«وجدة» يعود ليفتتح ممهدا لـ13 فيلما سعوديا جديدا

على أعتاب دورة جديدة

TT

* يوميات مهرجان الخليج السينمائي - 2

* فيلم الافتتاح للدورة السادسة لمهرجان الخليج السينمائي (11 - 17 الحالي) هو الفيلم الذي لاقى أكثر حصـة من التوزيع والشهرة عام 2012 من بين ما أنتجته دول الخليج كافـة. إنه فيلم «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، الذي انطلق من دورة مهرجان فينيسيا الأخيرة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وجال الكثير من المهرجانات، وحظي بالكثير من المقالات الصحافية والاهتمام الإعلامي الغربي.

ومع أن مهرجان دبي السينمائي كان عرضه في مسابقة الأفلام العربية الطويلة ونالت طفلته وعد محمد جائزة أفضل ممثلة، فإن إدارة مهرجان الخليج (وهي ذاتها التي تدير مهرجان دبي) ارتأت تقديمه كفيلم افتتاح هذه الدورة.

هذا الاختيار مفهوم؛ كونه مرتبطا بما أنجزه ذلك الفيلم من صدى طيب في معظمه. وذلك الصدى يـفهم بدوره على أساس أنه الفيلم الروائي السعودي الطويل الأول الذي تخرجه امرأة، من ناحية أولى، ولكونه يطرح مسألة حرية المرأة السعودية ولو من خلال أحداث محورها طفلة في الثانية عشرة من العمر أو نحوها، تسعى لامتلاك دراجة هوائية من ناحية ثانية.

عاملان مهمـان رغم أنهما غطـيا، في الكثير من التداول، على حقيقة أن الفيلم في محصلته الفنية متواضع.

* مبررات

* بطلة فيلم «وجدة» (وعد محمد) تشبه المخرجة السعودية التي تقدمها، هيفاء المنصور، في ناحية واحدة على الأقل: إذ تشاهد الفيلم يساورك الشعور بأن المخرجة إنما تتحدث عن نفسها من خلال بطلتها وأحلامها. الدراجة التي تطمح وجدة لركوبها هي الكاميرا التي كانت هيفاء المنصور تطمح للعمل عليها وتحقيق حلمها بالعمل السينمائي. كلاهما أنثى يعيشان في مجتمع محافظ. كلاهما يجدان تشجيعا محدودا وصدى كبيرا. كلاهما يحقق ما يريد في النهاية.

«وجدة» هو الفيلم الروائي الأول للمخرجة الطموحة التي كانت حققت عددا من الأفلام القصيرة، بعضها أفضل من بعض، لكن ليس من بينها ما هو رديء.

وأول ما يلحظه المرء هنا هو أن ملكية المخرجة للكتابة وصفية، ومن مصدر واحد يطغى بمواقفه على الجميع. لا مناطق رمادية تثري الشخصيات. تبدأ المخرجة فيلمها بلقطات على أقدام الفتيات المتوجـهات إلى المدرسة. ثم تفتح على نحو عريض لتشمل الصف الذي تدرس فيه وجدة. ثم تتابعها إلى البيت وتعرفنا بوالدتها الطيبة وبأبيها المحب. بعد التمهيد يدخل الفيلم في توليفة من المشاهد المتكررة التي تعيد شرح وضع الفتاة في المدرسة، وموقف المديرة المتجمدة صوبها نتيجة ما تراه خروجا منها عن التقليد الذي يجب أن يـتبع.

وجدة لديها ابن عم اسمه عبد الله ربما يصغرها بسنة أو اثنتين، ويصاحبها أحيانا ما بين المدرسة والبيت: المسافة التي تشعر وجدة بأنها حرة لدرجة أنها قد تغير طريقها إلى البيت أو تركض في الشارع مع ابن عمـها من دون خشية من عواقب أو محظورات.

في أحد الأيام تشاهد الدراجة في محل، فتقرر أن تشتريها. لا تملك بالطبع ثمنها، ووالدتها لن تعطيها هذا الثمن؛ لأنها تعارض أن تقوم ابنتها بركوب الدراجة؛ لأن ذلك عيب اجتماعي.

هذا الفصل من الأحداث هو ما يمر باهتا، وهذا القول لا علاقة له بأهمية المضمون وطرحه، بل بالكيفية التي تصوغ بها المخرجة حاجاتها من المشاهد، فإذا بها عامـة، لا خصائص فنية لها، لا تصوير ولا توليف ولا أجواء. إنه كما لو أنها تعتقد أنها تتوجـه لجمهور إذا ما لعبت على مثل تلك العناصر خسرته. والتطور الذي يفاجئنا ليس في أن الفتاة الصغيرة تبدأ بجمع المال بطرق خاصـة، مثل بيع بعض مقتنياتها، أو تلقي مبلغ من المال لإيصال رسالة، ثم تلقي مبلغ مماثل ممن تسلم الرسالة، بل بالتبرير الذي توفـره المخرجة لبطلتها لتبرير حيلها وأكاذيبها.

روائيا، ليس لدى هيفاء المنصور طريقة أخرى لتظهر اضطرار بطلتها لمثل تلك التصرفات كرد فعل للمنع الذي تواجهه حيال قيامها بشراء دراجة، لكن أن تفعل ذلك بتلك الخفـة وبقدر من الخبث وافتعال الحذق يحول عنها صفة الضحية. تلك الابتسامة الماكرة وهزة الرأس الهازئة هما أكثر قليلا مما تحتاجه المخرجة لتبرير أفعال بطلتها.

* الفيلم القصير

* «وجدة» لن يكون الفيلم السعودي الوحيد المشترك في دورة هذا المهرجان، بل هناك 13 فيلما آخر، من بينها «الزواج الكبير»، وهو فيلم تسجيلي عن تقاليد إقامة أفراح العرس في جزر القمر، حققه فيصل القتيبي الذي كان أخرج وأنتج فيلما سعوديا جيدا من قبل (وتسجيليا أيضا) هو «الحصن». وعن المرأة أيضا قامت الممثلة عهد بتحقيق فيلم يكاد يكون متوسـط الطول (37 دقيقة) عن امرأة سعودية وحيدة تحاول تقييم موقعها في الحياة، والبحث عن أفضل سبيل لتأمين حياة أفضل لمولودها الذي لم تضعه بعد.

والمشاكل تحيط ببطل فيلم «صدى» المشارك في مسابقة الأفلام الطويلة؛ إذ يتحدث عن صبي ولد لأبوين يعانيان مشكلة مزدوجة، فهما لا يتكلمان ولا يسمعان، لكنه شخص معافى باستثناء أنه اعتاد على مواجهة إحباطات نفسية ناتجة عن نظرة المجتمع إليه. هذا الفيلم من إخراج سمير عارف، وهو الطويل الأول له بعد أعمال قصيرة قام بتحقيقها كتابة وتصويرا ومونتاجا وإخراجا وإنتاجا.

باقي الأفلام قصيرة، وهو أمر منتشر بين كل دول الخليج؛ ذلك لأن الفيلم القصير يبدو، بالنسبة للبعض، خطوة للفيلم الطويل اللاحق، رغم أن هذا يجب أن لا يكون شرطا. الفيلم القصير عليه أن يؤدى بنحو ومنهج منفصل، وأن لا يرتبط بمشوار المخرج اللاحق. ومن زاوية أخرى، فإن الفيلم القصير هو روح شفـافة لثقافة المخرج وهويته، والإقدام عليه يختلف في معظم جوانبه عن معالجة الفيلم الطويل، ما يعني أن الانتقال قد لا يكون عملية سهلة أو سليمة أو تلقائية.

وهناك ملاحظة كانت ظهرت في الدورات الماضية، ويزداد حضورها في هذه الدورة، وهي أن الكثير من الأفلام المعروضة في قسمي الروائي والتسجيلي الخليجي سبق له، كما الحال مع فيلم «وجدة» نفسه، في مهرجان دبي قبل أربعة أشهر. والسؤال هو إذا ما كان هناك عدد ضخم من الأفلام تمت مشاهدته لاختيار أفلام هذه الدورة، هل كان من الممكن إذن البحث عن أعمال لم يسبق تقديمها على شاشة مهرجان دبي؟