مجسم «الكليجا» و«العقيلات» في جناح القصيم يجذب الجاليات الأجنبية والأطفال بـ«الجنادرية»

بهدف إحياء الموروث الشعبي

العقيلات فئة من التجار الذين امتهنوا الترحال في أوساط الجزيرة العربية لدول الجوار («الشرق الأوسط»)
TT

تساؤلات عدة، وعلامات تعجب تعلو وجوه السياح الأجانب، عن سر هذا المجسم الذي يتوسط جناح القصيم، في «مهرجان الجنادرية 28». فبمجرد الدخول إلى المكان المخصص للمنطقة، يستقبلك بناء غريب يعرض لأول مرة في هذا الكرنفال السنوي الشعبي، إنه مجسم أكلة الكليجا، التي اشتهرت أكثر خارجيا بعد تفضيل الكثير من الأجانب التصوير بجانبه، باعتباره الوجبة الأكثر شهرة والأعلى شعبيا بين أبناء المنطقة الوسطى، التي أصبحت مرتبطة بهم ارتباطا كبيرا، نظرا لرواجها بشكل كبير في موائدهم.

وصمم المسؤولون في قسم القصيم بالمهرجان هذا المجسم باعتباره رمزا يشتهرون به، ويلاحظ توزيع هذه الوجبة بمجرد الدخول إلى جناحهم، وتعد من أكثر الأكلات التي يتم بيعها، إذ يتنافس الكثير من الباعة في التفنن في صنعها من أجل بيعها وإهدائها، لنشر هذه الوجبة التي أطلقوا لها الكثير من المهرجانات والاحتفالات الخاصة بها.

قال عبد الله التويجري، إنه قدم إلى الجنادرية لتقديم وجبة الكليجا إلى الزوار، باعتبارها موروثا شعبيا وأثرا يشتهرون به، مبينا أنه يبيع ما يزيد على 300 قرص كليجا بشكل يومي منذ افتتاح المهرجان، مقدرا قيمة الواحد بريالين كقيمة متوسطة، يختلف باختلاف حجمه وجودة مكوناته، وأوضح أن الجيل الجديد بدأ إضافة حشوات جديدة بإحداث نقلة في طعمها، إلا أن الطريقة الأصلية بالخلطة المعروفة ظلت هي الأشهر والأكثر طلبا.

وحول المواد التي تصنع منها الكليجا، كشف التويجري عن أنها تحتوي على الدقيق الأسمر المنخول، والبيض والسكر وبودرة الحليب، والشاي والزعفران والهيل المطحون والزيت، قد تزيد بعض الإضافات أو تنقص بحسب طبيعة الطاهي، إلا أن هذه المقادير هي الأشمل في إعداد الوجبة، وأبان أن الحشوة الداخلية تحتوي على الليمون والسكر المطحون والهيل والقرفة والزنجبيل والعسل الأسود.

من جهته، أكد سليمان الحربي أن الهدف من إقامة المهرجان هو إحياء التراث، لذلك يحرص على وضع الكليجا كهدية للزوار الذين تعجبهم طريقة تحضيرها، مما رفع الطلب وبات ينتج أعدادا أكبر لبيعها، لافتا إلى أنه ورث هذه الصنعة عن أجداده، إلا أنه يعدها في المناسبات والمهرجانات، لكنه لا يعتمد عليها في تحقيق الأرباح والإيرادات. وزاد أن معظم من يأتي إلى «الجنادرية» يبدأ سؤاله عن سبب ارتباط المنطقة بهذه الوجبة، وعن سر إعدادها الذي يرفض معظم معديها الإفصاح عن مكوناتها بالتحديد، لتبقى طريقة التحضير سرا يميز العائلات الشهيرة في إعداد الأكلة بالقصيم، التي يقدم إليها الكثير من الوافدين من خارج المنطقة لشرائها، بل وحتى بيعها والتربح منها وإعادة بيعها.

وأضاف: «تعتبر الكليجا موروثا شعبيا قبل أن تكون وجبة متناولة بكثرة في القصيم، فهذه الأكلة اشتهرت بها المنطقة منذ مئات السنين، بل هي جزء من ثقافتنا وستظل مرتبطة بنا، ونشتهر بها على جميع مناطق المملكة. لذلك، تجد أن وجودها في جناح القصيم أمر ضروري يحرص العارضون على وجوده، والترويج له وذلك للعلاقة الحميمة بين المواطن القصيمي ووجبة الكليجا».

ومن ناحية أخرى، منحت عقيلات القصيم لزوار «الجنادرية»، فرصة التجوال على ظهر الإبل، التي كانت تسمى «الذلول»، حيث تجهز بكافة أدوات السفر والترحال في تلك الأيام من الشداد وملحقاته وبعض القطع التي تجمل جانبي الجمل.

وجذبت الإبل وطرق ركوبها أطفال وزوار «الجنادرية»، وبات مناخ الإبل في مقر منطقة القصيم مقصدا للزوار، ومحطة للوقوف والمشاهدة، ومناسبة لتجربة ركوب الإبل من قبل الكثير من الأسر الزائرة.

ففي إحدى جنبات مقر القصيم، تم تجهيز «مناخ الإبل» الذي يقوم على تفعيله وتجهيز مناشطه عدد من ملاك ومربي الإبل بالقصيم، ليستعرضوا أمام الزوار طرائق الركوب للإبل، والاستخدامات المتعددة التي كانت تقوم بها في القديم، وكيف كانت هي الوسيلة الرئيسة للسفر والترحال، وإحدى أهم الملازمات للمزارع والتاجر، وكيف أصبحت الإبل مصدرا رئيسا لتسيير الكثير من الأعمال والحاجات، إلى أن باتت مظهرا من مظاهر الزينة والترف في الوقت الحاضر.

مشاهد الركوب وتجسيد مظاهر استخدام الإبل وكيفية تربيتها وإطعامها وإعجاز خلقها وعظمته، أغرت الأطفال ليتسمروا حولها، يرقبونها بنظرات تفصح عن تخوف وتعجب ممزوج بدافعية المغامرة البريئة نحو خوض غمار التجربة واستكشاف ما يحمله الجلوس على الشداد الذي فوق ظهرها، حينها لم يجد الآباء والأمهات بدا من أن يقوموا بدور المخرج الذي قام بتنسيق وإعداد كافة متطلبات تلك التجربة.

الأطفال في البداية كانت دافعيتهم من باب إشباع رغبة التجريب واللهو واللعب، إلا أن معظمهم وما إن يركب على ظهر البعير حتى تأتي الحقيقة محملة بالبكاء والعويل ليعلنوا أنهم يستسلمون أمام المجهول ولا يرغبون في استكشافه ولا التعرف عليه، لتتعالى من خلفهم أصوات التشجيع والترغيب من قبل الأمهات، وأصوات الضحك من جهة المتابعين، وما إن يبدأ الجمل بخطواته الأولى تنقلب الصورة شيئا فشيئا، حتى ترتسم تقاسيم الفرح والسرور على أوجه الأطفال، وتظهر «عنترياتهم» الطفولية بالضحك وتحية أهاليهم من فوق ظهور الجمال، حينها تبدأ ثواني الكاميرات المحمولة بأيدي الأم والأب بالعد، لترصد وتسجل هذه التجربة العجيبة والغريبة على عالم الطفولة.

رئيس لجنة البرامج والفعاليات بجناح القصيم عبد الرحمن السعيد، أكد أن فعالية «مناخ الإبل» في مقر المنطقة، والمعدة لتجسيد واقع الإبل ومعيشتها، صارت مطلبا للكثير من الأسر التي ترغب في تجريب الركوب والسير بالإبل، وهو أمر استدعى أن يصاحب ذلك الأمر شرح مبسط من قبل القائمين على الفعالية لتعريف الزوار بالإبل ومظاهر استخدامها، وكيف كانت قيمتها ومكانتها للآباء والأجداد في الزمن الماضي.