المخرجات العربيات في مهرجان «بيردز آي فيو» السينمائي اللندني

«على الحافة» لليلى الكيلاني يفوز بجائزة أفضل فيلم روائي

المخرجة الفلسطينية ناهد عواد
TT

يقدم مهرجان «بيردز آي فيو» السينمائي الذي يقام في لندن سنويا هذا العام احتفالية بالمخرجات السينمائيات، مدفوعا بحقيقة أنه في المملكة المتحدة، كما يقولون، «تمثل النساء نسبة 10 في المائة من مخرجي الأفلام». وكتبت «بي بي سي» مؤخرا أنه، بحسب مركز دراسة النساء في التلفزيون والسينما في كاليفورنيا، فإن السيدات يشكلن نسبة 9 في المائة فقط من المخرجين الأميركيين. غير أنه على الرغم من القالب النمطي الممثل في الخنوع عن وضع النساء في الشرق الأوسط فقد نقل عن معهد الفيلم بالدوحة قوله إن 42 في المائة من المنح التي يقدمها تذهب إلى مخرجات.

ومع قرار مهرجان «بيردز آي فيو» بتركيز دورته التي تنطلق في هذا العام على المخرجات العربيات، فقد عرضت مجموعة قوية من الأفلام على شاشات السينما البريطانية، مما أدى لبرنامج ممتد على مدار الأسبوع نفدت كل تذاكر حضوره تقريبا.

وصرحت إلهوم شاكريفار مديرة مهرجان «بيردز آي فيو» في مقابلة أجرتها معها صحيفة «الشرق الأوسط» بأنه «إحصائيا، يعتبر عدد المخرجات السينمائيات على مستوى العالم أقل من عدد المخرجين. وهذا ينطبق على معظم قطاعات العمل. ولكن مع هذا المهرجان، نوجه رسالة مفادها: نعم نسبة 10 في المائة فقط من المخرجين سيدات، لكن الأعمال التي يقدمنها رائعة، دعونا نحتفل بها. إننا نقوم بتضمين الأفلام التي نشعر بأنها تستحق تسليط الضوء عليها، لكن لم يتم إبرازها بالقدر الكافي حتى الآن».

وفي هذا العام، نجد أن مجموعة الأنماط المنتقاة في البرنامج والتي تمثل نطاقا واسعا من الموضوعات تظهر نقطة واحدة فقط: تنوع الأفلام التي تخرجها نساء من المنطقة العربية. عرض المهرجان أفلاما تعلق عليها آمال كبيرة مثل «عندما رأيتك» لآن ماري جاسر، وهو دراما تدور أحداثها في مخيم للاجئين، وفيلم «وجدة» للمخرجة هيفاء المنصور، الذي تدور قصته حول فتاة شابة تبلغ سن الرشد، لكنه سلط الضوء أيضا على أفلام خفيفة لمخرجات لم تعرض أفلام لهن من قبل مطلقا في المملكة المتحدة، مثل المخرجة السعودية عهد كامل والمخرجة المصرية هالة لطفي، التي تقدم أولى تجاربها السينمائية. ولإضفاء حيوية تحمل طابعا موسيقيا لتصاحب سحر الشاشة، تم عزف مقطوعة موسيقية للمؤلفة الموسيقية اللبنانية - البريطانية بشرى الترك لتصاحب عرض فيلم الرسوم المتحركة الصامت للوت ريتينغر «مغامرات الأمير أحمد» الذي أنتج عام 1926. وأوضح تنوع الأفلام جليا حقيقة أن الاحتفال بأعمال المخرجات السينمائيات كان نقطة ثانوية، بينما انصبت النقطة المحورية على تقنيات صناعة السينما والموضوعات التي تطرحها الأفلام.

تشرح شاكريفار قائلة: «يبدو أن الناس يتوقعون أن النساء سوف يخرجن أفلاما عن النساء وللنساء، بلمسة ناعمة نوعا ما». وينظر بشكل عام إلى تصنيف الأفلام بوصفها «من إخراج سيدات» على أنه تركيز اجتماعي سياسي، وبإضافة كلمة «عربيات» إلى ذلك، يزداد هذا القالب عمقا بدرجة كبيرة. وتشير شاكريفار إلى أنها «منطقة واسعة النطاق بحق تتنوع بها تقاليد صناعة السينما». وفي إطار عملية البحث التي تجريها، سافرت شاكريفار لحضور مهرجانات سينمائية في الدوحة والقاهرة وأبوظبي ومناطق أخرى للبحث عن مخرجات ومقابلتهن. تقول: «بعض الدول صاحبة تاريخ سينمائي عظيم، مثل مصر، وبعضها الآخر تعتبر فيه السينما فنا نشأ حديثا، مثل الإمارات العربية المتحدة. ثمة تقاليد وخلفيات وحكايات تاريخية مختلفة، وأردنا أن نعكس ذلك. لكنني أعتقد أن هذا حدث بصورة طبيعية».

من الصعب تحديد ماهية الاهتمام الذي أدى لبيع التذاكر بسرعة. تقول شاكريفار: «الشيء الذي كان من الممتع رؤيته هو التنوع الحقيقي في فئات الجماهير. يمكننا أن نتبين ذلك من تساؤلات الجمهور التي تنوعت ما بين تساؤلات لمبتدئين إلى تساؤلات من جانب أفراد يبدو أن لديهم قسطا كبيرا من المعلومات عن الموضوعات المقدمة ومناخ صناعة السينما، بل وحتى كل مخرجة على حدة». ومع تنوع الأفلام ووجود جمهور مختار، ركزت الموضوعات التي تمت مناقشتها إبان حلقات المناقشات بالأساس على صناعة السينما.

«يما» فيلم بطولة وإخراج الجزائرية جميلة صحراوي. إنه فيلم تدور أحداثه على جبل عن الحب والخسارة والقرابة ومن أجمل الأفلام من حيث اللغة السينمائية. شخصيات الفيلم ثلاثة فقط مما أثار تساؤل الجمهور عن قيام المخرجة بالدور الرئيس. وتجيب جميلة: «لقد بحثت لفترة طويلة عن الممثلة المناسبة، لكنني لم أعثر عليها. من المفترض أن تكون البطلة نحيفة ومتيبسة مثل الأرض التي تعيش عليها. لم أكن في البداية على ثقة من أنني أصلح لهذا الدور، لكن الآن وبعد مرور وقت على المشروع أرى أنني لم أكن خيارا سيئا».

وجمع بين أربعة أفلام قصيرة قضية الأسرة والتقدم في العمر خلال العرض المخصص للأفلام القصيرة. وكان فيلم «Short Scenes from a Long Marriage» (مشاهد قصيرة من زواج طويل) لرانيا عطية ودانيل غارسيا بالأبيض والأسود مصورا بشكل رائع ويستعرض السخافة المأساوية اللاذعة الحلوة لمرور الزمن والتقدم في العمر معا. وفاز بجائزة «بيف» لأفضل فيلم قصير فيلم «Soubresauts» ومعناه بالفرنسية «شد» من إخراج ليلى بوزيد. وهو قصة غامضة لشابة في ورطة يكشف علاقة من التفاهم تجمعها بوالدتها.

ويقدم لنا الفيلم الوثائقي القصير من إخراج نادية شهاب «حديقة أمل» لمحة نادرة دافئة عن حياة أسرة تركمانية في كركوك بعد الاحتلال. والفيلم الأخير القصير هو «تلاتا» لسابين الشماع. وتتساءل الشماع من خلال فيلمها: «متى لا تكون السرقة سرقة؟». ويروي الفيلم قصة امرأة تترك متجرا من دون أن تدفع ثمن بزة تريد ارتداءها في جنازة.

ويجسد العرض المخصص للأفلام القصيرة نموذجا مصغرا للأفلام الروائية التي يتم إنتاجها اليوم، حيث تناقش الشماع تغير الوضع المالي في الشرق الأوسط. وتقول بنبرة خيالية: «إن أفلامي التي لم تخرج للنور بعد مثل الجمال النائم الذي يوقظه قبلة من أموال مهرجان دبي السينمائي».

يتناول الفيلم الوثائقي الفلسطيني «غزة تنادي» قضية جادة هي قضية بطاقات الهوية وتنقل الفلسطينيين الذين يعيشون في أراض منفصلة عن بعضها البعض من خلال استعراض حياة أسرتين تحاولان التوحيد بين الضفة الغربية وغزة. وأجابت المخرجة عن أسئلة بشأن طريقة سردها للقصة والتركيز على الجانب الإنساني أكثر من الرصد الممل للإجراءات. وتوضح المخرجة ناهد عواد قائلة: «لقد أردت أن أكون صوت الذين يعانون مما يحدث أكثر مما يعانون من الساسة».

وتم الإعلان عن أسماء الفائزين في المهرجان خلال حفل الختام الأسبوع الماضي. وحصل على جائزة أفضل فيلم روائي «على الحافة» لليلى الكيلاني الذي يتناول الحياة العملية لفتاتين تعملان في مصنع جمبري في مدينة طنجة التي تشهد تغيرات مستمرة. أما جائزة أفضل فيلم وثائقي، فقد فاز بها فيلم «ليال بلا نوم» للمخرجة اللبنانية إليان الراهب، والذي يتناول الحرب الأهلية اللبنانية ويتساءل عما إذا كان التسامح وتصحيح الأخطاء ممكنا أم لا.

وتقول شاكريفار: «جزء من رؤية المهرجان هو تسليط الضوء على أفلام قوية. لقد وضعناهن معا بطريقة تحتفي بحركة عظيمة تحدث في المنطقة العربية تكونت بفضل فرص التمويل والشبكات الجديدة والمعارض وما إلى ذلك. ويشمل هذا الرجال، لكن ما لاحظناه هو مشاركة عدد كبير من النساء، بل لعلهن في الصدارة».