مهرجان الخليج السينمائي ينطلق بطموحات ويكرس متغيرات

على أعتاب دورة جديدة

من الفيلم القطري «8 مليار»
TT

ست سنوات مرت على إطلاق مهرجان الخليج السينمائي أول مرّة سنة 2008 المقام سنويا تحت رعاية الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون، مع وعد مديره الفني مسعود أمرالله آل علي بأن يعمل جاهدا عليه ليحوّله إلى مناسبة للاحتفال بالسينما الخليجية وليس فقط مجرد مهرجان لعرض الأفلام. النتيجة واضحة في هذه الدورة ربما أكثر من الدورات السابقة: 169 فيلما يتم تقديمها خلال الفترة الواقعة من العاشر إلى السابع عشر من هذا الشهر. هذه الأفلام قدمت من 43 دولة. ووفرت دول الخليج 93 فيلما منها.

المكتب الإعلامي يشير في إحدى مراسلاته إلى أن عدد العروض العالمية لأول مرة هو 78 و15 عرضا أول دوليا و42 عرضا أول في منطقة الشرق الأوسط. وهو فوق ذلك كله يوفّر هذا العام سوقا لكتّاب سيناريو الأفلام الخليجية القصيرة بهدف «دعم كتّاب السينما ومساعدتهم على تطوير سيناريوهاتهم، وتأسيس علاقات تعاون مع المخرجين والمنتجين، وتبادل الأفكار والخبرات الفنية والتقنية المتعلّقة بالإنتاج السينمائي القصير ومحاولة إيجاد فرص الإنتاج».

ينقلنا هذا كله إلى خضم من المسائل المهمة التي تعتري السينما الخليجية وملامحها الشخصية وهويّاتها الثقافية والوطنية. وبينما يمكن لهذا الجانب من المسائل الانتظار ريثما تنطلق العروض اليومية للمهرجان في الحادي عشر من الشهر، إلا أن المؤرق بعض الشيء هو ذلك الطموح الكبير الذي يقوده المهرجان ويعبر من ورائه عن طموح صانعي الأفلام في تلك المنطقة. مدير المهرجان يؤكد أن المهرجان تسلم أكثر من 1700 طلب اشتراك تم محصها ومشاهدتها بكثير من العناية قبل اختيار الـ169 التي ستعرض خلال الأيام السبعة التي يتألف منها المهرجان. ويضيف: «إن مستوى الأفلام التي تسلمناها من الفئات كافة تستحق المشاركة والتقدير ونلمس عن قرب التوجه العام السائد والطلب المتزايد على الأفلام المنتجة في العالم العربي».

ولا ريب أن العوامل المطلقة لكل هذه الحوافز موجودة. هناك جيل جديد من الطامحين لخوض العمل السينمائي دون سواه من ألوان الإبداع الثقافي والفني. وهناك مبادرات أطلقها مهرجان دبي السينمائي (عبر تخصيص سوق سينمائية ناجحة) وكذلك عبر «صندوق إنجاز» الذي تم تأسيسه قبل سنوات بغاية دعم السينمائيين الخليجيين والعرب وحقق للآن نجاحات ملموسة.

والأكثر من ذلك، أنه في واقع السينما العربية هناك متغيّرات واضحة أبرزتها عوامل سبقت ما يسمّى بـ«الربيع العربي» ثم شملته. من هذه العوامل ارتفاع نسبة الأفلام المنتجة في دول الخليج العربي، وفي المغرب وبعض دول الشرق الأوسط (تحديدا لبنان والأردن وفلسطين) وتراجعها في مصر التي كانت أعمالها (من كل الاتجاهات والأنواع) هي الطاغية جماهيريا وكحضور على شاشات المهرجان. الثورات العربية ساعدت في إفراز وضع بدأ من قبل بل وفي تكريسه أيضا: الدول التي شهدت الثورات، بصرف النظر عن نتائجها، عكست عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي ما أطاح بأي تقدّم منشود على الصعد الثقافية المختلفة ومن بينها السينما. أما الدول الأخرى، دول الخليج عموما والمغرب في أقصى الشمال الأفريقي، فإنها دول مستقرّة ومع استقرارها شهدت «ربيعا» من نوع آخر هو الربيع المطلوب: نهضة فنية، تلفزيونية وإعلامية وسينمائية، مشهودة

* السوق والصناعة

* قيام المهرجانات السينمائية قبل «ثورات الربيع» كان بداية هذا التغيير، لكن نجاح هذه المهرجانات ومن بينها هذا المهرجان تحديدا، كرّس المنطقة كمستقبل لسينما عربية جديدة. على أن هذه النجاحات هي بدايات لمشكلات أيضا. إنها ليست نجاحات خالصة خالية من رواسب ومشكلات موزّعة بالتساوي بين دول الإنتاج الخليجي وهي الإمارات والمملكة العربية السعودية والكويت وقطر والبحرين واليمن.

هناك سينما خليجية بالمعنى الجامع، لكن ليس هناك سينما تتبع أي من هذه الدول. ما هو موجود هو أفلام سعودية وأخرى إماراتية وثالثة كويتية وهكذا، لكن الحديث عن سينما خليجية عليه أن يتبع ما ليس في مقدور مهرجان (أو عدة مهرجانات) القيام به: فرض توزيع الأفلام على صالات السينما وعلى شاشات التلفزيون.

المعنى هنا هو أن المنطقة ما زالت بلا صناعة سينمائية لأن الاقتصاديات ما زالت، على نصيب غالب، قائمة على المبادرات ووسائل الدعم وصناديقه ومهرجانات السينما التي توفّر ذلك وسواه، لكنه ليس قائما على تفاعل الشارع إلى درجة دفع شركات التوزيع وصالات السينما لعرض أفضل هذه الأفلام (أو أكثرها قابلية تجارية) على شاشات دول الخليج. بالتالي، هناك، من ناحية أولى، حلقة ناقصة في هذه العملية هي الحلقة الاقتصادية الناتجة عن العرض والطلب. ومن ناحية ثانية، هناك عدم وجود مؤسسات تجارية قويّة عاملة على غرار تلك التي كانت منتشرة في لبنان الستينات ومصر في تاريخها الطويل حتى حين قريب. ليس فقط أن الاستوديوهات قد تكون محدودة (وهي أسهل عمليات الإنشاء الحقيقي لأي سينما وهي لا تكاد تكون محدودة على الإطلاق فعليا) بل لا توجد تلك المؤسسات التي تنتج وتسعى لربط السوق الخليجية مباشرة عبر تصنيع أفلام تهم تلك الدول كافة، هذا لأنه لا نجاح يُذكر لفيلم إماراتي لا يجد طريقه التجاري إلى صالات البحرين أو الكويت والعكس صحيح، هذا إذا ما عرض الفيلم، أساسا، في موطنه الأصلي.

* أطر خارجية

* ثم هناك مسألة المواهب وهذه تستطيع الانتظار لحين البدء بمشاهدة الأفلام بعد ساعات حتى يكون الحديث عنها مقرونا بالدلائل، لكن كالعادة، وإلى جانب المسابقة الخليجية، المقسمة إلى تسجيلي وروائي وقصير للمحترفين وللهواة، هناك مسابقة دولية موازية. وهذه الدولية يشعر المرء أنها موجودة لكي تمثل للمخرجين المحليين التعرّف على أفكار وأطر عمل متجددة أو مختلفة، وهي تستحق اهتماما على أكثر من نحو خصوصا أنها أضحت غاية دولية تطلب الاشتراك وتتنافس على جوائز تصل قيمتها إلى 95 ألف درهم. فتشارك ألمانيا هذا العام بفيلم للمخرج إلمار إمانوف عنوانه «تحول صانع النعش» الذي حصد جائزة أوسكار الطلبة عام 2012 والذي تدور أحداثه حول يعقوب الذي يعيش مع ابنه موسى المصاب بإعاقة ذهنيّة في أذربيجان، وهو لا يصبر عليه كثيرا، إلى أن يصله من الطبيب خبر مرعب يؤدي إلى إحداث تغيير مفاجئ.

وفي إنتاج ثلاثي كرواتي - بلغاري - ألماني، يشارك كل من إيفان باغدانوف، وموريتز مايرهوفير وأسباروه بيتروف، وفيلجكو بوبوفيك، وروسيتسا راليفا، وديمتري ياغودين في إخراج فيلم «أب»، الذي كان سبق وأن فاز بعدد من الجوائز العالمية مثل جائزة الحمامة الذهبية من «مهرجان لايبزغ الدولي للأفلام الوثائقية وأفلام التحريك». ويشارك المخرج الفرنسي توماس ريو بفيلم «هسو جي خلف الشاشة»، الذي يتناول قصة هسو جي الطفلة الوحيدة البالغة السادسة من عمرها، التي تتحايل على الملل بمشاهدة فيلم تهريجيّ، لينتهي الأمر بخروج أبطال هذا الفيلم إلى العالم الحقيقي، وهم لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع هسو جي، ولكنهم أيضا لا يملكون بطاقات إقامة في فرنسا. ومن فنزويلا يشارك كل من مارتين ديوس وجوان شابا وعمر زمبرانو بفيلم «السجين» الذي شارك في «مهرجان كليرمون فيران» أكبر مهرجانات الفيلم القصير في العالم. وفي الفيلم تلعب مجموعة من فتية الكشافة لعبة استراتيجية في الجبال، وفجأة يقرّر اثنان من الفريق الأصفر أن يسجنا أحد أعضاء الفريق الأحمر. في فيلم «آنا» للمخرجة المولدوفية نتاليا ستوفيرت الذي شارك في مسابقة «كليرمون فيران»، تدور الأحداث حول آنا التي تعيش وحيدة في القرية، حين يحاول صبيان مخموران سرقة إحدى أغنامها، تمنعهما وتتصدى لهما، إلا أن أحدهما يعتدي عليها، وليمضي الفيلم بعد ذلك يتتبع العواقب التي تترتب على رد فعل الصبي وأسرته.

أيضا يأتي الفيلم اليوناني «مخرج ك1» لمخرجه جانيس رافيليدو لتتبع شارة على طريق تقود إلى ضواحي أثينا، ولها أن تمضي بالسائقين من الطريق السريع إلى التضاريس الوعرة، حيث يقطن المهاجرون على حواف المناطق الحضرية العصرية. إنه فيلم يرصد اليونان من خلال «مواطنيها» المؤقتين. في حين يقدم المخرج الإيطالي أندريا لانيتا فيلما بعنوان «الله أكبر» حيث يتعقب خطى المهندس الدنماركي فرانك أسماس، الذي يلتقي بسائق التاكسي سالم، وذلك أثناء توجّهه من إحدى القرى الهنديّة النائية إلى نيروبي. كلاهما مقبل من عوالم ثقافيّة مختلفة، ورحلتهما سوية ستقودهما إلى التشاجر.

عربيا نجد المخرج التونسي مهدي برصاوي يروي في «بوبي» قصة فارس لم يتجاوز الثامنة من عمره وذهابه لأول مرة بمفرده إلى المدرسة، ليعترض سبيله كلب متشرد، فتنشأ صداقة بينهما ويسميه بوبي، بعدئذ سيقرر فارس أخذ بوبي إلى بيته. ومن لبنان تقدم الممثلة والمغنية والمخرجة هبة طواجي فيلم «الحبلة» الذي يروي قصة المعلم يوسف الذي يعثر على حبل متدل بشكل غريب أمام دكانه في بيروت، كما لو أنه نازل من السماء، وهكذا يبدأ الناس بالتوافد إلى دكانه بعد أن كان يعاني الفقر جراء قلة زبائنه، وتصبح هذه الظاهرة مصدر اهتمام السلطات الروحية والبلدية، وصولا إلى وسائل الإعلام التي تستغلها في سياقات سياسية واجتماعية مختلفة، لكن المعلم يوسف الذي يجد نفسه حديث وسائل الإعلام يصبح مهملا من عائلته التي لم تعد تهتم إلا بالشهرة والمال، وتنقلب السعادة التي سببها الحبل إلى تعاسة.

وفي استعادة للحرب العراقية الإيرانية يقدم المخرج الإيراني بابك أميني من خلال فيلمه «ليست الأرض لأحد» قصة فتاة ألمانية ضلت طريقها أثناء محاولتها زيارة بغداد إبان الحرب الإيرانية العراقية، وذلك بغرض رؤية خطيبها الذي يخدم جنديا في صفوف الناتو، إلى أن عثرت عليها عائلة كردية تعيش على الحدود العراقية الإيرانية.

لكن واحدة من أبرز المشاركات العربية هي تلك التي توفرها «مؤسسة الدوحة للأفلام» عبر برنامجها «صُنع في قطر» التي تضم ستّة أفلام قطرية جديدة. مسعود أمرالله يقول حول ذلك: «يتيح هذا البرنامج التعرف على الحركة السينمائية في دولة قطر، ومقاربة التطورات التي طرأت على هذه الحركة في أفلام تلتقي على ما يمكن أن يؤسس لصناعة سينمائية في هذا البلد». وأضاف «إن تخصيص برنامج لهذه الأفلام يأتي من الأهمية التي يوليها مهرجان الخليج للحراك السينمائي الخليجي، بوصفه المنصة الرئيسة للتعرف على كل جديد سينمائي في خليجينا العربي».

ومن بين هذه الأفلام «8 مليار» لنديم مقدسي، و«غزل» لسارة درهم، و«كلمات الثورة» لأربع مخرجات هن شانون فرهود وميلاني فريدجانت ورنا خالد الخطيب وأشلين رمضان.