عناوين بالعامية وأخرى مبهمة مع نتائج هزيلة لأفلام متسابقة

يوميات مهرجان الخليج السينمائي - 4

لقطة من «حب ملكي»
TT

أفلام اليوم الأول من العروض الكاملة في المهرجان كانت - في معظمها - مخيبة للآمال. ربما كان الأمر يحتاج لبرمجة تأخذ بالاعتبار اختيارات أفضل كبداية قبل ورود ما اختير لذلك اليوم.. أو - كما في حالات معينة - ربما كان من الأفضل عدم ورودها أصلا. طبعا، لا معلومات عن الأسباب الداعية لوجود أفلام ركيكة (قد تكون أعجبت من اختارها) لذا فإن مبرر توفيرها ليس محورا، بل نتيجة.

«حب ملكي»، المعروض في المسابقة الرسمية للأفلام الخليجية الطويلة، هو واحد من الأفلام التي كان لا بد من تقديمها كونه إنتاجا إماراتيا معبرا عن سينما خليجية طموحة. هو واحد من نحو عشرة أفلام روائية طويلة تم إنتاجها خلال الفترة الفاصلة بين الدورة الخامسة من مهرجان الخليج والدورة السادسة (الحالية) وهو أحد فيلمين من الإمارات من هذا النوع تم تحقيقهما.

مثل أفلام إماراتية سابقة، هو عمل محمل بالطموحات. ومثل بعضها، طموحاته أكبر حجما من أن يتحملها منهج عمل يفتقر إلى تواصل مع الطازج والجديد من الأفكار والطروحات. في أفضل حالاته هو ميلودراما تشمل الضحك والرومانسية والمأساة الفردية مصاغة لجمهور تلفزيوني ومنتج أساسا لحسابه. المشكلة هنا هو أن فيلما منتجا لحساب التلفزيون سيخدم جمهورا مختلفا عن جمهور السينما. وهذا جانب أول. الجانب الثاني هو أنه سيختلف عن جمهور المهرجانات ولن يحقق نقاطا عالية ترضي طلاب الفن من سينمائيين أو نقاد.

كتب جمال سالم (الذي يعمل منذ سنوات في تلفزيون أبوظبي) وأخرج فيلما ينطلق من نقطة ما قبل نهايته: سيارة تضم زوجة شابة ورجل مسن (زوجها) تمضي في شوارع دبي ليلا. سرعة السيارات الأخرى التي تتجاوز السيارة التي نتابعها تكشف عن أن هذه السيارة غير مسرعة. هذا لا يمنع من أن المشهد التالي هو لحادثة تخرج فيها السيارة عن الجسر الذي تمر فوقه لتسقط في الماء. عند هذه النقطة يعود الفيلم بنا إلى ستة أشهر سبقت الحادثة. هناك شاب غير وسيم (جمعة علي) واقع في حب زميلة له في الجامعة (آلاء شاكر) منذ أن شاهدها أول مرة قبل سنتين. معرفة المرء بالشخصية الإماراتية تتنافى تماما مع الوضع المراد تأسيسه هنا. ولا يتضح هذا التنافي إلا حين ندرك سريعا المعالجة الكوميدية لهذا الوضع. بكلمات أخرى، نستطيع أن نقبل حبا مضطربا ومن طرف واحد لرجل خجول ولا يجد سببا للبوح بحبه لو أن المعالجة توازي وضع الشخصية دراميا ومأسويا (لأن سنتين من حب من طرف واحد هو مأساة). أما معالجته كوميديا فيحيل المسألة إلى إثارة الضحك على بطله من دون دواع أبعد. التفعيلة اللاحقة ليست بدورها جديدة: صاحبنا يكتشف، بعد ساعة من مرور الفيلم، أن شيخا ثريا (حبيب غلوم) أحب الفتاة نفسها منذ أن رأى صورتها الفوتوغرافية. كان طلب سيارته من سائقه ووجد في السيارة ألبوم صور (لماذا؟) وبين الصور تلك الحسناء. ربع ساعة من قبل أن يوضح الشيخ أنه يريد الفتاة زوجة، ولو أنه يريد أيضا لهذا الزواج أن يبقى سريا. في هذا الحين يزداد سوءا وضع العاشق الذي يعتبر أن حب قيس لليلى وروميو لجولييت ما هو إلا جزء بسيط من حبه للفتاة، واسمها جوري. في النهاية هذا العمل ضعيف في الكثير من خاناته. خال من الإبداع لدرجة استخدامه التفعيلة ذاتها: هناك دائما ذلك الصديق الملازم لمتاعب بطل الفيلم (The Sidekick ) الذي يستمع وينصح ويتبرم ويشرح ما لا لزوم لشرحه. الموقف أساسا مات من قبل أن تمر على الفيلم ربع ساعته الأولى.

* إشارة الفيلم معطلة

* هناك ما هو أسوأ من هذا الفيلم في إطار عمل قصير (25 دقيقة) عنوانه المكتوب على الشاشة «ترفيك لايت» والمقصود بالطبع «ترافيك لايت» أو إشارة مرور وهو من أفلام مسابقة الأفلام الخليجية القصيرة. بلد الإنتاج هو العراق والمخرج هو سامي قفطان الذي كان بحاجة لمن يرتب له فكرته (البسيطة) على نحو أكثر فاعلية: هناك رجل متقدم في السن، يقود سيارته نهارا ويصل إلى إشارة مرور حمراء. فيقف. حين تضيء الشارة الخضراء لا يمضي. وحين ترجع حمراء ينطلق. نسمع صوت صدام ونرى طبيبا (يحمل عوض حقيبة الأطباء شنطة بيزنس رجال أعمال) يقف وراء السيارة المصابة وينقل الرجل الغائب عن الوعي إلى سيارته لإسعافه. الشرطي الواقف بالقرب من مكان الحادث يقول: «هذا جزاء من لا يتبع إشارة السير» ثم يركب دراجته ويمضي (!). لا ينتهي الفيلم هنا، بل ننتقل من دون رابط صحيح (ناهيك أن يكون مفهوما) إلى رجل آخر. يطل إلى شارة (أخرى؟) ويقف بانتظار الإشارة الخضراء التي لن تعمل إلى أن خرج من سيارته لشراء علبة دخان. حين يراها خضراء يركض لسيارته لكنها تتحول إلى حمراء مرة أخرى. مرتان فقط وتبقى حمراء طول الفيلم. كل السيارات من حوله تعبرها وهي حمراء، أما هو فيبقى في مكانه منتظرا أن «تخضر». وينتهي الفيلم وهو لا يزال ينتظر.

قد تكون الرغبة ذات دلالة عميقة (الإنسان الذي لا يتقدم ولا تتقدم به الحياة) أو ربما الرغبة هي تنفيذ فكرة سوريالية (السيارات الأخرى تعبر والرجل يقبع في مكانه حتى ساعات متأخرة من الليل)، لكن في كلا الحالتين فإن الناتج هو فيلم رديء في صياغته وتشكيله وتنفيذ فكرته. حتى وإن لم يكن يهدف لدلالة عميقة أو لفكرة سوريالية، فإنه أضعف من أن يكون مجرد فكرة كوميدية أو تراجيدية.

* إشادة من دون فن

* في العروض القصيرة أيضا فيلم قصير آخر خارج المسابقة من أفلام قسم «أضواء» لديه مشكلة مع العنوان الذي قد يلتبس على المتفرج: «صوتك، رحتك، أهلك» إذ سيمر بعض الوقت قبل أن تدرك أن الكلمة الثانية ليست خطأ وأنها ليست «راحتك» مثلا بل «رائحتك» مكتوبة بالعامية. هذا فيلم إماراتي الإنتاج من إخراج مرام عاشور وأمنية العفيفي حول فتاة تخرج من البيت مودعة أمها على شريط صوت تتحدث فيه الفتاة، على نحو من المناجاة، حول وضعها كمصرية غادرت الوطن وتعيش الآن في الغربة. مادة هذا الشريط الصوتي ليست معمقة، لكن كذلك الصورة. الفيلم مصور بكاميرا ديجيتال عادية ذات ألوان باهتة، إما لأن كاميرا غير حديثة، وإما لأن الفيلم لم يستفد من عملية تصحيح الألوان بعد التصوير. على تكرار مشهد لوداع الفتاة لأمها تعتقد أن المقصود بالمناجاة هو تلك الأم، لكننا نكتشف في الدقيقة الأخيرة هو أن هذه المناجاة موجهة لمصر. طبعا من حق كل مواطن أن يشيد بمواطنته ويفتخر بها ويبثها لواعج قلبه.. لكن هل نستطيع أن نفعل ذلك بحساسية فنية عالية ومستوى أدائي وإنتاجي أفضل؟ هل يمكن أن نبتعد عن الخامة الأدبية ونصنع فيلما فنيا فعليا؟

الالتباس في عنوان «صوتك، رحتك، أهلك» والخطأ في عنوان «ترفك لايت» أقل غرابة من عنوان الفيلم التسجيلي الطويل (المشترك في المسابقة) وهو «دوت كو دوت يوكي» أو بالإنجليزية .CO.UK لم أدرك الصلة بين هذا الربع الأخير من عنوان إلكتروني وبين حكاية ثلاثة مهاجرين أحدهم عربي والآخرين هنديين والجميع يعيشون في لندن. أحد الهنديين يعمل في توزيع البيتزا ليلا، والثاني يعمل على الهاتف في مطعم البيتزا وهو فقد ساقه إثر حادثة سير. والثالث.. متأسف نسيت، لكنه موجود في مرابع الليل يرقص وفي صالون الحلاقة يقص شعره زيرو على الجانبين ويقوم بدور السائل حينا ويتحدث للكاميرا حينا آخر.

المخرج، كحيل خالد، لديه غاية نبيلة بلا ريب وهي تناول معيشة المهاجرين الأجانب في لندن. الجانب الداكن للغربة (ليس الفيلم الأول في هذا النطاق كما قيل في التقديم) لكنه يضغط على كل الأزرار الخطأ حين التنفيذ ولا تدري إلى أين يتجه بك الفيلم؟ لأنه، في المصاف الأخيرة، لا يبلور ما يطرحه بل يعرضه مسطحا.

* عرس كبير

* وفيلم تسجيلي طويل آخر ينقلنا إلى جزر القمر. هذا أفضل شغلا تقنيا وإدارة فنية. إنه لسينمائي سعودي اسمه فيصل العتيبي سبق له وأن حقق فيلما تسجيليا جيدا بعنوان «الحصن»، لكن «الزواج الكبير» (وهو أول عنوان سليم لدينا هذا اليوم) أقل جودة من سابقه. إنه عن التقاليد الراسخة في جزر الإمارات، حيث يعمد كل رجل إلى زواجين (إذا أراد وهو - كما نفهم - غالبا ما يريد): زواج أول هو الزواج الصغير، ثم زواج آخر (بعد سنوات) هو الزواج الكبير. خلال تلك السنوات سيعمل الرجل على تأمين حاجات وتكاليف ذلك الزواج الكبير وسوف يطمح إليه ويسعى صوبه كهدف أعلى: «أنت قد تكون وزيرا لكنك ما زلت صغيرا إلى أن تدخل العرس الكبير» كما يقول أحدهم لوزير جاء يهنئه. حين يحين الوقت سينطلق الرجل من منزل زوجته الأولى إلى منزل زوجته الثانية. هناك يقوم بتغيير ملابسه التي وضعتها عليه الزوجة الأولى إلى تلك التي سيدخل بها العرس وهي ملابس لا يجوز ارتداء مثيل لها إلا حين الإقدام على هذا الزواج الآخر.

معلوماتيا مفيد، لكن الفيلم تلفزيوني ما أوقع المخرج في مطب مؤذ: عليه أن يملأ 52 دقيقة من الفيلم بموضوع كان يمكن سرده في ثلث ساعة. لذا، الكثير من المشاهد مكرر صوتا وصورة. وإذ كان يستطيع المخرج الخروج من شرط الموضوع الممتد بين نقطتين ليتفرع للحديث عن تقاليد أخرى أو يتعمق بالنتائج الاقتصادية التي يمر عليها أو يفتح المجال لمحاور جديدة، إلا أنه اكتفى بالمطلوب منه ما يجعل الفيلم يبقى طرحا تلفزيونيا في أفضل حالاته.