«عودة سدير».. العودة إلى الجذور عبر استجلاء الماضي

البحث عن أسطورة غيلان وقصره المنيف ومسكن الشاعر «ذي الرمة» في البلدة

جانب من القرية التراثية في عودة سدير
TT

على ضفاف وادي الفقي «سدير حاليا»، تتربع بلدة عودة سدير بآثارها المطمورة وأسوارها وآبارها القديمة، ومبانيها الحجرية والطينية، وبمزارعها المتناثرة هنا وهناك، لتنسج قصة بلدة تنام على كنوز من الآثار، طمرتها عوامل الزمن وتعاقب الأجيال، منتظرة معاول الآثاريين لاستجلاء حقيقتها في واحدة من أقدم المستوطنات البشرية وسط الجزيرة العربية، ومنتظرة استكمال المحاولات الخجولة التي بدأت قبل ثلاثة عقود لسبر أغوار هذه البلدة، والكشف عن كنوزها المطمورة التي اختلطت حولها الحقيقة بالأسطورة وخصوصا أسطورة غيلان، وبئره المنقورة في زاوية من قصره اللافت بموقعه المميز، بأسواره المنيعة وطرازه المعماري الفريد.

وأتاحت أسرة الضويحي لمجموعة من الأسرة الإعلامية والباحثين، من بينها «الشرق الأوسط»، زيارة «عودة سدير»، والاطلاع على ماضيها بآثارها المطمورة، وواقعنا اليوم، حيث العودة إلى الجذور من خلال إعادة تأهيل القرية القديمة، والحفاظ على آثارها، وإحياء المظاهر القديمة وإعادة ترميم وبناء المنازل والمرافق العامة من مساجد ومدارس وأسواق، واستثمار ذلك وتسويقه سياحيا مع إيجاد فرص عمل لأبناء العودة، والأسر المنتجة وتحقيق عوائد مجزية في ظل تنامي النشاط السياحي، من خلال إقامة فعاليات في القرية التراثية للزوار امتدادا للمهرجان السنوي الذي يقام بالقرية القديمة، ويشتمل على الأنشطة التراثية والشعبية، مثل التعليم القديم، والمتحف، والمجلس الشعبي، والمزرعة القديمة، والمأكولات السائدة، والأطباق التي يقدمها المطبخ في عودة سدير، وتجول الوفد في بيت الضويحي التاريخي والسوق القديمة.

سجلت عودة سدير اسمها في كتب البلدانيين، وكانت تعرف قديما باسم «جماز» وهي مدينة قديمة، حيث تشغل المباني والأطلال والآبار على ضفتي وادي الفقي، الاسم القديم لوادي سدير، مساحة واسعة تمتد من الغرب إلى الشرق بطول 20 كيلومترا، مشتملة على أحياء: العودة حاليا، وغيلان، وجماز، والقرناء، ومسافر. وقال ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان»: «والفقي واد في طرف عارض اليمامة من قبل مهب الرياح الشمالية، وقيل هو لبني العنبر ابن عمر بن تميم، نزلوها بعد قتل مسيلمة، لأنها خلت من أهلها وكانوا قتلوا مع مسيلمة»، وأورد الهمداني في صفة جزيرة العرب وصف موقع عودة سدير من قوله: «ثم تقفز من العتك في بطن ذي أراط، ثم تستند في عارض الفقي فأول قراه جماز»، وقبل أكثر من ثمانية عقود كتب الرحالة لويمر ضمن ما كتبه عن منطقة سدير: «وما زال النخيل بها كبيرا ويوجد فيها العنب والليمون والرمان، كما وردت إحصائيات عن العودة في دليل الخليج القسم الجغرافي بأن العودة تتكون من 200 منزل».

ويعد وادي أراط ضمن الحدود الجغرافية للعودة، وقد ذكره الكثير من الشعراء، لعل أبرزهم الشاعر الجاهلي العنجهي عمرو بن كلثوم، حيث كان أراط محمية لقبيلة الشاعر تغلب من ربيعة، فإذا شخصت القبيلة لغزو جمعت إبلها في وادي أراط ووضعت على مداخله حراسا، وقال الشاعر في ذلك: ونحن الجالسون بذي أراط تسف الجلة الخور الدرينا وتعد عودة سدير موطن الشاعر الأموي الكبير «ذي الرمة» الذي وصفه النقاد بـ«شاعر الحب والصحراء»، حيث أجاد في وصف طبيعة الصحراء وحيواناتها ومفازاتها وجبالها ورمالها وشجيراتها، ويبدو أن مسكن الشاعر كان في الأسفل الأيسر من بلدة العودة، وكان ذو الرمة يخرج منها إلى صحراء الدهناء والصمان لينتجع بماشيته مساقط المطر ومنابت الشجر كسائر عرب الجزيرة من أهل الحضر.