قلق في ألمانيا من تزايد الهجمات بالليزر على الطائرات

شركات التأمين فرضت على الطيارين التبليغ عنها عند حدوثها

انتقل خطر الهجمات بالليزر على سائقي الشاحنات إلى الطيارين خاصة أثناء الهبوط والاقلاع
TT

أجرت الحكومة الألمانية في العام الماضي تعديلا على الفقرات الخاصة بالعقوبات المفروضة على مستخدمي أشعة ليزر، أو مستخدمي كشافات الضوء، ضد طياري الطائرات الألمانية عند الإقلاع والهبوط. وعلى هذا الأساس، على من يستخدم قلم الليزر (مؤشر الليزر) ضد الطيارات، في محيط 500 متر حول المطارات، أن يحسب حسابا لعقوبة مالية ترتفع إلى 50 ألف يورو، مع عقوبة بالحبس المشدد قد ترتفع إلى 10 سنوات.

رغم ذلك ما انفك عدد الهجمات ضد الطيارين الألمان، وخصوصا عن الإقلاع والهبوط، يتزايد من سنة إلى أخرى. والأدهى من ذلك هو أن الطيارين الألمان صاروا يتعرضون إلى أشعة الليزر، التي تغشى أبصارهم لفترة زمنية قصيرة، خلال إقلاعهم وهبوطهم في مطارات الخارج. فإذا كانت سلطات الأمن الجوية قادرة على فرض الرقابة حول المطارات الألمانية، فإن ذلك لن يتسنى لها في الخارج، وخصوصا في البلدان المضطربة سياسيا.

وأقلام الليزر، أو مؤشرات الليزر، أجهزة صغيرة (لا يزيد حجمها عن حجم القلم) لإطلاق أشعة ليزر بشعاع مركز وصغير، وتستخدم عادة في التأشير على اللوحات في المحاضرات، وفي تشغيل بعض الأجهزة الكهربائية، وفي بعض الأسلحة، وفي بعض الاستخدامات المدنية البسيطة. لكن القوي منها قادر على إصابة الطيار بالعمى المؤقت من بعد عدة مئات من الأمتار، لمدة ثوان، تكفي للتسبب بكارثة. ويشيع بيع هذه المؤشرات في العالم، بدرجات قوة مختلفة (1 - 5 درجات)، ودون أن تدخل ضد المحرمات في قوانين الأسلحة.

وحسب الإحصائية الأخيرة لـ«مؤسسة النقل الجوي الألماني» فقد قفز عدد هذه الهجمات، على عيون الطيارين، وقرب المطارات الألمانية الكبيرة، من 196 هجمة عام 2010، إلى 197 عام 2011 ومن ثم إلى 261 عام 2012. وقفز عدد الهجمات بالليزر على الطيارات الألمانية العاملة في الخارج، في نفس الوقت، من 279 إلى 342، ومن ثم إلى 371 على التوالي، وخلال نفس السنوات الثلاث.

الإحصائية ناقصة وكانت حصص المطارات الألمانية الكبيرة خلال السنوات الثلاث كالآتي: برلين (27,12,11)، دسلدورف (17،17،19) فرانكفورت (41،38،38)، هامبورغ (11،9،14)، كولون (21،20،31)، وميونيخ (9،13،28). ولم تتسبب هذه الهجمات بأضرار مادية أو كوارث، عدا عن الأضرار التي تصيب عيون الطيارات، لكن خطرها لا يمكن تجاهله. ويمكن للسلطات الألمانية أن تتعامل مع بعض مستخدمي أقلام الليزر «العابثين» ضد الطيارات، لكن اهتمامها يخفي «خوفا» من استخدام أقلام الليزر القوية من قبل إرهابيين. ويبدو أن مطار كولون هو صاحب الحصة الأعظم من هذه الهجمات لأن مطار فرانكفورت (480 ألف رحلة في السنة) تعرض عام 2012 إلى 38 هجمة في حين تعرض مطار كولون (125 ألف رحلة) إلى 31 هجمة.

ويعرف رجال التحقيق أن هذه الإحصائية لا تشمل كل المطارات الألمانية، كما يعرفون أن الطيارين لا يهتمون كثيرا بتسجيل كل الهجمات. وهذا يعني أن عدد الهجمات أكبر بكثير من إحصائية مؤسسة النقل الجوي الألماني. يؤكد هذا أن إحصائية «شركة التأمين الجوي» (دي إف سي) أكبر من إحصائية مؤسسة النقل، وتتحدث عن 720 هجمة بالليزر عام 2012. وللمقارنة مع إحصائية نفس الشركة فقد كان عدد هذه الهجمات لا يتجاوز 636 عام 2011 و423 عام 2010.

ويعود الفرق في الإحصائيتين إلى أن شركات التأمين فرضت على الطيارين التبليغ عن الهجمات بالليزر عند حصولها. لكن كريستينا كيليك، من شركة التأمين الجوي، ذكرت أن الطيارين، في أغلب الحالات، لا يبلغون عن الهجمات بالليزر إلا بعد الهبوط بأمان. ولو أنهم يبلغون عن ذلك عبر الهاتف في الحال، لمنحوا الفرصة لسلطات المطار لإلقاء القبض على الفاعل. هذا لأن الفاعل يجب أن يكون قريبا من المطار كي يستخدم قلم ليزر مداه 200 - 500 متر ضد الطيار. وهذا شيء يجب أن يتغير، حسب رأي كيليك، كي يتمكن رجال الأمن من اصطياد العابثين.

وكان قلق السلطات الألمانية من احتمال تسبب أفلام الليزر بكارثة جوية، قد تحول إلى خوف حقيقي منذ أن استخدم مجهول أشعة الليزر ضد طائرة المستشارة أنجيلا ميركل في العام الماضي. جرى الحادث في مطار كولون بينما كانت «سلاح الجو الألماني1» يقلع باتجاه العاصمة الفرنسية باريس. وبعدها تقدم الحزب الديمقراطي المسيحي بمقترحات للحد من انتشار أقلام الليزر، بينها حظر إنتاج القوي منها، ومنع استيراد القوي منها، والتعامل مع أقلام الليزر القوية معاملة السلاح. لكن هذه المقترحات لم يجر التصويت عليها حتى الآن. والمشكلة هي أن أقلام الليزر البسيطة معروضة للبيع على الإنترنت بسعر 10 - 50 يورو، وأن أقلام الليزر الخطيرة (الحمراء) معروضة أيضا وبأسعار تتراوح بين 40 – 100 يورو، بمعنى أنها يمكن أن تكون في متناول الجميع.

عمى مؤقت أمده 10 ثوان كلفت الحكومة الألمانية معهد العلوم التطبيقية في كولون بتقديم دراسة عن استخدام أشعة ليزر ضد الطيارين، وبتقديم المقترحات الكفيلة بتجنب خطرها. وأجرى البروفيسور هانز ديتر رايدنباخ، بالتعاون مع نقابة الطيارين «كوكبيت»، الكثير من التجارب المختبرية على الطيارين باستخدام أشعة شبيهة بأشعة ليزر. وتثبت النتائج أن أقلام الليزر القوية، من بعد 200 - 500 متر، يمكن أن تصيب الطيار بعمى مؤقت قد يمتد إلى 10 ثوان. ويبدأ ضرر الليزر على العين من مسافة 11 كلم ومن مؤشر ليزر ضعيف لا تزيد قوته على 50 ميلليواط. وهذا يعني، في هذه الحالة أيضا، أن الأشعة ستربك الطيار وتبعثر انتباهه لثوان أيضا. المهم أيضا أن هذه الأشعة «الضعيفة» ليست بريئة تماما، كما هو معتقد، لأن الأبحاث المختبرية تشي بأن ضرر أشعة الليزر القوية المباشر على العين يمكن أن يظهر بعد سنوات على الطيار.

إن مؤشرات الليزر، المستخدمة في المحاضرات وتشغيل بعض الأجهزة الخاصة، هي من أطوال خضراء وتعمل عن بعد 20 مترا، لكن المؤشرات القوية (الحمراء) يمكن أن تؤثر في عيني الطيار، أثناء الهبوط أو الإقلاع. ويجري إنتاج هذه الأقلام القوية في شرق آسيا، وفي الصين على وجه الخصوص، ثم يجري تصديرها بأسعار رخيصة إلى الغرب. وينتج هذه الأيام في ألمانيا أكثر من 60 ألف مؤشر ليزر صغير، تستخدم في المحاضرات، لكن العدد يزداد باطراد.

وسبق للبروفيسور هانز ديتر رايدنباخ، الذي يعمل مع معهد كارلسروه التقني، أن أكد أمام المؤتمر السنوي للمعهد إمكانية البدء بإنتاج شريحة مضادة لأشعة ليزر في 2013. وقال رايدنباخ إن الشريحة شفافة، ويمكن لصقها على زجاج الطيارة أو السيارة، من الداخل كي لا تتأثر بعوامل الجو، أو بفعل ارتطام طائر بها. ويمكن للشريحة، عند لصقها على زجاج مقدمة الطائرة، أن تقي الطيار من أشعة الليزر المقبلة من كافة الاتجاهات، في حين أن لصقها على النظارات لن يوفر حماية 100%، ولهذا فإن استخدامها في النظارات قد يقتصر على الطائرات الصغيرة والسيارات.

يبقى أن نشير إلى أن مؤشرات الليزر القوية تسللت أيضا إلى ملاعب كرة القدم الأوروبية مع جمهور المشجعين المشاغبين. ويعتقد بعض هؤلاء المشجعين أن أشعة الليزر ستصيب حارس مرمى الخصم بعمى مؤقت يتيح للفريق الآخر تسجيل هدف عليه بسهولة. وظهرت أشعة الليزر الحمراء بوضوح على وجه ينز ليمان حرس مرمى فريق تشيلسي اللندني السابق، كما استخدمت الأشعة الخضراء ضد اللاعب لوكاس بودولكسي في الدوري الألماني.

ولا يقل استخدام أشعة الليزر في الجو خطرا عنه على الأرض، لأن السلطات بدأت تسجل أيضا هجمات بالليزر على سائقي الشاحنات الضخمة. ولأن بعض هذه الشاحنات محمل بمواد قابلة للالتهاب، أو بمواد كيماوية خطيرة، فإن انقلابها، أو انفجارها، قد يتسبب بكارثة أيضا.