مهرجان «ألوان 338» الفني في البحرين.. حوارات بين المدن والثقافات والبشر

يضم 20 قطعة لـ8 فنانين عالميين و22 فنانا مقيما

أعمال للفنانين سيلفي منير وأسماء مراد
TT

أتى افتتاح معرض «ألوان 338»، ثاني مهرجان سنوي بمساحة الرواق للفنون في المنامة، بسيل من البشر إلى الحي في ليلة سادها طقس معتدل نهاية مارس (آذار). كان مبنى 338 بشارع العدلية، وهي منطقة تشتهر بالمطاعم والمقاهي في المنامة عاصمة البحرين، يعج بالرجال والنساء من جميع الأعمار الذين يستمتعون بالمساحة المفتوحة ويسيرون حول الشوارع الصغيرة التي تشكل الحي، ناظرين إلى الصور المصطفة على الجدران. وفي دولة تعتبر فيها إتاحة الفنون لعامة الجمهور أمرا نادر الحدوث، ويبدو فيها الاختلاف بين العام والخاص شديد الوضوح، بدأ فريق عمل صالة عرض الرواق نشاطا سوف يوظف المنطقة المشاع المحيطة به بدرجة أكبر. ومن خلال التركيز على التصوير الفوتوغرافي، يعرض مهرجان «ألوان» للفنون، قصصا محلية أو شخصية، أو على النحو الذي تهدف فكرة المهرجان لإبرازه، داخل أرضية مشتركة عامة. تشرح بيان البراك كانو، مديرة صالة عرض الرواق للفنون قائلة: «لم تكن فكرتي أن أنظم معرض فنون عاما، بل استلهمتها من هذه المنطقة المحيطة. الحي مشجع جدا على تنفيذ الفكرة». منذ أن أضحت المنطقة صديقة للمشاة، نظمت كانو بعض الأحداث في الشوارع المحيطة، من بينها «سوق 338»، إضافة إلى أحداث تنظم مرة واحدة، مثل معرض «منامتنا» في عام 2011، وهو معرض مقام في الشارع كان هدفه ربط القصص القديمة بالحديثة والعناصر المرئية في البحرين. وتضيف: «بتجربة المساحة قليلا، بدأ الأمر يصبح أكثر جاذبية».

ومع ذلك، يبدو المهرجان مغايرا نوعا ما. يتطلع المهرجان، المقام تحت رعاية الثنائي الإسباني «ماساسام»، المؤلف من ساندرا موناك المقيمة في مدريد ومونيكا سانتوس المقيمة بباريس، إلى فكرة «الأرضية المشتركة». يضم المهرجان 20 قطعة لـ8 فنانين عالميين و22 فنانا مقيما بالبحرين. تتحدث موناك قائلة: «حتى في مدريد حيث أقيم، ليست المهرجانات الفنية المفتوحة للجمهور شائعة. إنه أمر عظيم، فهو يسمح بتشكيل جديد للمساحة، بحيث تظل كما هي، فيما تقدم أعمالا فنية جديدة للجمهور، وليس فقط لرواد صالات العرض».

وعلى الرغم من بساطة فكرة الأرضية المشتركة، فإنها متعددة الجوانب وتفتح المجال أمام كثير من التساؤلات بشأن الأمور المسلم بها يوميا، أو التي توحد البشر، بغض النظر عن الفروق بينهم. تتسم الأعمال التي ضمنتها موناك وسانتوس بالبساطة والتواضع، غير أنها متعددة الطبقات وشاملة. تتداخل الحوارات بين المدن والثقافات والبشر بصورة تخاطب فكرة القواسم المشتركة، إضافة إلى الإتاحة للجمهور والديمقراطية وحرية الدخول.

من بين المقالات الـ5 المصورة المعروضة القواسم المشتركة بين المدن بمختلف أنحاء العالم، مقالة لمات جاكوب يركز فيها على الفصول الدراسية. توضح سانتوس: «يبدو الأمر عاديا، ولكن التعليم شيء يتسم بالشمولية. بالنظر إلى هياكل الغرف المبينة في الصور، بإمكان المرء أن يدرك مدى تأثير الظروف الاقتصادية الوطنية وعوامل أخرى على المساحات التعليمية في أماكن مختلفة. إنه يوضح لنا مدى كون التعليم موضوعا خطيرا في العموم».

تشرح كانو نقطة غاية في الأهمية، وهي كيفية التعامل مع الفنون في البحرين: «هذا الحدث ليس للنخبة. الناس يفدون من مختلف الأنحاء». وكاهتمام قاصر في الأغلب على الأجزاء الداخلية من المساحات التي تركز على النواحي الثقافية، فإن هؤلاء الذين يتمتعون بامتياز الدخول إليها يكونون ممن هم على دراية بالأفكار والتساؤلات التي تقدم من قبلهم.

وقد ابتكرت إحدى الوسائل لربط الناس من مختلف أنحاء البحرين من قبل المصور السوري أسامة السيد، الذي شارك من خلاله مشروعه «استوديو الصور المتنقل». وذهب إلى سوق جد حفص، سوق الأسماك في المنامة وسوق المحرق، والتقط صورا لأناس تمت دعوتهم في ذلك الوقت لجمع صورهم هنا في المهرجان، تستكمل كانو. وكإشارة على النجاح في كسب اهتمام عامة الناس، تشرح موناك: «أتى الناس فعليا لتسلم صورهم وكانوا مهتمين، لم نتوقع فعليا ذلك المستوى من الاهتمام. منحنا الناس شيئا مميزا، وكانوا سعداء بتلقيه». أبرزت صور أسامة السيد الرجال في الأسواق يقفون بنبل مع طيورهم داخل أو أمام متاجرهم أو يحتسون الشاي. وأنتجت حداثة الكاميرا الخشبية خاصته المنتمية للحقبة الفيكتورية وتوجهه، الذي يحاكي أسلوب التصوير في الشارع في القرن التاسع عشر، عنصرا ديناميكيا أنتج لوحات قديمة مميزة.

وتمثل مشروع آخر معروض اخترق إلى حد ما هذا العالم الخاص في التوافق البصري بين المصور الفرنسي سيلفي ميونيير والمصورة البحرينية أسماء مراد. وفي الوقت الذي لم يقم فيه أي منهما بزيارة بلد الآخر، فإنهما بدآ محادثة عبر البريد الإلكتروني اكتشفا فيها أوجه الاختلاف والتشابه بينهما، بمشاركة صور فوتوغرافية معروفة أو مجهولة الهوية.

جمع مشروع «لاب بحرين»، الذي أشير إليه في مواضع أخرى باسم «التمثال الفوتوغرافي» 8 مصورين مقيمين في البحرين لمحاولة تبديد القوالب النمطية السائدة عن البحرين. ضمنت المصورة الفوتوغرافية العراقية تمارا البجاجي لوحاتها لأناس نراهم في حياتنا اليومية، من عمال مهاجرين إلى أصحاب متاجر بالأسواق، يقفون أمام خلفيات متباينة تتنوع ما بين الألوان الثابتة إلى السجاجيد الشرقية. وأبرز الفنان الأرجنتيني سيرغيو ميراندا صورا لـ«سرر أشخاص»، وركبها على خرائط تتنوع ما بين باتاغونيا مسقط رأسه وموطنه الحالي، الخليج العربي، ويفسر ذلك قائلا: «السرة هي الموضع الذي تبدأ منه حياة كل البشر».

ومع جهود على هذه الشاكلة، تحتل البحرين موقعا متميزا عن بقية دول الخليج العربي من خلال جهودها الفنية التي باتت أكثر تناسقا. وتحظى أحداث مثل هذه بقدر هائل من التقدير من عامة الناس، نظرا لتفاعلها وشموليتها. وبوصفه في دورته الثانية فقط، يأمل مهرجان «ألوان 338» في التوسع بصورة أكبر. يقول ميراندا: «سيروق لي أن أذهب إلى مزيد من المناطق. لا يهم أين؛ القرى أو أي مكان يتحدث فيه الناس إلينا». يستمر مهرجان «ألوان 338» للفنون حتى 26 أبريل (نيسان) في مجمع 338 بشارع العدلية بالمنامة في البحرين.