سراجو بغداد يتركون أقدم سوق عباسية لغياب الصيانة

معظم أسواقها التراثية مهملة وآيلة للسقوط

TT

رغم شهرتها وأهميتها الكبيرة باعتبارها من أقدم أسواق بغداد التراثية، إذ يعود تاريخها إلى العصر العباسي، وتحمل في طياتها، ذكريات وملامح عمرها مئات السنين، فإن سوق السراجين الواقعة على حافة جسر الشهداء من جهة الرصافة والملاصقة لسوق السراي، وسط العاصمة بغداد، مهددة بالسقوط والاندثار بسبب غياب أي عملية تأهيل أو صيانة لها منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما.

وتشهد معظم الأسواق والمحال والدور التراثية في العراق إهمالا واضحا في عمليات تأهيلها وصيانتها من معالم الزمن الذي غيب الكثير من ملامحها، إضافة إلى هجرة أصحابها وحرفييها بعد كساد حركة السياحة في البلاد، منذ بدايات الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980 وحتى الآن. ويعود تاريخ سوق السراجين إلى القرن الثالث عشر الميلادي - فترة حكم الخليفة العباسي أبو جعفر المستنصر بالله (1126 - 1242)، الذي أمر بإنشاء أسواق عدة متخصصة كأسواق الوراقين والبزازين والعطارين والخفافين وسوق الصفافير.

يختص سوق السراجين بصناعة سروج الخيول وكل مستلزماتها آنذاك، إضافة إلى صناعة الصناديق المكونة من جلود الغنم، الخاصة بالسفر، والحقائب والأحزمة والمحافظ الجلدية بأسلوب العمل اليدوي.

يقول عائد علي المياحي، (36 عاما)، وهو أحد السراجين الثلاثة الذين بقوا في المهنة، من أصل (50) حرفيا تركوها بعد كساد سوقها: «تعلمت المهنة من صديق لي، وتواصلت فيها في هذه السوق القديمة، وهي كما ترين مهددة بالسقوط بعد أن ظهرت بها تصدعات وشروخ واضحة، لا نعلم متى سنموت تحت أنقاضها، إذ لم تجر لها أي عملية صيانة منذ عام 1975».

وأضاف: «في موجة الأمطار الغزيرة التي واجهت البلاد في الشتاء الماضي، غرقت السوق بالكامل ومعها فسدت بضاعتنا، ولم تنفع كل مناشداتنا لأجل تدخل أحدي الجهات لانتشال السوق مما تعانيه من إهمال، في حين أن كل دول العالم تهتم بتراثها وأسواقها القديمة باعتبارها أصل حركة العمران».

وعلل المياحي اندثار السوق وهجرة العاملين فيها بكساد صناعة السياحة في البلاد، وغزو البضائع المستوردة رخيصة الأسعار، في حين يمتاز العمل اليدوي بارتفاع أسعاره نظرا لارتفاع تكاليف إنتاجه ومواده الخام، وهو أمر معروف في كل دول العالم التي تتميز بصناعات يدوية تراثية.

وعن طريقة حصوله على الجلود المستخدمة في العمل، يقول: «أحصل عليها من مدابغ النهروان ويجلبها تاجر إلى منطقة الغدير ونشتريها منه، بالأمس كنا نحصل على الجلود من مدابغ منطقتي الكاظمية والشعلة، وهي جلود عراقية خالصة».

وتقول كتب التاريخ عن سوق السراجين، إن المنطقة كانت محطة استراحة للقوافل المتجهة إلى بغداد من جميع المحافظات.. وتنتشر فيها الخيول والإسطبلات وخيام الفلاحين وأصحاب البساتين، مما جعل بعض الإعرابيين يؤسسون لمهن عدة ترتبط بمرابط الخيل، كما يقول المؤرخ والباحث التاريخي الدكتور عماد عبد السلام. ويوضح أن والي بغداد حسين باشا السلمدار هو أول من أشار إلى تلك السوق باسمها الحالي.

حال السوق اليوم، ليست كما الأمس بعد أن انتشرت فيها النفايات ومخلفات الجلود وعافها عمال التنظيف، وصارت معظم المحال مخازن خطرة وآيلة لحصول الحوادث كبيرة بسبب عدم سلامة الخزن وعدم أهلية السوق وتصدعه من كل جانب.

ويشير الإعلامي والكاتب أمجد خليل، أحد المهتمين بالأسواق القديمة، إلى أن «السوق بحاجة إلى العمران لإنقاذها من السقوط، خاصة أن هناك حملة تعمير بالقرب منها في المتحف البغدادي الملاصق لسوق السراجين». وتساءل خليل عن «مليارات الموازنة الانفجارية التي أقرت هذا العام، التي يبدو أنها نسيت تخصيص جزء ولو يسيرا منها لأجل إعمار أهم الأسواق التراثية».

وأوضح: «تشتهر السوق بالنقش والزخرف على الجلود وبكتابة الآيات القرآنية بخط جميل. وهي تعد كالتحف النادرة، ومن المحزن أن تهمل هذه الأسواق التي كانت تعج محالها في السابق بالرواد من مختلف الجنسيات..».

إلا أن المتحدث الإعلامي لأمانة بغداد، حكيم عبد الزهرة، قال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «إن الأمانة سبق أن خصصت مبلغ 7 ملايين دولار أميركي لإعادة تأهيل المناطق التاريخية والأثرية في بغداد ومن ضمنها سوق السراجين، وإن عودة السوق إلى سابق عهدها مرهون باستقرار الوضع الأمني في العراق، باعتبار أن أغلب روادها هم من السياح الأجانب، وفي ظل انعدام حركة السياحة أجبر الكثير من أصحاب المهن على اللجوء إلى مهن أخرى».