المهرجان الأول لأفلام البيئة ينطلق في أبوظبي

سينما متاعب الإنسان على الأرض

المنطقة العازلة (اليابان)
TT

مهرجان «أبوظبي لأفلام البيئة» هو آخر مولود سينمائي بين مهرجانات السينما العربية، والوحيد من نوعه الذي يدور حول البيئة. انطلق أول من أمس (السبت) تمهيدا لجولة من 4 أيام لاحقة تختتم في الـ25 من الشهر الحالي بحفلة إعلان الجوائز لأفضل فيلم طويل، وأفضل فيلم قصير وأفضل فيلم إماراتي عن البيئة.

هو الوحيد من نوعه، لكن فرادته ليست ضمانة لنجاحه، بل هي تميز يأتي في الوقت المناسب مع ارتفاع الإدراك العام بمشكلات البيئة حول العالم. مشكلات تعبر عنها أفلام متزايدة العدد وكثيرة التنوع، لو تم استقبالها جميعا لكان على المهرجان أن يمتد لأكثر من 10 أيام حتى يستوعب الجيد منها.

يرعى المهرجان الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم بالمنطقة الغربية ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «موفي لاب» النشطة في مجالات إعلامية مختلفة، من بينها الإنتاج التلفزيوني والإذاعي، كما في إقامة المناسبات والمهرجانات.

وحسب معلومات المكتب الصحافي على الأقل، فإن عدد الدول المشتركة بلغ 42 دولة قدمت ما مجموعه 170 فيلما. طبعا لا يسع الناقد إلا أن يذكر أن بعض الأفلام مزدوجة أو مثلثة (أو حتى رباعية) الإنتاج ما يجعلها تُحصى مرتين أو ثلاث مرات. وهذا لم يعد حكرا على مهرجان دون آخر؛ فكثيرون يعمدون إلى هذا النهج، مما يرفع عدد الدول المشاركة في نظر الجمهور والإعلاميين. لكن مهرجانا كهذا كان يستطيع أن يذكر الرقم الحقيقي استنادا إلى الجهة الرئيسة أو إلى الجنسية التي ينتمي إليها المخرج فيما لو كان التمويل متناصفا بين دولتين مثلا. فالأهمية التي على هذا المهرجان الإيمان بها هي ضرورته ورسالته.

* أفلام عربية

* ومن المفرح جدا أن تكون هناك أفلام عربية تم ضمها إلى العروض المتسابقة تكشف عن اهتمام مخرجيها وصانعيها بالبيئة ومشكلاتها، وطرح قضاياها على المشاهد العربي. في هذا الإطار، هناك 13 فيلما إماراتيا مختلف الأطوال (من 3 دقائق وما فوق) تتناول هبات الطبيعة من الماء إلى الهواء، ومن الثمار إلى المزارع والحياة داخل المدن وخارجها.

من بينها «القيمة التي نضيفها» لوليد المدني (تسجيلي) و«إيكون» لمحمد رسول (روائي قصير) و«الاستمطار» لمحمود مصطفى. لكن المرء لا يفهم لماذا تم ضم فيلم من إنتاج أميركي - تنزاني إلى هذا القسم، حتى وإن كان خارج المسابقة. الفيلم هو تسجيلي طويل تم تصويره في ساحل العاج وأوغندا سنة 2011، وعرض في العام الماضي بنجاح ملحوظ في نحو 20 دولة.

أفلام عربية أيضا تعرض في مسابقة الفيلم القصير، من بينها 5 لمخرجين عرب، وهم رولا شماس التي حققت فيلما عنوانه «F» بين لبنان وإيطاليا. سالم علي منصور يقدم فيلمه العماني «السدود في سلطنة عُمان»، بينما يقوم الكويتيان عبد الله الكندري وهدى محمود بتقديم «حياة من دون ألوان» يتبعه بعد غد (الأربعاء) فيلم قطري شوهد مؤخرا في مهرجان «الخليج السينمائي»، بعنوان «8 مليار» من إخراج رياض مقدسي.

في مسابقة الفيلم الروائي الطويل المؤلفة من 7 أفلام طويلة، هناك فيلم للمخرج المصري سعد هنداوي بعنوان «دباويا». هذا حسن باستثناء أن الفيلم من 47 دقيقة (بما في ذلك العناوين) ما يجعله فيلما متوسط الطول.

فيلم الافتتاح هو «أرض موعودة» للمخرج غس فان سانت في واحد من أعماله التي تمر شفافة. الفيلم جيد النية، ولو أنه متواضع الصنعة أيضا. ليس غريبا افتتاح المهرجان به على الرغم من أن الحديث عن البيئة يمر في وسطه وليس في صلبه. إنه يتحدث عن حالات الاستيلاء على الأراضي الزراعية بأثمان بخسة بغية تحويلها إلى منشآت صناعية أو استهلاكية. ما يحدث للمزارعين الأميركيين يبدو الدافع الأول لكتابة وإنجاز الفيلم. للمخرج المستقل فان سانت، ابن الستين الذي سبق له أن روى حكايات كثيرة صغيرة وكبيرة، من بينها ما كان سيرة ذاتية صاخبة، «ميلك»، ومنها ما كان أقرب إلى تمارين تجريبية، «جيري»، يضع الشخصية (تلك التي يؤديها أحد كاتبي الفيلم وممثله الأول مات ديمون) أمام الحكاية.

يعرض الفيلم الذي يتولى مات دامون بطولته، قضية المزارعين الموزعين بين وعود ثراء سريعة، إذا ما استثمرت شركة غاز طبيعي أراضيهم، والمحافظة عليها والكف عن الركض وراء الحلم. في مكان ما بين الجانبين، تبرز قضايا البيئة وكيف أن مثل هذه العمليات عادة ما تكلف المواطنين أرواح مواشيهم ونقاوة مياههم وصحة منتجاتهم. لكن الفيلم يتحول تدريجيا إلى حكاية خداع تقع بين الشخصية التي يؤديها مات دامون والشركة التي استأجرت خدماته للترويج بين المواطنين فكرة بيع أراضيهم. يتمنى المرء معه لو أن الصراع حول قضايا البيئة بقي العنصر الذي يقود الأحداث، عوض أن يظهر ثم يتراجع إلى خط ثان وثالث.

* من بنغلاديش إلى تشاد

* عرض خاص أقيم في الوقت ذاته ليتعارض مع فيلم الافتتاح، «العاشرة ليل يوم السبت»، هو «نمور أفريقية» لكيث سكولي واليستر فوترجيل. فيلم تسجيلي أميركي - تنزاني تم تصويره في ساحل العاج وأوغندا عن الأسود والنمور الأفريقية، من إنتاج عام 2011. إنه حكاية من إنتاج والت ديزني، وهذا وحده وصف كافٍ، كون الأعمال التي تنتجها المؤسسة الضخمة المعروفة لا تضع في حسبانها الحديث عن المخاطر البيئية، أيما كان مصدرها، بل تقديم حكايات مسلية، حتى عندما يكون الفيلم تسجيلي المعالجة. إنه بديع الصورة وأفضل مما قد يلتقطه المرء على محطة «ناشيونال جيوغرافي»، لكنه لا يختلف في النهاية كثيرا.

أفضل المعروض، مما شاهده هذا الناقد، هو الفيلم التسجيلي «هل تستمع؟» لكامار أحمد سيمون، وتصويره خرج بالجائزة الأولى في مهرجان «سينما الشريط» (Cinéma du Réel). إنه فيلم فعلي عن البيئة يصور بكاميرا لا تعمل حسب أجندات أخرى، حكاية عائلة من ثلاثة أفراد تعيش في قرية صغيرة في بنغلاديش اسمها سوتارخالي. يصور معاناتهم الدائمة التي ازدادت صعوبة بفضل طوفان غطى الأرض ومكث برهة كافية ليفسد التربة التي يعيش القرويون منها، كونهم مزارعين جيلا وراء جيل. على الرغم من ذلك، تعيش الزوجة راحول على أمل أن ترى مستقبلا مختلفا لابنها الصغير، مدركة أن الصعوبة كامنة كيفما اتجهت لتحقيق هذا الأمل، خصوصا أن صحة زوجها لم تعد تساعده على العمل.

هذا فيلم مؤثر كيفما نظرت إليه، لكنه في الدرجة الأولى صادق وجيّد العمل. يقصد تصوير جهود أهل الأرض في تأمين حياتهم الحاضرة والحلم بما قد يمكنهم من الاستمرار في الغد. بصدقه نفسه ينبري «العيش/ البناء»، فيلم تسجيلي آخر أخرجه الفرنسي كليمانس أنسيلين وصوره في تشاد الشرقية، وسط تلك الصحراء التي لولا بناء طريق يربط بعض المدن لما انتعش الجوار بالعمال والمهاجرين بحثا عن عمل أو فرصة لاقتطاع ثروة صغيرة. المشروع فرنسي، والمنطقة التي اتخذها المشروع مركز تجمع تصبح أمل البعض في فتح دكاكين لبيع ما قد يحتاج إليه العامل. لكن البيئة الاجتماعية كلها تعيش وضعا من الفقر الصعب والمخرج يرصد ويعرف. هذا ليس فيلما عن البيئة بحد ذاتها، لكنه عن وجود اجتماعي في منطقة صحراوية معزولة يتعايش فيها تشاديون من قبائل ومصادر شتى، بغية تحقيق أمل صغير واحد.

كثيرة هي الأفلام اليابانية والصينية والتايلاندية التي استوحت من مأساة فوكوشيما موادها، لكن فيلم المخرج توشي فوجيوارا «منطقة لا أحد» يترك طعما مرا مذكرا بتلك الكارثة البيئية الكبرى. هنا يتابع رجل من بين أولئك الذين يحيون على مقربة من المنطقة المعزولة التي تحيط بالمصنع النووي الذي ضربه الإعصار، فبث سمومه. والمخرج محق حين يذكر أن الفيلم هو جمع بين الصورة والخوف منها. يذكّر «منطقة لا أحد» بفيلم المخرج الفذ أندريه تاركوفسكي، سبق «ستوكر» الذي كان روائيا، لكنه تحدث عن منطقة محظور الدخول إليها تثير الفضول والرعب كذلك.

فيلم الاختتام سيكون «كون تيكي» النرويجي الدنماركي البريطاني الألماني المشترك. عن أحداث حقيقية وقعت سنة 1947 (حين لم يكن يهدد البيئة أي خطر فعلي) ويرصد المخرجان يواكيم رونينغ وإسبن ساندبيرغ سعي 5 أفراد للإبحار فوق عوامة بدائية من ساحل البيرو إلى جزر بولينسيا الواقعة قرب جزيرة تاهيتي. الفيلم محاولة نصف ناجحة لمحاولة هؤلاء البحارة بقيادة شخص اسمه هايردول، ويلعب دوره سفيري فالهايم هاغن، للبرهنة عن أن هنود أميركا الجنوبية هم من أبحر في فجر التاريخ إلى تلك الجزيرة التي تقع على بعد 3800 ميل بحري.

فشل هذا الفيلم في صيد أوسكار أفضل فيلم أجنبي، لكنه يكشف عن تصوير جيد يضمن مناخ الفيلم المغامراتي ونقاء صورته. لكن ما يتفاعل دراميا على الشاشة من مواقف ومشاعر وتوفر داخلي لبعض شخصيات الفيلم يبقى سطحيا وفاترا. وفوق كل شيء لن يدرك المشاهد ما علاقة هذا الفيلم بموضوع البيئة.