذكارات سياحية باستخدام قطع البترة وهي عبارة عن قطع فضية مذهبة (مطلية بماء الذهب) مضيفة أن العملات العثمانية تعد أبرز وأهم مكونات البرقع، ونستطيع توفيرها لمن يرغب في الشراء من سيدات يقمن ببيع هذه العملات بغرض تغيير الحلي أو من الجواهرجية بالعريش.

وتؤكد إسعيدة سالمان من حي الزهور برفح أن البرقع يعد شيئا أساسيا في مقدمة أزياء المرأة البدوية حيث تتبرقع به المرأة ليخفي ما أمكن من معالم الوجه، ولا يبقي منه سوى العينين مثله مثل النقاب ولكن مع اختلاف كبير.

وعن سبب حرص البدويات على تعليق العملات ببراقعهن، قالت: إنها تثقله وتثبته على الوجه، كما أنه يعد خزينة لثروة المرأة البدوية، حيث تضع فيه كل ما تمتلكه المرأة من ذهب خالص وعملات نادرة.

ويقول أحد تجار المصنوعات الذهبية بمدينة العريش إنه تم إصدار ذهب الزينة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني والذي لا يزال مستمرا حتى اليوم، مضيفا أن القطع الذهبية العثمانية التي تزين براقع البدويات تعد من أفضل أنواع الذهب الخالص عيار 24 وحاليا تقام المزادات على العملات العثمانية خاصة التي ضربت في القسطنطينية عام 1327 حيث يصل وزن القطعة 7.2 غرام عيار الذهب 22. ويتم التعامل معها بحسب سعر الذهب في السوق، مضيفا أن العملات القديمة والنادرة والتذكارية، لها سوق واسعة ومتخصصة جدا، تجمع بين الهواة والتجار وفي علاقة أساسها رغبة اقتناء أي عملة نادرة وتحقيق ربح مادي من وراء عملية البيع. ولهذه السوق قوانين تسري على الهواة والتجار والزبائن من دون تجاوز، حتى أن هناك رابطة لهذه الأطراف الثلاثة في مصر للاطلاع على كل جديد في سوق العملات وتبادلها فضلا عن المعارض الدولية التي تعرض النادر والنفيس من العملات القديمة.