محمد العبار: تفكير الشباب العربي تغير.. والمسؤولية الأكبر تقع على الحكومات

في ندوة حوارية حول نتائج استطلاع «أصداء بيرسون مارستيلر» : الوظائف وامتلاك منزل خاص قبل الاستقرار السياسي

الجلسة الحوارية حول نتائج «استطلاع أصداء بيرسون مارستيلر الخامس لرأي الشباب العربي» برئاسة محمد العبار ومشاركة د.عادل الطريفي ود. طارق يوسف وحسن فتاح وإدارة نعمة أبو وردة
TT

أظهر استطلاع للرأي لشريحة واسعة من الشباب العربي أن الاعتزاز بالهوية الوطنية ازداد في أعقاب الربيع العربي، ليصل إلى نسبة 87 في المائة ممن استمزجت آراؤهم، معتبرين أنهم «أكثر فخرا بكونهم عربا»، بينما أظهر الاستطلاع، الذي حظي باهتمام واسع، أن مسألتي الحصول على أجر عادل وامتلاك منزل خاص تشكلان أولوية قصوى بالنسبة لهذه الشريحة، بينما تصدر ارتفاع تكاليف المعيشة مخاوف الشباب العربي، الذي اعتبر أن الإمارات العربية المتحدة لا تزال البلد النموذجي في نظره، بينما يفضلون فرنسا وألمانيا والصين من خارج المنطقة.

وبحسب معدي الاستطلاع، فإن هذه النسبة تبعث على التفاؤل حيال النظرة إلى مستقبل العالم العربي، حيث أعرب ثلاثة أرباع الشباب العربي، الذي يعد أكبر وأهم شريحة سكانية في العالم العربي، عن شعورهم بأن «أيامنا المقبلة أفضل»، وفق «استطلاع أصداء بيرسون مارستيلر الخامس لرأي الشباب العربي»، وقد أجمع على هذه النتيجة ثلاثة من أصل كل أربعة شباب عرب (74 في المائة) ضمن الدول الـ15 التي شملها الاستطلاع في أحدث نسخة صدرت منه امس.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «بيرسون - مارستيلر» سونيل جون إن هذه الأخيرة تقوم سنوياً بإجراء «استطلاع رأي الشباب العربي انطلاقاً من إدراكها العميق لأهمية توفير بيانات موثوقة في منطقة الشرق الأوسط التي غالباً ما تعاني من قلة الأبحاث في مجال الرأي العام». وأضاف أن هذا الاستثمار المهم في قيادة الفكر يجسد «مدى إيمان شركتنا بمبدأ التواصل الإعلامي المبني على البحث الميداني الموثق». وفي كل تلك الدول التي شملها الاستطلاع، عبرت غالبية واضحة من شباب المنطقة عن ثقتها بالمستقبل. وثمة نسبة مئوية متكافئة تقريبا بين الشباب العربي في دول الخليج والدول غير الخليجية (76 في المائة و72 في المائة على التوالي)، الذين يقولون إن «أيامنا المقبلة أفضل». وعلى نحو مماثل، يعتقد أكثر من نصف الشباب العربي (58 في المائة) في الدول التي شملها الاستطلاع أن بلدانهم «تسير على الطريق الصحيح» خلال الأشهر الـ12 الماضية، بينما أشار 55 في المائة من إجمالي المشاركين إلى أن اقتصادهم الوطني يسير في الاتجاه الصحيح.

وأشار الاستطلاع السنوي إلى ازدياد الاعتزاز بالهوية العربية الوطنية لدى شباب المنطقة، بالتزامن مع ازدياد تبنيهم للقيم والأفكار المعاصرة، لا سيما منذ بداية الربيع العربي. وأعرب نحو 9 من أصل كل 10 مشاركين من الشباب العرب (87 في المائة) عن موافقتهم على مقولة: «أشعر بمزيد من الفخر لكوني عربيا» بعد الربيع العربي. بينما يعتقد 59 في المائة أن التغييرات الحاصلة مؤخرا في بلدهم ستنعكس إيجابا عليهم وعلى أسرهم، ويشعر الثلثان (67 في المائة) بحدوث تحسن على الصعيد الشخصي، بينما يرى 45 في المائة من المشاركين أن حكومتهم قد غدت أكثر شفافية.

وللسنة الثانية على التوالي، بقيت مسألة «الحصول على أجر عادل» الأولوية الأبرز بالنسبة للشباب العرب، حيث اعتبرها 82 في المائة من المشاركين في الاستطلاع الأولوية القصوى، تلتها مسألة امتلاك منزل خاص، التي وصفها 66 في المائة من الشباب العربي بأنها «مهمة للغاية»، بينما يبدي 15 في المائة من إجمالي الشباب العربي قلقهم من عدم قدرتهم أبدا على شراء منزل خاص.

وأجمع الشباب العربي على أن «الصراعات الأهلية» و«غياب الاستقرار السياسي» يعتبران من أبرز العقبات التي تقف في طريق تقدم العالم العربي، ومن بين هذه العقبات أيضا مسائل «الافتقار إلى التضامن العربي» و«الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي» و«الافتقار إلى التوجه السياسي». وتتساوى المخاوف بشأن «الصراعات الأهلية» في أوساط الشباب العربي ضمن دول الخليج والدول العربية الأخرى، حيث يشير 44 في المائة من كلا المجموعتين إلى هذه المسألة بصفتها العقبة الأكبر التي تواجه العالم العربي.

وحافظت دولة الإمارات العربية المتحدة على مكانتها المتميزة كدولة نموذجية في نظر الشباب العربي؛ فعند سؤالهم عن البلد الذي يفضلون العيش فيه أكثر من غيره في العالم، وقع اختيار الشباب العربي (كما في عام 2012) على دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت الخيار الأول لدى 31 في المائة من جميع المشاركين في الاستطلاع، تلتها فرنسا في المرتبة الثانية بنسبة 18 في المائة، ثم الولايات المتحدة الأميركية وتركيا بنسبة 16 في المائة.

وعلق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب الرئيس الإماراتي رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي على نتائج الاستطلاع في تغريدة على حسابه في «تويتر»: «اطلعت على نتائج الاستطلاع، وأسعدني أن شبابنا في الإمارات أكثر من غيرهم يؤمنون بقدرة بلدهم على المنافسة العالمية»، مضيفا: «ثقتنا بالشباب عالية، وتوقعاتنا بهم كبيرة، وطاقة التفاؤل والإيجابية ستصنع غدا أفضل للجميع».

وتم كشف النقاب عن نتائج الاستطلاع ضمن جلسة حوارية رفيعة المستوى أدارتها الإعلامية نعمة أبو وردة ورأسها محمد العبار رئيس مجلس إدارة شركة «إعمار العقارية»، وشارك فيها الدكتور عادل الطريفي رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة»، و الدكتور طارق يوسف، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «صلتك» في قطر، وحسن فتاح رئيس تحرير صحيفة «ذا ناشونال».

واعتبر العبار أن «رئيس القطاع الخاص يتحمل مسؤولية الاستماع والتفاعل مع الشباب العربي، لكن المسؤولية الأكبر تقع على الحكومات، فنحن كقطاع خاص لدينا مسؤوليات، وليس لدينا الوقت أو الإمكانات للقيام بتلك المسؤوليات»، مضيفا: «الاستطلاع يشير إلى تغير في تفكير الشباب العربي، وهذا ظهر جليا في تساؤلاتهم عن الديمقراطية».

وأكد الدكتور عادل الطريفي أن لكل دولة من الدول العربية خصوصيتها، لافتا إلى أن «الديمقراطية أصبحت تحمل دلالات مختلفة عما كان من قبل، والسبب في ذلك يعود إلى أن الشباب العربي أصبح جزءا من التغيير الذي شهدته دول عربية، فهو يعتبر نفسه جزءا من هذا التغيير، وليس متفرجا كما من قبل»، مضيفا أن «التفاؤل الذي بدا واضحا في نتائج الاستطلاع لدى الشباب هو بالدرجة الأولى مسؤولية وتحدٍّ وشيء يدعونا للانفتاح في جميع المجالات مستقبليا، ولا بد للشباب العربي أن يضع في الاعتبار أن التغيير سيستغرق وقتا، ويحتاج لمزيد من الصبر والفكر والاجتهاد والالتزام».

في سياق متصل، اعتبر طارق يوسف أنه «في ضوء هذه التحولات الديمقراطية والتقلبات والمنعطفات ما زال الشباب يرى في الديمقراطية خيارا مهما، وهو على استعداد لدفع ثمنها الباهظ، على الرغم من الأمور التي تعكس الوجه السلبي للتغير في المنطقة، وأنا متفائل بالتحول الديمقراطي مع الوقت، وليس في سنتين فقط هما عمر الربيع العربي».

من جهته، اعتبر حسن فتاح أن «نتائج الاستطلاع هي تحدّ لكل أصحاب القرار، وتطرح عدة أسئلة، أهمها: كيف نتعامل وكيف نستمع لشعوبنا وكيف نزدهر اقتصاديا واجتماعيا؟ فقد حان الوقت لأن نفكر في هذه الأمور وبشكل جدي».

وناقش أطراف الجلسة تأثير هذه النتائج على حكومات المنطقة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، بالإضافة إلى التغييرات التي ينصح باتخاذها على صعيد النظرة العامة والقرارات والسياسات اللازمة بهدف معالجة مخاوف الشباب العربي.

وأسندت «أصداء بيرسون مارستيلر» إلى شركة «بين شوين آند بيرلاند»، المتخصصة في مجال استطلاعات الرأي العام، مهمة تنفيذ النسخة الخامسة من استطلاع الرأي الأضخم من نوعه في العالم العربي نتيجة دراسته لشريحة سكانية يصل عددها إلى 200 مليون نسمة.