سوق الخميس بـ«القوز».. 140 عاما من التراث والتجارة

تعد ثالث أفضل سوق شعبية في السعودية وإيراداتها تفوق 80 مليون ريال شهريا

يتداول التجار والبائعون الصغار البيع (« الشرق الأوسط»)
TT

تعتبر سوق الخميس الشعبي بمركز القوز التابع لمحافظة القنفذة جنوب مكة المكرمة ثالث أفضل سوق شعبية بالسعودية، عمرها أكثر من 140 عاما، وبها يتداول التجار والبائعون الصغار بيع كل من المواشي، والملابس، ومستلزمات البيوت المصنوعة من الخشب والحديد والألمنيوم بالإضافة إلى المأكولات الشعبية منها والمعلبة، ولا ننسى مستلزمات السفر والمزارع والحبوب بشتى أنواعها للزراعة وكذلك العطريات.

ويعد أهالي القنفذة وأهلي الجنوب بشكل عام سوق الخميس بالقوز علامة تراثية تجارية بارزة، إذ قدرت الإيرادات فيها بأكثر من 80 مليون ريال شهريا في سوق تعمل فقط 4 أيام في الشهر وهو يوم الخميس من كل أسبوع، وتعود تسمية تلك السوق لهذا اليوم بعد أن وجدت أسواق عدة في المحافظة وخارجها كسوق السبت وسوق الأحد بالإضافة إلى بقية الأيام، وخطرت الفكرة إلى تدشين هذه السوق لتكون مكملة لبقية الأيام، ووجد حضورا كبيرا بين بقية الأسواق بعد أن تم إقرار يوم الخميس عطلة ليجد الناس مبتغاهم وحرية التسوق دون التقيد بالعمل.

ويقول إبراهيم بن علي فقيه المؤرخ لتاريخ محافظة القنفذة إن هذه السوق وجدت التنظيم والاهتمام من قبل الأهالي والمتسوقين منذ زمن بعيد، حيث كان شيخ القبيلة هو من يديرها، ويراعي الناس ليراجع الأسعار والمشكلات التي تحصل فيها، إضافة إلى أن موقع بيع السمك واللحوم لم يكن باتجاه الرياح مراعاة للناس كي لا يتضرروا من روائحها، كما أوجد بيع المبادلة حيث إن قلة المال كانت تجبر الناس على مبادلة السلع بدلا من بيعها مع وجود «القالية» وهي إرجاع السلعة لصاحبها عن طريق التراضي بين الطرفين.

ويؤكد المؤرخ فقيه أن سوق الخميس كانت مزارا من قبل الشعراء في حقبة زمنية سابقة، حيث كانت تقام المسابقات الشعرية، مؤكدا أن الأهالي والبلدية قد حرصوا كثيرا على تطويره والحفاظ عليه.

ويؤكد فقيه أن سوق الخميس عبارة عن تجمع حضاري تجاري تعليمي فيه يحضر التجار من المناطق المجاورة فيتعلمون اللهجات من بعضهم الآخر، إضافة إلى سلسلة التعارف بين الناس، كما كان حضور المرأة بارزا من خلال بيعها في السوق وتخصيص أماكن خاصة لهن ليتداولن البيع والشراء بكل أريحية. كانت تقتصر عمليات بيعهن على الملابس فقط.

وتعد الأسواق الشعبية ظاهرة تهامية مميزة بدأت تفتقد في باقي أنحاء السعودية، وما زال الأهالي يصارعون من أجل بقائها، وتعد سوق الخميس فرصة لشراء منتجات شعبية وهدايا من محافظة القنفذة، حيث توجد به سوق للحم ومنتجات محلية مثل العسل والأعشاب العطرية وزيت السليط (السمسم) والحبوب والتمر، وهناك قسم للأسماك وقسم للملابس الشعبية.

وذكر رئيس بلدية القوز المهندس إبراهيم محمد الفقيه أن البلدية قامت مؤخرا بمشاريع تطويرية وتم تنظيم 155 بسطة بالسوق بطريقة منظمة من بائعي التمور والفواكه والطيور وأصحاب الحدادة وبائعي الروائح العطرية واللحوم والأسماك وغيرها، وأضاف أن قسم الخدمات البلدية قد شارك بـ8 مراقبين صحيين في تنظيم سوق الخميس، حيث تم تنظيم البسطات العشوائية مع إعطاء كل صاحب بسطة رقم القطعة المسموح بالبيع فيها، مشيرا إلى أن التنظيم مستمر صباح كل خميس.

وكانت الهيئة العامة للسياحة والآثار قد أجرت مسحا اقتصاديا على سوق الخميس الشعبي بالقوز بمحافظة القنفذة والتي تقع على محاور الحركة الرئيسة في المدينة (شارع القوز العام) مما يكسبها المميزات الخاصة بسهولة الوصول إليها، وزيادة عدد المترددين من المناطق المتاخمة والمناطق المحيطة بالسوق. وتبلغ مساحة السوق نحو 4.4 هكتار.

وهدفت تلك الدراسة إلى توطين أنشطة اقتصادية جديدة تدعم الحفاظ على الهوية المحلية وتساهم في إيجاد فرص عمل للشباب السعودي وتحفيز الاستثمار في السوق، وذلك من خلال توفير فرص عمل وفرص استثمارية من خلال خلق فرص عمل لتدعم الحرف التقليدية أو في عرض وبيع المنتجات المحلية وإمداد السوق بالخدمات الأساسية والبنية التحتية.

وكذلك هدفت الدراسة إلى دعم الجانب السياحي والترفيهي والأنشطة الاجتماعية والثقافية في السوق، مع الاستغلال الأمثل للإمكانات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية بالسوق والمنطقة المحيطة وتقويم الأنشطة التجارية القائمة ودعمها وتطويرها بحيث تواكب متطلبات العصر من جهة وتؤكد الهوية المحلية من جهة أخرى.

وتطوير وتحسين بيئة السوق ليصبح نموذجا يمكن الاستشهاد به عند تطوير الأسواق الشعبية المماثلة وحل المشكلات التخطيطية للسوق في ضوء الوضع الراهن للمدينة.

كما اتفقت هيئة السياحة مع بلدية القوز على إضافة أنشطة حرفية تنعش السوق طوال أيام الأسبوع واستخدام المظلات المفتوحة كلما أمكن وعمل سوق للأغنام في حدود المساحات المملوكة للبلدية، على أن تكون هناك مناطق امتداد خارج حدود الحماية ودراسة مسار الزائر وعمل واجهات للمحلات (الورش) المستدامة ومحاولة إضافة هوية محلية للسوق.

وبين رئيس بلدية القوز المهندس إبراهيم بن محمد الفقيه أن البلدية قد أقرت مبنى حضاريا للسوق يوفر دورات مياه وتنظيما حديثا للسوق، مع وجود قسم خاص للنساء ليقمن بالبيع مجددا.

بينما يؤكد عبد الرحمن حلواني عضو اللجنة السياحية بمحافظة القنفذة أن سوق الخميس تعد تراثا يتعاقب عليه الأجيال، مؤكدا أن السوق تعد من التراث ذي القوة الشرائية المتميزة التي قد تؤهلها ل دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية من حيث وجود أغنام وأبقار وطيور نادرة تباع بمبالغ طائلة كما شهدت سوق الخميس ذات يوم بيع خروف بمبلغ 9 آلاف دولار.

وأكد الحلواني أن سوق الخميس تعد مزارا حيث يعمد الكثير إلى زيارتها والترف بها وهي مكان لا يمل به أحد، مضيفا أن التجار الذين يزرونها هم من منطقتي الباحة وعسير ومحافظتي الليث والطائف. وزاد الحلواني أن الفرصة سانحة لتطوير ذلك المعلم التجاري التراثي لافتا لأن الكثير من الزوار من دول أخرى قد زاروه والتقطوا فيه الكثير من الصور.