«نشأة متحف» اللوفر بثوبه العربي في أبوظبي

يكشف جانبا من كنوزه والوصل بين الحضارات

حصة الظاهري مدير مشروع اللوفر أبوظبي في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تستعرض المعروضات
TT

في العد التنازلي لافتتاح متحف اللوفر أبوظبي يوم 22 أبريل (نيسان) الحالي، يقدم المعرض للجمهور جانبا من مجموعة المتحف الدائمة، التي تم جمعها على مدار الـ3 سنوات الماضية. ويبدو الاستعداد ليوم الافتتاح الموعود محموما، فالعمل لا يهدأ لتدشين هذا الصرح الثقافي الذي سيثري منطقة الخليج، بل والمنطقة العربية بأكملها. فكرة إقامة متحف «اللوفر أبوظبي» تطرح كثيرا من التساؤلات حول هوية هذا المتحف، ومدى تأثره بالمتحف الأم في باريس، فاللوفر قلعة الفنون في فرنسا يلقي بظله على المشروع الوليد ويجبر كثيرين على التساؤل حول مدى إمكانية أن يلبس اللوفر الثوب العربي.

ويبدو أن كل هذه التساؤلات والشكوك هي نفسها دارت بخلد مؤسسي المتحف، ولهذا يتخذ المتحف الجديد خطا يعمد فيه إلى استكشاف العلاقات بين الحضارات ونقاط الوصل بينها، وهذا ما حرص معرض «نشأة متحف» الذي يفتتح أبوابه للجمهور في جزيرة السعديات على التأكيد عليه.

«نشأة متحف» هو المعرض الثاني الذي يقيمه متحف اللوفر أبوظبي للكشف عن مقتنياته، ولكن إن كان المعرض الأول الذي أقيم في عام 2009، وحمل عنوان «حوارات الفنون: اللوفر أبوظبي»، قد داعب خيال المتفرج بعرض 19 قطعة من المجموعة الدائمة من الأعمال، فإن معرض «نشأة متحف» يخطو خطوة أوسع ويفتح نافذة على مجموعة كبيرة من المقتنيات بلغ عددها 130 قطعة.

وخلال جولة على المعرض تستعرض معنا حصة الظاهري مدير مشروع اللوفر أبوظبي في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة المعروضات، وتشير خلال حديثها إلى أهمية ملاحظة أن المعرض يقدم سردا فنيا يعرض من خلاله تطور الفنون عبر العصور. المعرض مقسم إلى 6 أجزاء في 6 قاعات منفصلة. القاعة الأولى تختصر في 3 قطع تاريخ الفن العالمي، أو ما يمكن أن يفسر برؤية لتطور الفنون العالمية. فهنا نرى تمثالا صغير الحجم لامرأة ترتدي ما يبدو أنه معطف سميك يغطي جسمها بالكامل، ويعود إلى نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد.

ومن مرحلة ما قبل التاريخ ننتقل إلى العصر الحديث في لوحة «قياسات بشرية»، للفنان إيف كلاين. القاعة التالية تعرض للعصور القديمة، وتضم عددا من التماثيل ترجع إلى عصور الرومان والفراعنة إلى جانب قطع من الصين القديمة. المعروضات تقدم أمثلة على الروابط التي قامت بين المناطق السياسية والفنية الرئيسة، وذلك باختيار رمز معين لتلك الفترات يلقي الضوء على التنوعات الفنية والوظيفية التي تميز بها كل عصر.

ومن العصور القديمة ننتقل إلى الحجرة التالية التي تترك التسلسل الزمني جانبا وتختار الأديان موضوعا لها تقدمها من خلال وسائط التعبير الفني، وهو اختيار يصب في الصورة النهائية للمعرض بعرض التفاعلات بين الأديان والفنون التي تضافرت مع كل دين. هنا في هذه الحجرة تتعايش الأديان معا، وتعرض مقدساتها جنبا لجنب ملقية الضوء على الشعائر والطقوس الدينية ودلالاتها المختلفة. ومن المعروضات النادرة في هذه القاعة هناك مصحف يعود إلى العصر المملوكي وصندوق نحاسي من فرنسا يعود إلى عام 1200 نقش عليه منظر مستوحى من الإنجيل لملوك الشرق الثلاثة في بحثهم عن النبي عيسى.

القاعة المقبلة تقدم مخطوطات شرقية من مجموعة المنتج السينمائي الراحل جيمس آيفوري، حسبما تذكر لنا حصة الظاهري، كما تضم مجموعة من الرسوم الهندية والمغولية واليابانية، كلها كونت جوانب سحرية من صورة الشرق في العقل الغربي، كما تشير الظاهري. هو الخيط نفسه الذي يستمر في قاعة «حوار الثقافة» التي تستكشف صورة الشرق لدى الغرب والعكس. فعبر منسوجات حائطية و20 لوحة زيتية نرى مزيجا فنيا يظهر الإلهام المتبادل بين الشرق والغرب.

تشير الظاهري إلى أن القاعة تقدم عدة محاور؛ فهنا زاوية تشير إلى عصر الاكتشافات الجغرافية واللقاءات والمواجهات بين الحضارات، التي تعبر عنها لوحة السفير للفنان ليوتار، وتدور حول وصول الإنجليز إلى الهند. وزاوية أخرى تشير إلى الصورة التخيلية للشرق في الفن الغربي؛ سواء عبر لوحات استشراقية أو من خلال صور فوتوغرافية أو الصناديق المزخرفة. في هذه القاعة، تطالعنا أيضا أول صورة التقطت لإمارة محجبة «عيوشة»، التي تعود إلى القاهرة عام 1843، ويعتقد أنها الأقدم على الإطلاق لامرأة محجبة، وهي للمصور الفرنسي جوزيف - فيليبيرت غيرو دو برونجي (1804 - 1892). ثم هناك صورة فوتوغرافية للمصور روجي فانتون لرجال باللباس الشرقي تحمل اسم «الباشا والبدوي» التقطت في عام 1858، ولكن الظاهري تشير هنا إلى أن الصورة التقطت في لندن لأشخاص غربيين في لباس شرقي، وليس في أحد بلدان المشرق. في قاعة «الأشكال المسافرة» نستكشف تأثير تبادل الثقافات وانتقالها من مكان لآخر عبر التعبير الفني. يذكر دليل المعرض: «بفضل الطرق التجارية الجديدة توسعت الاتصالات بين الحضارات البعيدة، فبعد التجار والجيوش أتيحت الفرصة أيضا للأعمال الفنية والفنانين للسفر والانتقال».

فالتبادلات الفنية والتجارية بدأت من العصور القديمة وانتشرت في عصر النهضة، حيث كانت بعض القطع تسافر إلى مناطق بعيدة مع المسافرين في رحلاتهم. واعتبارا من العصور الوسطى، أصبحت المدن التجارية الرئيسة، مثل البندقية، نقاط اتصال تمر من خلالها الأعمال الفنية.

من الأمثلة المعروضة علبة مثمنة الأضلاع تعود إلى القرن الثامن، وهي مصنوعة من الخشب المكسو بفشر السلاحف ومرصعة بالصدف، وتعبر عن النقوش السائدة في آسيا الوسطى في تلك الفترة.

هناك أيضا قطعة من السيراميك مزخرفة بنقوش الأرابيسك من عهد الدولة العثمانية، وعدد من المصابيح الزجاجية التي تشبه مصابيح المساجد في العصر المملوكي، ولكنها هنا من صنع فنان فرنسي، وتحمل نقوشا وكتابات غربية. وينتهي المعرض بلوحات للفنان ساي تومبي، وهي من الفن المعاصر.

وردا على سؤال عن كيفية اختيار القطع التي تنضم لمجموعة المتحف الدائمة تقول الظاهري: «هناك فريق متخصص يقوم بدراسة واختيار القطع الموجودة في السوق، ويقوم برفع الاقتراحات للجنة من الخبراء لاتخاذ قرار اقتنائها. اللجنة تضم عددا من الخبراء العالميين، منهم خبراء من متحف اللوفر في باريس، ومن دولة الإمارات.

وتضيف أن القطع كلها ملك لحكومة أبوظبي. أما التساؤل حول هوية المتحف فيطرح من جديد، تقول الظاهري في ردها عليه: «المتحف هنا يختلف عن متحف اللوفر في باريس، فاللوفر أبوظبي يخلق وصلات بين المعروضات والقاعات. هناك ارتباطات كأنك تدخل رحلة عبر التاريخ، وبالنسبة لنا كأبوظبي، لأننا نرى أننا منطقة كانت حلقة وصل بين الحضارات عبر طرق التجارة، فكذلك نرى أن اللوفر أبوظبي يجسد طبيعة المنطقة».

وعن وجود الفن الخليجي، تقول: «هناك قطع من المنطقة، فهناك القرآن المملوكي على سبيل المثال». وتعلق ردا على سؤال حول عما إذا كان هناك اتجاه لضم أعمال عربية معاصرة تقول: «لا، حاليا هذه هي القطع لدينا، وهي جزء من المجموعة التي يملكها المتحف. بدأ الاقتناء منذ عام 2009، ونستمر في شراء القطع، وهي عملية لا تنتهي؛ فنحن بصدد إقامة متحف حي متجدد».

وتنهي حديثها بالإشارة إلى أن المتحف سيضم عند افتتاحه في 2015 قطعا معارة من عدد من المتاحف الفرنسية، التي أقام المتحف اتفاقيات معها لاستعارة وتبادل الأعمال.