المدير العام: أفلام الطلاب أكثر جرأة ومستقبل المهرجان أكثر ثباتا من ذي قبل

مسعود أمر الله: هناك ألف سبب يمنع إمكانية انتقال الفيلم المحلي إلى الخارج

من فيلم «دار الحي» لعلي مصطفى ( الإمارات 2009)
TT

* يوميات مهرجان الخليج السينمائي 7

* اختتم مهرجان الخليج السينمائي دورته السادسة ليل أمس (الأربعاء) بحفلة توزيع جوائز استجاب لها الحاضرون بكل الاهتمام الذي تستحقه. الأفلام المتنافسة في أقسام المهرجان كان عليها أن تصل إلى خط النهاية وتنتظر قرارات ستة محكمين: ثلاثة في لجنة تحكيم المسابقة الخليجية وهم المخرج أسامة فوزي والمشرفة فايزة أمبا والمخرج سعيد سالمين الميري. ولجنة تحكيم المسابقة الدولية والمسابقة الخليجية للطلبة وتتألف من المخرج وليد الشحي والناقدة ريما المسمار والمخرجة فردريك دوفو.

إنه من الطبيعي أن تتفاوت الأفلام، وهي تفعل ذلك في كل مهرجان على كوكب الأرض، وحقيقة أننا في اليومين الماضيين التفتنا إلى الأفلام التي أخفقت في تحقيق كل أهدافها أو لم تنجز ما سعت إلى تحقيقه كاملا، إلا أن الطبيعي أكثر حقيقة وجود أفلام جيدة هي البصمة الحقيقية للجهد المبذول.

كذلك من نافلة القول أن المهرجان يختار مما هو متوفر، والقائمون عليه لا يبخلون بأي جهد لاستحواذ أو اختيار الأفضل إذا ما أدركوه أو ناسب المهرجان وهويته الفنية أو اهتماماته الإنتاجية. لذا لم يخلُ المهرجان من ذروات جيدة كما الحال في «بيكاس» لكرزان قادر، و«الصرخة» لخديجة السلامي، و«مطر وشيك» لحيدر رشيد، كما من أفلام تقف في منتصف الطريق بين نجاح الأهداف وفشلها وهذا وحده إنجاز مبدئي جيد وحال «الزواج الكبير» لفيصل العتيبي و«صدى» لسمير عارف.

والأمر نفسه يمكن أن يقال وصفا لباقي الأقسام، فالتفاوت أمر عادي والرغبة في أن تأتي معظم الأفلام جيدة أو لافتة أو متميزة هو أيضا طموح ضروري ولو أنه ليس بالضرورة ممكنا لأنه، وكما يقول مدير المهرجان مسعود أمر الله آل علي في حديثه الخاص بنا: «الغاية ليست إتقان كل فيلم معروض، فنحن نتحرك ضمن ما هو متوفر، لكن الغاية هي تقدم المهرجان واجتيازه خطوات واسعة إلى الأمام، وهذا ما نحن بصدده وحققناه، كما أعتقد، في هذه الدورة».

المدير العام لمهرجان الخليج (والمدير العام لمهرجان دبي السينمائي الدولي أيضا) له حضور بالغ الأهمية على صعيد الحركة السينمائية في منطقة الخليج بأسرها. هذا لم يتأتَّ من خلال إدارته للمنصب بنجاح فقط، وليس بسبب شخصيته الطيبة ذات الأخلاق الحميدة وحدها، بل لأنه في الأساس من صلب السينما، إذ مارس النقد ومارس الإخراج وطالما كانت لديه طموحات في مجال الفن السابع، باشر بتوحيدها عندما فكر في مطلع القرن الحادي والعشرين بإقامة مهرجان للسينما الإماراتية أدى نجاحه السريع إلى توسيع الدائرة ليشمل الخليجية، وهو الآن مهرجان بين تلك المتخصصة والمعروفة عالميا.

* هذه كبرى دورات مهرجان الخليج السينمائي. أصبح في عامه السادس أكبر حجما وأعلى طموحا وأكثر تفاعلا مع رغبات السينمائيين من حوله... إلى أي مدى يستطيع المهرجان أن يكبر؟

- أعتقد أن المهرجان وصل هذا العام إلى الحجم الذي يعكس النمو الذي تمر به السينما في الخليج ويعكس أيضا نمو المهرجان عاما بعد عام. الآن بات علينا أن نوفر جهودنا في استكمال الغايات المختلفة التي وضعنا أسسها منذ الدورة الأولى. أنت تعلم أن الغاية الأساسية من وراء هذا المهرجان لم تكن يوما مجرد الاحتفاء بالسينما الخليجية عبر عرض أفلامها. طبعا تنظر إلى الأفلام المتوفرة وتنتقي منها ما هو الأفضل والأنسب، لكننا أيضا حاولنا أن نحول هذه المناسبة إلى احتفاء بالإنجازات كلها. أن لا يفوتنا تقدير الجهود المختلفة لأن كل دورة هي جزء من التاريخ، بل إن كل دورة هي تأريخ للسنة التي تقام فيها، وإذا وضعت الأفلام التي عرضناها من الدورة الأولى إلى اليوم، نجدها تؤلف بانوراما توثق للمراحل التي مرت بها السينما الخليجية ذاتها. هذا هو أمر مهم جدا بالنسبة إلينا، والأمر الثاني المهم الذي سعينا لتأكيده في هذه الدورة هو أننا نريد للمهرجان أن يؤكد صلاحية المواهب الموجودة، كفاءاتها واستعدادها للعمل، وأن السينما الخليجية باتت موجودة كواقع.

* هل هناك عوائق؟

- نعم، بالتأكيد. أنا لا أتحدث عن صناعة سينمائية لأنها غير موجودة بالمعنى الدقيق أو العلمي للكلمة، وبصراحة لا أتوقع لها أن تتم سريعا.

* مخرجو الأفلام القصيرة باتوا ينادون، كما نادى النقاد من قبل، بأن تقوم المحطات التلفزيونية بشراء أفلامهم لكي تدعم تجاربهم ولكي يستطيعوا المواصلة. لكن لنفكر واقعيا، هل هناك احتمال أن يتحول الفيلم القصير إلى مركز جذب تجاري؟

- لنأخذ الفيلم القصير مثالا. محطات التلفزيون لا تكترث لعرضه. ليس النوعية التي تهتم بها، لذلك هو عمليا غير موجود في برامجها. لكن السبب في عدم وجوده هو المحطات ذاتها التي لا تستقبله. والحال نفسه بالنسبة للفيلم الروائي الطويل. قبل سنوات أخرج «دار الحي» (تم تسميته بالإنجليزية «مدينة الحياة») وتباحث مع التلفزيون لبيعه. تبين له سريعا أن المحطات تود شراء هذا الفيلم بسعر لا يتجاوز خمسة آلاف دولار. هي تدفع للأفلام الأجنبية أضعاف ما عرضته عليه، لكنه حين يأتي الأمر لفيلم محلي فستحاول الحصول عليه بأرخص ما يمكن. إلى ذلك، عليه تولي التكاليف الأخرى كلها من توفير الطبعة المناسبة للعرض التلفزيوني والترجمة والحملة الترويجية، بالإضافة إلى شروط مادية مجحفة أخرى... أين سيجد المخرج الإماراتي أو الخليجي القدرة على الاستمرار والمتابعة إذا ما كانت الفرص التجارية معدومة، لا صالات سينمائية تعرضه ولا محطات تلفزيونية؟

* يخيل إلي أن الموزعين السينمائيين والمحطات التلفزيونية يستفيدون من البلاد التي تستضيفها لكنهم يأنفون عن خدمتها.

- صحيح، لذلك تبقى صناعة السينما عندنا طموحا كبيرا لا يتحقق إلا بصعوبة كبيرة، وإلا لشهدنا تقدما كبيرا في حقل الإنتاج لأن الخامات موجودة. ما هو ليس موجودا إمكانية انتقال الفيلم المحلي إلى الخارج. هناك ألف سبب يمنع ذلك. ثم هناك أن السينما الخليجية كلها تتمنى لو تتحقق إمكانية عروض الأفلام تجاريا في السعودية. هذا سيحقق طفرة فورية وسيدعم السينما الخليجية على نحو كبير.

* كالعادة هناك مسابقتان للأفلام القصيرة. واحدة للطلبة والأخرى للمحترفين. أنت تشاهد كل الأفلام وأكثرنا اطلاعا. ما الذي تلاحظه من خلال مشاهداتك كفروقات أو اختلافات بين أفلام الطلاب وأفلام المحترفين؟

- هناك اختلافات معينة ومهمة. أفلام الطلاب تجدها أكثر جرأة في العرض وفي كيفية العرض. أي في المواضيع المختارة من حيث إنها أكثر حدة، وفي الاستعداد للإقدام على تجارب في الإخراج كون المخرجين جددا وطموحين ولا يخشون التجربة والخروج عن التقليدي. السينمائيون المحترفون باتوا أكثر التزاما وبعضهم حذر أكثر مما يجب. نظرتهم ليست طازجة كما نظرة الفريق الأول.

* هناك صندوق يعيش في داخله الكثير من المخرجين الخليجيين. أقصد لو أنك شاهدت أفلاما تركية وآيرلندية قصيرة لوجدتها بالغة الثراء على عكس معظم ما نراه في الأفلام القصيرة العربية.

- هذا صحيح. يعود إلى ما ذكرته من الرغبة في الحذر. يميل المخرجون عموما إلى الاكتفاء بما يعتقدون أنهم يجيدونه. وهناك التقليد أيضا.

* ماذا تقصد؟

- أقصد أنه إذا ما حقق أحدهم فيلما ناجحا فإن الآخرين يريدون تقليده حتى وإن لم يكن الفيلم الناجح جيدا. هناك رؤية محدودة للأشياء. هناك ما يمكن أن نسميه بالأفلام المعتدلة. ليست أفلام مهرجانات فقط وليست أفلام صالات تجارية محضة. هذه النوعية تستحق أن تنتشر لكن من الصعب على كثيرين معرفة الكيفية. هو إما يجنح إلى فيلم فني بالكامل وإما إلى فيلم تجاري بالكامل سواء نجح في إحدى هاتين الغايتين أو لا.

* هل تعتبر أن فيلم «وجدة» السعودي هو أحد الأفلام التي سيسعى المخرجون الآخرون لتقليده؟

- نعم ولا. نعم من حيث إن التجربة ذاتها تستحق. لقد أمضت المخرجة هيفاء المنصور أربع سنوات ثابرت فيها على العمل قبل أن تنفذ هذا الفيلم. وهذا أمر يستحق التنويه. الفيلم ذاته أمر آخر.

* أنت من أنصار الفيلم القصير وأوليته اهتماما وسعيت لإنجاح تجاربه. هل تعتقد أن له مستقبلا؟

- نعم، بل هو يعيش المستقبل الذي وعد به حين تم تأسيس هذا المهرجان رغم ظروف صعبة، وأنا ما زلت متفائلا به.

* كما ذكرت في مطلع الحديث، يؤرخ المهرجان للسينما الخليجية عموما. ماذا عن المستقبل، مستقبل المهرجان ومستقبل السينما التي يعرضها؟

- طبعا يرتبط المهرجان والسينما التي يتولى دعمها والعمل على تنشيطها ارتباطا وثيقا. وكل واحد يؤثر في الآخر. بالنسبة لمستقبل المهرجان هو الآن أكثر ثباتا وقوة مما كان عليه من قبل، بل وفي أي فترة سابقة. كل ما عملنا على إنشائه في السنوات الأخيرة من صناديق دعم وتوفير فرص وما نقوم به منذ هذه السنة وهو إنشاء سوق للسينما الخليجية هو دلالات تؤكد نجاحه وتزيدنا إيمانا بمستقبله. الحالة التي يمر بها الفيلم السينمائي الخليجي لا تزال حالة إيجابية، ربما ليست ثابتة بعد على ركائز تجارية قوية والكثير من المخرجين ينتظرون الفرص المناسبة للاندفاع في مشاريع جديدة وهذا حقهم، وهم كما ذكرت أنت ينادون بذلك ويصرون عليه. لكن الطريق ذاتها ما زالت صعبة كما كانت. عليك أن تقنع الجمهور الكبير أن يؤازر هذا الجهد ويمنحه ثقته، وهذا لا يتم بخطوات سريعة لأن الفيلم الخليجي محروم من الفرص التلفزيونية والسينمائية وتجده يبحث دائما عن رد ذلك الاستثمار الذي أودعه في إنتاجه ليستطيع القيام بإنتاج آخر.

* لكن ما هي النظرة حيال ذلك المستقبل؟ ما الذي تتوقع أن يستطيع المهرجان إنجازه وما لا يستطيع؟

- أتوقع أن يستمر المهرجان بأداء رسالته التي هي سببه وهدفه. لكن نعلم جميعا بأن تضافر الجهود هو أمر مهم. بمعنى أنه إذا ما كان المهرجان بمثابة البيت الكبير الذي تلتقي فيه سينمات المنطقة الخليجية والعربية عموما، فليكن، وعلى الرغم من الظروف التي تمر بها السينما في الخليج. نتطلع إلى مزيد من الدعم ما دمنا اعتبرنا أن هذا المهرجان هو الكيان الأمثل لهذه السينما. وهو ليس دعما لنا فقط، بل هو دعم للسينمائيين أنفسهم. لذلك سعيد بالاتفاق الذي حصل بيننا وبين مؤسسة «وطني» الذي أعلناه قبل أيام بمناسبة هذه الدورة، والذي تم على أساسه الاتفاق على دعم أربعة أفلام إماراتية طويلة تسجيلية أو روائية بمبالغ جيدة. هذا الاتفاق هو دعم لمحاولاتنا خلق صناعة جيدة ومتواصلة لسينما كانت حتى وقت قريب جدا غير موجودة على الإطلاق.