محمود نجم.. صانع «غزل البنات»: بالسكر أرسم البهجة على وجوه الأطفال

لا يخجل أن يورثها لأولاده.. ومكسبها يتضاعف في المواسم والأعياد

TT

«الرزق يحب الخفية» و«الإيد البطالة نجسة».. عبارتان بسيطتان شكلتا وعي الشاب محمود، وهو يبحث عن فرصة عمل إضافية لزيادة دخله، حتى يستطيع أن يسد أعباء الحياة، التي تزداد ضغوطها يوما بعد آخر.

وبعد تفكير ومشورة مع أسرته وبعض الأصدقاء وجد محمود ضالته في حلوى «غزل البنات». وبدأ يردد في نفسه كنوع من التحفيز قائلا: «مفيش طفل مبيحبش غزل البنات، ده حتى الكبار بيحبوه».. عوامل أخرى حفزت محمود على لجوئه لصناعة غزل البنات وبيعه لأطفال «الحتة» أنه يسكن في منطقة شعبية بعزبة النخل في ضواحي القاهرة. بالإضافة إلى سبب شخصي مهم وهو حبه لغزل البنات منذ كان صغيرا وحتى الآن، فهذه الحلوى تحمل له الكثير من ذكريات الطفولة الشجية، الأمر الذي جعله يقبل على شراء ماكينة صنع غزل البنات عندما ضاق به الحال ولم يعد راتبه في وحدة الغاز بجامعة عين شمس يكفي لسد احتياجات البيت.

وبخبرة هذا الحب يتابع محمود نجم البالغ من العمر 38 سنة قائلا: ترجع صناعة غزل البنات في مصر للعهد الفاطمي وقبلها كانت موجودة في بلاد الشام. وقد فكرت في هذا المشروع منذ عدة سنوات بسبب ضعف راتبي وزيادة أعباء الحياة وغلاء الأسعار إضافة إلى أن أولادي الثلاثة يحتاجون كل يوم إلى مصاريف كثيرة بخلاف الوالدين. ولم يكن أمامي ويناسب ظروفي سوى ماكينة صنع غزل البنات، فهي صغيرة الحجم وسهلة الحركة ورخيصة الثمن. وقد اشتريتها من منطقة النحاسين بقلب القاهرة بـ(750 جنيها) بالإضافة إلى وحدة مكونة من سخان وقرص دائري يوضع فيه السكر وسلك كهربائي ثمنها 50 جنيها، أي أن تكلفة المشروع 800 جنيه وبعد ذلك قمت باستخراج شهادة صحية لمزاولة النشاط.

عقب عودة محمود نجم من عمله في الرابعة عصرا، يتناول غداءه ثم يأخذ ماكينة غزل البنات ويقف بها على ناصية الشارع حتى الثانية عشرة في منتصف الليل. وفي المناسبات والأعياد يأخذ الماكينة ويقف بها أمام الحدائق العامة القريبة من مسكنه. ويوضح: «صناعة غزل البنات ليست صعبة»، الأمر يحتاج فقط إلى السكر ووعي بالمقادير، حيث أقوم بوضع معيار كوب من السكر داخل القرص الدائري الذي يتوسط الوعاء الأساسي للماكينة ثم يتم توصيل الكهرباء والإمساك بطرف شفاط «شاليمو» رفيع ولفه في حركة دائرية معاكسة لاتجاه حركة القرص الدائري فيحدث غزل للسكر حول شفاط الشاليمو بكميات كبيرة وتستغرق هذه المرحلة دقيقتين وهكذا في كل شاليمو يتم غزله بالسكر المتطاير داخل الوعاء النحاسي ويمكن غزل مائة شاليمو لكل كيلو سكر ويبلغ سعر الشاليمو الواحد من 50 قرشا إلى جنيه، حسب كمية الغزل.

يؤكد محمود نجم أن الربح من وراء صناعة غزل البنات ليس ثابتا، فقد يبيع في اليوم بنحو 5 جنيهات وفي يوم آخر يبيع بعشرة أو عشرين جنيها. وفي الأعياد يصل البيع لأكثر من 50 و100 جنيه في اليوم الواحد، وفي أيام أخرى لا يبيع فيها شيئا، خاصة في أوقات البرودة الشديدة والحر الشديد.

ولا يقتصر شراء غزل البنات على الأطفال فقط، بل يشتريه الكبار أيضا، وأوضح محمود أنه من الممكن إضافة بعض الألوان الطبيعية التي تباع عند العطار إلى حبيبات السكر لكي يكسب غزل البنات تلك الألوان مثل اللون الأحمر أو الأصفر.

وعن المشاكل التي تواجه نجم في صناعته لغزل البنات يوضح أنها تكمن في تعرض سخان ماكينة الغزل للتلف أكثر من مرة بسبب السكر الغامق فهو ثقيل على السخان، ومن ثم تقل حركة القرص الدائري الذي يطحن السكر ويبعثره على الشاليمو. ولذلك أصبح يتعامل مع السكر الأبيض الفاخر والذي يتراوح سعر الكيلو منه بين 4 و6 جنيهات. أيضا من المشاكل التي تواجهه تعرضه في مرات قليلة لإصابة في أصابع يده من القرص الدائري أثناء لف غزل البنات على شفاط الشاليمو وذلك نتيجة السهو والانشغال بشيء آخر وتلك هي مخاطر ومشاكل الصنعة.

محمود قال: إنه فكر كثيرا في الوقوف بماكينة غزل البنات أمام المدارس وهو ما سيجلب له مكاسب كثيرة، لكنه في كل مرة كان يتراجع بسبب ما يتعرض له الباعة الجائلون أمام المدارس لمطاردة رجال الشرطة والبلدية وهو ما حدث مع أحد صناع غزل البنات الذي تعلم منه الصنعة ويدعى «العم» بلال فقد قامت شرطة المرافق بأخذ الماكينة الخاصة به وقامت بكسرها رغم أن لديه تصريحا من وزارة الصحة وكان معلقا على ماكينة غزل البنات. وبسؤاله عن السماح لولديه مستقبلا بوراثة تلك المهنة، قال: إنه لن يمانع فهي مهنة شريفة وغير شاقة وغير مكلفة، كما أنها مهنة نظيفة ومربحة وعدد العاملين بها قليل جدا، ففي كل منطقة تجد فردا أو اثنين يصنعون الغزل وهو عدد قليل مقارنة بحجم الأطفال الذين يقبلون على شراء غزل البنات ويعشقون طعمه.