سامر المرزوقي مدير «سوق دبي السينمائي»: الهدف الإسهام بعملية إنتاجية متكاملة للفيلم الخليجي والعربي

TT

* يوميات مهرجان الخليج السينمائي - 5 * لا يمكن إغفال ما أنجزته سينما منطقة الخليج منذ 20 سنة وحتى اليوم. من لديه وقت لينظر إلى الخلف عندما كان الأفق يخلو تماما من فعل الصورة السينمائية، ويستعرض أفقيا ذلك المنظر العريض الذي ازداد تبلورا حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم من حضور، يدرك المسافة الكبيرة التي قطعتها السينما الخليجية من البوادر إلى الإنجازات.

وقد صار بدهيا القول إن مسعود أمر الله آل علي هو الأب الروحي لهذه النهضة. لقد أسس مهرجان «أفلام من الإمارات» في مطلع العقد الأول من هذا القرن، مندفعا بطموح تأسيس ما هو أبعد من ذلك: سينما من الإمارات. وإذ نجح سريعا ووجدت لفتته تلك تجاوبا تجلّى في إنتاجات متوالية، صار تلقائيا أن ينتشر هذا النجاح في أوصال السينما الخليجية كافة. هذا تبعه عدد من التغييرات الإيجابية والتطوّرات التي ساهمت في تنظيم كل هذا الحضور الحال الحالي للسينما الخليجية من إطلاق مهرجانات ورفع قيم الجوائز المادية وابتكار المظاهرات والأقسام وإنشاء صناديق الدعم وقيام الورش، وصولا إلى مطلع مرحلة جديدة عليها أن تحمل أعباء النقلة الإضافية لهذه السينما صوب إنجاز صناعة حقيقية.. هناك قوامها وعناصرها لكنها لا تعمل على نظام كبس الأزرار، بل بحاجة إلى عقول مديرة وذات طموح تفهم المطلوب وتتفهم الحاجات معا. سامر المرزوقي هو اليوم في مقدّمة هذه المرحلة الجديدة. شاب انطلق هاويا للسينما وانضم إلى ركب الإنتاج والإخراج لفترة، قبل أن يتولى إدارة «سوق دبي السينمائي»، ذلك المستحدث الأخير في سلسلة ما والى مهرجانا دبي والخليج القيام به من نشاطات، الذي هدف إلى تعزيز العملية الإنتاجية واستكمال شروطها، حسبما يقول: «الخطة اقتضت أن تتم مصاحبة العمل السينمائي من السيناريو إلى الشاشة. (سوق دبي السينمائي) هو المرحلة الرابعة والأخيرة، حيث يتم العمل على دعم الأفلام المنتجة على إيجاد سوق تجارية لها». ةالعملية ليست في مثل هذه البساطة، و«سوق دبي السينمائي» يتابع المراحل جميعا، ويغوص في تفاصيلها: «شرح ما سبق هو أن المرحلة الأولى هي تقديم المشاريع على نحو صحيح. وللغاية يتم التعاون سنويا مع (تورينو فيلم لاب) حيث تتم دراسة المشاريع وصياغة طرق إعدادها. بعد ذلك مرحلة (ملتقى دبي السينمائي)، حيث إنه على المشاريع أن تدخل عملية تصفية يشرف عليها سينمائيون ليتمخض عنها 15 مشروعا تنتقل إلى المرحلة الثالثة، وهي مرحلة إنجاز ودعم الأفلام الطويلة بميزانية قدرها 100 ألف دولار».

إلى ذلك، وكمؤازرة للعملية في مراحلها المختلفة، هناك ورش العمل، وهي الآن تشمل الفيلمين القصير والطويل على حد سواء، وورشة سيناريو من بين نشاطات أخرى. على الرغم من ذلك.. «هناك منطقة محددة تعاني من خلل ما». يصمت ثم يضيف بعد لحظات: «رغم دعواتنا لكل المخرجين والسينمائيين الخليجيين وحتى العرب غير الخليجيين». هل الإعلام مسؤول؟ يجيب: «أعتقد أن هناك مسؤولية إعلامية فعلا، لأن الفكرة لدى البعض غائبة، ولأن الاهتمام الإعلامي لدى البعض الآخر ينصب على الخطوط العريضة، وعلى نحو لا يفي بتفاصيل العمل والجهود المبذولة في هذا الاتجاه».

* التلفزيون نموذجا

* في أحاديثنا السابقة حول موضوع الإنتاج في سينما المنطقة الخليجية هنا، بدا واضحا أن ما ينقص هذا الحجم من الإنتاج هو (تحديدا) سوق محلية نشطة، لأن مفتاح النجاح كامن لا بيد المهرجانات وحدها، بل، وربما على نحو أساسي، بيد الجمهور. أعاود طرح هذه الفكرة أمام الأستاذ المرزوقي، فيقول: «هذا صحيح تماما، لكني على الرغم من ذلك متفائل جدا، وعندي أسباب لذلك».

في جملة هذه الأسباب، كما يؤكد، حقيقة أن جميع المسؤولين (في دولة الإمارات على وجه الخصوص) يشتركون في محاولة دعم السينما الخليجية: «السينما الخليجية لم تنجز بعد كامل نموّها. لم تصبح صناعة متكاملة بعد، لكن هناك تطوّر يحدث كل عام. وهذا التطوّر يشمل استفادة كل سينمائي من أخطاء السينمائي الذي قبله». يشرح ذلك مكملا: «هناك 5 أفلام إماراتية طويلة تم توزيعها سينمائيا في صالات الإمارات، وبعضها في صالات الخليج الأخرى. من (الحلم) لهاني الشيباني، وصولا إلى (ظل البحر) لنواف الجناحي، مرورا بأفلام مجيد عبد الرزاق. الذي حدث في هذا المجال هو أن الـ3 الأولى من هذه الأفلام لم تنجح. الفيلم الرابع حقق نجاحا أفضل، والفيلم الخامس حقق أفضل نجاح. إذن إيجاد الجمهور المهتم بمتابعة السينما الإماراتية والمهتم بمتابعة الأفلام المحلية قيد الحدوث حاليا، وسنرى المزيد من الأفلام الروائية الطويلة التي ستعرض على شاشات صالات الإمارات».

لكن المسألة أكثر صعوبة (وإن «ليست مستحيلة»، كما يقول مدير «سوق دبي السينمائي»)، حين تصل إلى عرض الأفلام الخليجية؛ ليس في البلد المنتج، بل في البلد الآخر: «أعتقد أن العملية يجب أن تبدأ بأن يكون الإنتاج نفسه مشتركا. وهناك أفلام بدأت بالاستعانة بفنانين غير محليين، لأجل تجاوز هذه المعضلة، وحتى يكون للفيلم الخليجي حضور في أكثر من دولة خليجية. وسأقدم مثالا بسيطا يؤكد أن هذا ممكن تماما.. انظر إلى الإنتاجات الدرامية التلفزيونية، تجدها الآن منتشرة على محطات الخليج المختلفة بصرف النظر عن هوية إنتاجها. هناك استهلاك تلفزيوني كبير تعكسه الأرقام. وأنا أتذكر أرقام عام 2009، التي لا بد أنها ارتفعت اليوم؛ فقيمة إجمالي الإعلانات في التلفزيونات العربية في ذلك العام بلغت مليارا و700 ألف دولار».

* انتشار عربي

* التحدي الأكبر هو سد الثغرة الناتجة عن غياب الفيلم المصري في الأسواق العربية كافة. مرة أخرى يوضح السينمائي الشاب هذا الموضوع، فيقول: «أومن بأن هذا ممكن. قبل 15 سنة فقط لم يكن المصريون يعرفون الفنان حسين الجسمي، وحين أقام حفلاته الأولى آنذاك، كانوا يتساءلون عن هذا الفنان البدين.. (هوا ده؟). الآن هو معروف جدا في مصر. علينا أن نضع في الاعتبار أن الشعب العربي من أكثر شعوب العالم شبابية، وأن هؤلاء يقبلون على صالات السينما بكثافة غير مسبوقة. عدد صالات السينما في الإمارات (التي يبلغ عدد سكانها نحو 8 ملايين نسمة حاليا) 400 صالة، وهي تزيد دوما.. في مصر ذات الـ80 مليون نسمة هناك 800 صالة فقط. عدد رواد السينما في الإمارات حسب إحصاءات العام 2011 بلغ 10 ملايين و100 ألف اشتروا 93 مليون تذكرة».

يضيف: طموح «سوق دبي السينمائي» يعتمد على استراتيجية تتطوّر دائما وتلتقي مع صانعي الأفلام العرب. وهو يرى أنها تقوم على مبادرات مدروسة ومسنودة بحكم علاقات «سوق دبي السينمائي» بمختلف صانعي القرار محليا وعربيا وعالميا. إلى ذلك، «هدفي الشخصي نابع من حبي للسينما ومن خبرتي فيها، وهو إنجاح هذه المبادرة التي تأسست منذ حين قريب، لكي تسهم فعليا في عملية إنتاجية متكاملة للسينما الخليجية والعربية».

نظرة المرزوقي إلى الوضع ليست خيالية، بل مقتبسة من الأرقام، والنظر إلى ما تمر به المنطقة من ظروف. على ذلك، يدرك أن المسألة تحتاج إلى مثابرة، وأن الفيلم الخليجي الذي قد يعرض خارج دول الخليج لن يتم بين ليلة وضحاها، بل عليه أن ينتظر. إحدى الصعوبات التي تعترض هذا الانتشار، أو حتى ذاك الذي من المفترض به أن يتم ضمن حدود المنطقة الخليجية، هو أن الأفلام الروائية الطويلة، والقصيرة كذلك، ما زالت عملة غير متداولة في المحطات التلفزيونية. لكنه لا يرضى التسليم بهذا الوضع من دون نقاش: «الحقيقة، وللعدل، أن بعض المحطات التلفزيونية حاولت بث بعض الإنتاجات السينمائية الإماراتية أو الخليجية، من بينها (روتانا) و(إم بي سي). لكن الحاصل هو أن المبلغ المدفوع غير مغرٍ. هنا لا بد من لوم السينمائيين أنفسهم. فالمحطات العارضة للأفلام تشتري حقوق الفيلم الأجنبي بعد سنوات قليلة من إنتاجه بنحو 30 إلى 40 ألف دولار، في مقابل حق بثه أربع مرات. حين طلبت بعض تلك المحطات من السينمائيين التفاوض بشأن عرض الأفلام الإماراتية، فوجئت بالمبالغ الكبيرة التي يشترطها السينمائيون.. 100 ألف دولار مثلا، كما لو أنه يريد تعويض ما صرفه، بدل أن يرضى بأن يكسر هذا الجمود الواقع بينه وبين التلفزيون، ويسهم في تنشيط اعتماد التلفزيونات على برمجة الأفلام الخليجية فيها». «سوق دبي السينمائي» هو المؤسسة السينمائية الوحيدة في العالم العربي المكرّس لتطوير الأفلام من أولى المراحل حتى آخرها، ونجاحاته في مدى عام ونصف العام مبهرة. هذا العام في دبي يطمح لأن يستقبل قطاعا عريضا من الموزعين: «في العام الماضي كان هناك 10 شركات توزيع وإنتاج مشتركة في سوق الفيلم. أريد رفع هذا العدد لـ30 شركة، وأعتقد أننا نستطيع. سينما المنطقة الآن تعيش أفضل حالاتها وتجذب كثيرا من الراغبين في تداولها داخل العالم العربي وخارجه».