«بني آدم» غارق في مآسيه.. وأفلام لا تنجز ما تحاول إنجازه

الأردأ والأقل رداءة ثم العادي

من «بني آدم»
TT

* يوميات مهرجان الخليج السينمائي - 6

* مجيد عبد الرزاق هو منتج ومخرج وممثل وكاتب سيناريو في شخص واحد. حقق من مطلع هذا القرن أربعة أفلام طويلة، اثنان منها مقتبسان عن الرواية التي يعتقدها أفضل ما كتب من روايات، «الكونت دي مونت كريستو». يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا تتصور مدى إعجابي بهذه الرواية. أعجبت بها إلى درجة أنني صنعت منها فيلمين، أحدهما باللغة العربية والآخر بالهندية. وفي رأيي أنها تحتوي على كل عناصر الفيلم الدرامي من حب وانتقام وتضحية وبذل في سبيل المبدأ. قليلة هي الروايات التي تحتوي على كل هذه العناصر مجتمعة، والتي تناسب مبادئنا وأخلاقياتنا فتبدو كما لو أنها عربية المنشأ أيضا».

عبد الرزاق، الذي يشترك في مهرجان الخليج السينمائي الحالي (انطلق منذ الحادي عشر وينتهي في ليل السابع عشر من الشهر)، طوع رواية ألكسندر دوما إلى البيئة المحلية في «العقاب» (2006) قبل أن يقوم بعد عامين بسرد حكاية المكتشف البريطاني ولفرد ثيسجر الذي جاب الصحراء العربية في مطلع القرن الماضي في فيلم بعنوان «رمال عربية». بعده عاد إلى رواية دوما وقدمها في فيلم هندي.

كل هذه الأفلام تميزت بإنتاج مرفه وكبير وبمناظر خلابة، والأهم بقدرة احترافية جيدة وإن لم تكن متكاملة. «العقاب» كان مثيرا في طريقة سرده حكاية تتابعها كمغامرة متعددة الأطراف، والنسخة الهندية كفيلم بوليوودي مطعم بعناصر الفيلم الهندي التجارية. «رمال عربية» كان عملا صعبا عانى من سيطرة موسيقى طاغية ودوران جزء من الحكاية حول نفسها في عدة أماكن.

لكن عبد الرزاق لم يكن راضيا. يقول: «وضعت الكثير من المال في هذه الأفلام وخسرته. لم تعد علي بأي أرباح، لذلك قررت أن يكون فيلمي الرابع «بني آدم» فيلما تجاريا في الأساس».

* أسلوب ما قبل السينما

* للأسف، «بني آدم» ليس فيلما تجاريا هو أيضا. إذا كانت تلك الأفلام أخفقت في العثور على مشاهديها فإن السبب ليس في أنها لم تكن موجهة إلى الجمهور السائد، بل لأن قنوات العروض المحلية وقنوات بيع الأفلام وتوزيعها خارج دولة الإمارات ثم خارج منطقة الخليج بأسرها شبه معدومة، لكن «بني آدم» هو من الركاكة بحيث إنه لن يصل إلى ذلك الجمهور العريض المأمول حتى وإن وجد توزيعا.

مهرجان الخليج السينمائي في دورته السادسة أحسن اختياره (خارج المسابقة) لأنه كان لا بد له من تقديم بانوراما عريضة لكل ما هو جديد، كما لحاجة بعضنا إلى التعجب حول كيف يمكن لمخرج فيلم أن يتقصد صنع فيلم على هذا النحو.

المخرج هو بطل الفيلم الرئيس، سلطان. وبعد لقطات العناوين الأولى التي يتمنى المرء أن لا تكون بدورها عنوانا لما سنراه، نتعرف عليه في قصره الكبير ذي الثراء البالغ وهو يتقلب في نومه مع تعليق صوتي يقول لنا إن سلطان ليس سعيدا في حياته رغم كل ثرائه. لقد افتقد النوم وراحة البال منذ سنوات ولأسباب سيشرحها الفيلم بفيض من المواقف في نصفه الثاني (مدته ساعتان وثلث الساعة). إلى أن يفعل ذلك فإن الفيلم يمشي على عكازين من الحوارات السقيمة والمشاهد المفتعلة أداء وحسا ومن المشاهد المركبة كما لو كانت مصنوعة في الثلاثينات أو الأربعينات. بعد الشرح المستفيض فإن حس الميلودراما يزداد وترتفع من وسطه مواقف تراجيدية تحتوي على محاولة قتل شاب اسمه سليم يحبه سلطان كما لو كان ابنه على يدي مساعد لسلطان اسمه خليل، الذي ينظر إلى الكاميرا ويصرخ في وجهها ويتعمد إظهار بشاعة الشخصية التي يؤديها بعيونه وملامحه كما لو أن أحدا من صانعي الفيلم لم يشاهد ممثلي أدوار شر تجاوزوا بمواهبهم مثل هذا الأداء الفج منذ أن نطقت السينما في الثلاثينات، بل - في الواقع - من قبل أن تنطق.

التراجيديا تضرب وتضرب بشدة، فإذا بسلطان يحاول الانتحار ويفشل وينتهي مقعدا، لكن عدالة السماء تقتنص من خليل. ولا يمكن تفويت قصة حب مربعة الأطراف: امرأتان في حب سليم. سليم في حب واحدة منهن، وهي من يضع سلطان عينه عليها.

خلال العرض لم يستطع إلا القلة، في صالة امتلأت بالمشاهدين، إخفاء ضحكه، وبوجود المخرج الذي اشتكى بعد ذلك من أن «الناس كانت تضحك على لهجتي». الحقيقة أن لهجة عبد الرازق، كونه من أصل غير عربي، هي بعض السبب، وهو ما كان يجب أن يمثل بها لادغا بأكثر من حرف فيها، لكن لو كان هذا هو الخطأ الوحيد لتحمله المرء، لكنه لم يكن سوى عنصر دائم في عناصر دائمة تبدأ مع اللقطة الأولى وتنتهي مع الأخيرة.

* بالإشارة

* الفيلم بقي مثار تعليقات متهكمة ليومين، وفي رأي البعض أنه سيكون فيلم «Cult»، وهي التسمية التي تعني طائفة من الأفلام (أو المعتقدات) التي من شدة غرابتها تصبح نتوءا خارج المعتاد. لكنه ليس الفيلم الوحيد الذي يخفق في تسديد أهدافه ولو أنه أكبرها.

«رسائل من الكويت» هو فيلم وصف بأنه طليعي من المخرج كريم غوري ومن إنتاج جامع بين الكويت والإمارات العربية المتحدة وفرنسا ولا يمكن سبر غوره. يصدك إذا ما حاولت الإعجاب برغبة مخرجه في إنجاز عمل فني لا يعرف التنازل. لقطات طويلة ثابتة وواعدة يبدأ بها، لكن بعد خمس دقائق أو نحو ذلك يغلب الأسلوب المنطق والضرورة الدنيا لبث حرارة في الفيلم. قد تكون حرارة درامية أو تسجيلية أو جمالية، لكنه لا يفعل، وما يطغى هو تعليق صوتي دائم بالفرنسية باستثناء مشهد واحد باللغة العربية. ليست هناك شفاه تنطق وتتحرك، فالتعليق الذي يتحدث عن محاولة «بطل» الفيلم وضع علاقته بأبيه تحت محك البحث متذكرا هوانها، والذي يقرأ رسائل يبعث بها إلى ابنه قبل أن يختلط كل شيء ليؤلف منهجا واضحا فقط في بال مبدعه، هذا التعليق يلغي الحاجة إلى السينما، إلى لغة الصورة. ليس هناك تمثيل بين شخصين أو أكثر ولا حتى تمثيل لفرد واحد في ذلك، هو تسجيل لخطاب مع صور تصاحبه.

أفضل منه فيلم سعودي مشترك في المسابقة للمخرج سمير عارف اسمه «صدى»، لكنه أفضل منه لسبب معين: لديه موضوع اجتماعي جيد حول الصبي المولود لزوجين لا يسمعان ولا يتكلمان ويتعاملان مع العالم الصامت حولهما بالإشارة. الصبي يتحمل تبعات ذلك خجولا من الوضع ومستاء منه. في الوقت ذاته هناك مذيعة عرجاء تكتشف أن إعجابها بمثقف استقبلته في برنامجها لم يكن في مكانه كون المثقف امتنع عن إرسال الرسائل الهاتفية إليها حالما شاهدها تعرج. ثم هناك الجارة التي تصرخ في وجهي زوجها وابنها في كل مشهد مع سعي للمقارنة بين عائلة الصم والبكم مع تلك العائلة التي لا معيقات لها وتحبيذ تآلف الأولى وانسجامها رغم عذاباتها.

هذا هو الموضوع، لكن هذه ليست القصة. بالأحرى، تمضي المواقف من دون شعور المخرج بضرورة تطويرها والقبض على الخط الحكائي الضروري لكل فيلم روائي. المشاعر بين الشخصيات حادة، لكن علاقة الفيلم بجمهوره باردة. وكما الحال مع الفيلم التسجيلي السعودي «العرس الكبير» لفيصل العتيبي، حول تقاليد الزواج لدى مواطني جزر القمر، فإن صنع الفيلم لحساب التلفزيون يحد من قدراته التوجه إلى الجمهور السينمائي.

بالإضافة إلى ذلك، هناك الصبي الذي يؤدي الدور الرئيس وصبي آخر يؤدي دور رفيقه، وهذا الرفيق هو أفضل تمثيلا من الممثل الذي تقع على عاتقه مهمة حمل الفيلم فتنوء تعابيره بالمهمة. في معظم لقطاته هو إما من دون تعابير وإما بتعابير غير صحيحة.

* بوليس

* «أصيل» (في المسابقة أيضا) من عمان لخالد الزدجالي هو أفضل من فيلم روائي سابق قام بتحقيقه قبل نحو أربع سنوات. إنه عن العادات والتقاليد وفيها، بدوره، حكاية صبي يرحل من البادية إلى المدينة مع مقارنات بيئية واجتماعية والكثير من رصد التقاليد ورياضة سباق الجمال ومراسيمها. يصنع المخرج فيلما جديرا بالمتابعة لهذه الخصائص لكنه لا يخلو أيضا من مشكلات التعلم خلال العمل ومن كتابة كان يمكن لها أن تأتي أفضل وتمنح المخرج أفكارا ومضامين وطرق تعبير أكثر ثراء مما قام به.

ليلى البياتي، وهي فنانة نصف عراقية - نصف فرنسية تحقق فيلما أولا لها بعنوان «برلين تلغرام» تتابع فيه نفسها، إذ تخرج وتمثل، وهي تنتقل من بروكسل إلى برلين ومن برلين إلى القاهرة في منوال لاكتشاف الذات يرتفع وينخفض تبعا لإذا ما كان الفصل المعروض يحتوي على مضمون آخر سواها. وهو عادة لا يفعل. صديقها، الذي لا نعرف عنه الكثير، تركها وقلبها مكسور نتيجة ذلك. تحاول نسيانه عبر كتابة وغناء المزيد من الموسيقى تساعدها في ذلك شقيقتها هنا (هناء البياتي)، لكن الفيلم يواصل كي الحكاية تكرارا من ناحية وتقديم بطلته / مخرجته كما لو أن المأساة، حين رسمت، رسمت حولها استثناءا عن العالم بأسره. لكن ليلى وفريقها التقني يسبر غور هذا الفيلم بنجاح يفوق نجاحها كفنانة وكراوية درامية.

«ضابط مباحث» (قسم «أضواء») هو فيلم كويتي آخر من المخرج المداوم داود شعيل. مثل أفلام سابقة له مثل «القناص» و«شرطي الفريج»، يبدو الفيلم الجديد هذا كما لو كان جزءا تم فصله عن حكاية أو عن فيلم طويل. هناك ضابط يوكل بالمهمة الأولى وهي نقل مجرم وتاجر مخدرات إلى النيابة العامة (وحده وبسيارة أميركية قديمة!) والمجرم يفلت (أو بالأحرى يتبخر، إذ إنه لا يمكن أن يكون ترك السيارة من دون ملاحظة الضابط الذي كان على بعد قدمين منه). الآن الضابط يقبع في منزله لكنه يلبي نداء الواجب حين يصل إليه خبر بمكان وجود المجرم الذي يقتل رجلي أمن آخرين قبل أن يصل بطل الفيلم ويجهز عليه.