عثمان علي خان حاكم ولاية حيدر آباد الراحل أغنى رجل في العالم

قيمة ثروته بالمقاييس الحالية 236 مليار دولار.. وكان بخيلا يرتدي ملابس رثة

قصر تشوماهلا حيث عاش حتى وفاته
TT

كان مير عثمان علي خان صديقي بهادور هو سابع نظام (التي تعني «ملك» بالأردية) لولاية حيدر آباد الهندية، وهي كبرى الولايات الأميرية في مرحلة ما قبل استقلال الهند، وتقترب من حجم المملكة المتحدة في الوقت الحاضر، وكان أغنى رجل في العالم إلى أن وافته المنية عام 1967.

وقد أُعلن أن عثمان علي خان هو الشخص الأكثر ثراء في العالم بعد حساب ثروته وفقا لإحصائيات التضخم الحالية. وقد قدرت ثروته خلال فترة الأربعينات من القرن الماضي بقيمة ملياري دولار، والتي كانت وقتها تمثل نحو 2 في المائة من حجم الاقتصاد الأميركي. وقد كان حجم الإيرادات السنوية للهند بعد استقلالها مليار دولار فقط.

وأوضحت مجلة «تايم» الأميركية، التي أظهرت خان على غلافها، أن لديه ثروة شخصية قيمتها 236 مليار دولار، إلى جانب امتلاكه أثمن مجموعة من المجوهرات تم الإعلان عنها، وهي 25 ألف ماسة وأكثر من ألفي زمردة. وتجدر الإشارة إلى أن حيدر آباد تعد أغنى ولاية أميرية في الهند بفضل اعتماد ثروتها على تجارة الذهب والماس واللؤلؤ. ومع أنه تم استخراج ماسات مثل «الأمل» و«ريجنت» و«كوهي نور»، من مناجم غولكوندا، فإنه يطلق على حيدر آباد مدينة اللؤلؤ.

وقد امتلك خان أيضا واحدة من أعظم المكتبات في العالم الإسلامي، والتي تحتوي على مجموعات فنية ومنمنمات للإمبراطورية المغولية والديكانية لا تقدر بثمن، فضلا عن المصاحف المضيئة وأكثر المخطوطات الإسلامية الهندية الخاصة. وباعتباره حليفا مخلصا للتاج البريطاني بعد الحرب العالمية، قدم خان مساعدة مالية طائلة إلى البريطانيين ومجموعته الأصلية من الطائرات طراز «دي إتش - 9» على سبيل الهدية. وتحمل كل طائرة نقشا يبين أنها كانت ملكية شخصية للسلطان خان، وأصبحت تعرف مجموعة الطائرات بسرب حيدر آباد. كما قدم في عام 1947 هدية من المجوهرات الماسية تتكون من عقد وتاج إلى الأميرة إليزابيث، قبل أن تصبح ملكة، بمناسبة زواجها. ولا تزال ترتدي الملكة العقد والبروشات من هذه الهدية حتى اليوم.

وبفضل ثروته الاستثنائية، تم تكريم خان من قبل البريطانيين ليكون الأمير الأعلى مقاما في الهند، وليتفوق بذلك على خصومه. لقد حكم أسلافه ولاية بحجم إيطاليا على مدار أكثر من ثلاثة قرون كملكية مطلقة، ولم يكونوا مسؤولين - في المسائل الداخلية حتى على الأقل - سوى عن أنفسهم، وزعموا ولاء 18 مليون شخص لهم.

كان ينظر إلى السلطان في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية من قبل الكثيرين على أنه حاكم إسلامي مؤثر في العالم. وفي عام 1921، تم إرسال نجليه إلى نيس ليتزوجا من ابنتي عبد المجيد الثاني، آخر خليفة عثماني. وكان قد طرد مؤخرا من قصر توب كابي بواسطة كمال أتاتورك، وأُرسل إلى المنفى في فرنسا. وكجزء من ترتيبات الزواج، نصب الخليفة نجل السلطان خان وريثا للخلافة لتوحيد السلطة الروحية العليا للعالم الإسلامي مع تركزها بشكل أكبر في يد الأغنياء.

كان يعمل لدى خان إجمالي 14,718 موظفا عند وفاته. ويوجد نحو ثلاثة آلاف حارس عربي في قصره الرئيس فقط، و28 شخصا لجلب مياه الشرب، و38 آخرون لنفض الغبار عن الثريات والمصابيح، وعدة خدم خصيصا لطحن الجوز وإعداد مكسرات التنبول التي تعتبر من المخدرات الخفيفة لمضغها.

إلا أن هذا الرجل الذي يعتبر أغنى الأغنياء في العالم كان بخيلا؛ إذ إنه أنه كان يرتدي الطربوش نفسه لمدة 35 عاما، كما اعتاد ارتداء بيجامات رثة وتناول الطعام في طبق مصنوع من الصفيح وتدخين أعقاب السجائر، رافضا شراء علبة سجائر طوال حياته. كان عثمان علي خان أيضا يرقع جواربه الخاصة، وكانت عمامته الرثة التي كان يرتديها دائما تتناقض بشكل صارخ مع تلك الماسة التي في حجم بيضة النعامة التي يبلغ ثمنها 50 مليون جنيه إسترليني التي استخدمها كثقالة للورق لمنعه من التطاير. إن ثراث نظام الملك غريب الأطوار حي في قصص تتناول رفاهيته الشديدة.. وبخله المدقع.

أراد خان بطانية جديدة ليشعر بالدفء، فأمر خادما بشراء واحدة مع إعطائه أوامر مشددة بعدم دفع أكثر من 25 روبية ثمنا لها. لكن عاد الخادم خالي الوفاض لأن البطانية الجديدة تتكلف 35 روبية. وبالتالي، اكتفى نظام الملك ببطانية قديمة بالية. وتبرع بعد ذلك بشاحنات محملة بالعملات الذهبية إلى صندوق الدفاع الوطني في الهند، وقال لعماله حينها «لقد تبرعت بالقطع النقدية، وليس بالشاحنات، فتأكدوا من عودة الشاحنات إلينا».

لقد أقلم نفسه على العيش بما يعادل جنيها إسترلينيا واحدا يوميا. وأخذ سيجارة ذات مرة من أحد المستشارين، وقطعها نصفين، وأعاد له أحد نصفيها مرة أخرى.

ومع هذا، كان لديه جانب عقلاني. فقد درس اللغات الإنجليزية والأردية والفارسية، ويعود إليه الفضل باعتباره المهندس العبقري لحيدر آباد الحديثة، التي هي الآن واحدة من أكبر المدن الهندية. ولقد شهد حكمه توسعا في الطرق والسكك الحديدية والنظام البريدي، وأنشأ أيضا عددا من الجامعات والمستشفيات والمصانع.

لكن كان النساء يمثلن نقطة ضعفه. فعلى الرغم من أنه كان لديه أربع زوجات، قبل وفاته، فقد أنجب أطفالا من 86 عشيقة ضمن حريمه، ولديه أكثر من مائة طفل غير شرعي. وخلف وراءه إرثا من النزاعات القانونية بين مئات من الأحفاد الذين يتعاركون على الأموال والعقارات. وارتفع عدد المطالبين بحقهم في ثروته إلى 400 من الورثة الشرعيين قبل التسعينات من القرن العشرين. ويتقاتل أحفاد نظام الملك على أموال أودعها في مصرف بالعاصمة البريطانية لندن منذ 66 عاما. كان هذا الحاكم المسلم قد أودع مليون جنيه إسترليني باسم حكومته في مصرف «ناشيونال ويست مينستر» في لندن عام 1948 قبل أن تستولى الهند على مملكته. ويمكن القول إن مبلغ المليون جنيه إسترليني أصبح الآن 30 مليون جنيه إسترليني.

وبعد أن علم نظام الملك بوجود صفقة احتيالية تنطوي على تحويل أمواله إلى المفوض السامي لباكستان في لندن، قام بتجميد حسابه. ويرفض مصرف «ويستمينستر»، الذي تم دمجه حاليا في مصرف «رويال بنك أوف اسكوتلاند»، الإفراج عن المبلغ ما لم يتوصل الأطراف الثلاثة - الهند وباكستان وورثة نظام الملك - إلى اتفاق. كانت هناك جهود من تلك الأطراف المعنية للتوصل إلى إجماع في الآراء، وربما يتم التوصل إلى نوع من الاتفاق بينهم خلال العامين المقبلين. وقد وصفته صفحة التعازي بأنه رجل مسن متثاقل الحركة قضى أيامه الأخيرة متجولا في نعال قديمة، ومع هذا، كان موكب جنازته الأكبر في تاريخ الهند بأكملها.

تعتبر الجواهر التي تنتمي إلى العائلة المالكة في حيدر آباد عبارة عن مجموعة رائعة من الحلي والأحجار الكريمة والزمرد وتشكيلة من الأعمال الفنية المذهلة. وتعد تلك المجموعة من المجوهرات الأغلى ثمنا في العالم. وتم شراء هذه المجموعة عام 1992 بواسطة الحكومة الهندية من عائلة نظام. تقدر قيمة مجموعة مجوهرات نظام الملك التي تتكون من 173 قطعة، والتي كان يحرسها مجموعة من الخصيان طوال حياته، بنحو ملياري جنيه إسترليني، لكن تم شراؤها من قبل الحكومة الهندية عام 1995 بسعر بخس بنحو 33 مليون جنيه إسترليني.

كانت تحتوي مجموعة المجوهرات، التي تم عرضها منذ سنتين تحت حراسة مسلحة مكثفة في الهند، على عقد جميل يتكون من سبع سلاسل من اللؤلؤ، معروفة باسم «ساتلادا». وقد ألهمت هذه المجموعة مصممين مشهورين مثل دار «كارتييه» للمجوهرات بإبداعات رائعة. ووصف خبير المجوهرات د.غزدار المجموعة بأنها «عينات من الأعمال الفنية النادرة التي صممت بعناء شديد، وأنها أرقى مجموعة مجوهرات شرقية في العالم». واليوم يتم تأمين المجوهرات داخل خزائن في مصرف الاحتياطي الهندي بالعاصمة مومباي. لقد تم تخزين العديد من الجواهر في صناديق ضخمة وعلب مصنوعة من الورق المقوى. وتوجد صور فوتوغرافية لنظام الملك السابع والعديد من زوجاته يلبسن فيها حليا كثيرة مرصعة بالماس. وكانت هناك 30 خزانة مملوءة بكيلوغرامات من الذهب والماس والمجوهرات. ومع أن الماس يعد الحجر المستخدم من قبل نظام خان على نطاق واسع، فإنه يعتقد أن خان كان يشتري الياقوت من بورما. أما الحجر الذي يقع في المرتبة الثانية من حيث الاستخدام فقد كان موجودا أيضا، مع العلم بأن اللون الأخضر هو اللون الذي يلقى قبولا لدى المسلمين، وكانت معظم أحجار الزمرد في شكلها الطبيعي غير المصقول. وكان يؤتى باللؤلؤ من خليج «منار» في سيلان والبصرة في ساحل بحر العرب. ويُعتقد أن المجموعة الكاملة من اللآلئ الموجودة لدى نظام الملك يمكن أن تملأ حوض سباحة أولمبي. ويوجد ضمن المجموعة حزام مرصع بالماس صممه أوسكار ماسي بيريز، المصمم الفرنسي. يزن هذا الحزام الماسي 640 قيراطا. وهناك حزام آخر، يلبس للاحتفالات، يزن 1.5 غرام، ومغطى بالماس بشكل كامل. كان نظام الملك يحمل شخصيا مفاتيح الخزائن السرية لمدة 50 عاما. ولا تزال أحزمة من مختلف الأشكال والأحجام متناثرة مما يدل على الإهمال الذي كان يشوب عملية تخزين المجوهرات.

اختار نظام الملك السابع أول حفيد له ووريث لعرشه الأمير مكرم جاه لخلافته. يعتقد خان أن أبناءه لا يستحقون أن يكونوا حكاما بعد وفاته. لكنه سرعان ما وجد نفسه منغمسا في حالة من الفوضى المالية ومثقلا بقضايا قانونية من الورثة والضرائب التي تفرضها الحكومة الهندية. وقد هاجر مكرم إلى أستراليا وأنفق الكثير من ميراثه في إنشاء مزرعة لتربية الأغنام، لكنها فشلت. وأثناء غيابه، نُهبت ممتلكات جده الموجودة في حيدر آباد في ظل عدم خضوعها للرقابة وتم بيع التحف الثمينة في شوارع الأسواق. وقد تم استخدام ما تبقى من ثروة نظام الملك الطائلة لسداد الديون والحفاظ على أساليب الحياة المترفة التي يعيشها العديد من أحفاده. وهكذا انهارت الثروة الخرافية للأسرة المالكة. وفي الوقت نفسه، كان مكرم يعاني من فقر مدقع خلال معيشته في شقة صغيرة في إسطنبول. وعلى عكس جده، تزوج مكرم خمس مرات فقط، بما في ذلك ملكة جمال تركيا السابقة وهي زوجته الثالثة. ترتبط تركيا بصلات قوية مع مكرم جاه – فقد كانت أمه وزوجته الأولى الأميرة إسراء من تركيا. وكانت زوجته الأخيرة الأميرة أورتشيدي من تركيا أيضا.