دور السينما الدمشقية ضحية الأحداث الدامية التي تشهدها سوريا

أغلقت إحداها وتوقف تجديد «سينما الأمير» العريقة

صالات السينما تأثرت كثيرا بالحرب الدائرة في سوريا
TT

يلاحظ العابرون فوق وأسفل جسر فيكتوريا الشهير وسط العاصمة السورية دمشق ومنذ أيام قليلة بناء جدار من البلوك الإسمنتي حول منشأة جميلة تجاور الجسر وتطل عليه، ولا شك فإن كثيرا من العابرين أثارهم الأمر خاصة المثقفين والمتابعين للشأن الثقافي وعند الاستفسار كان. وحسب التسريبات الإعلامية فإن إدارة السينما التي تعود ملكيتها للمنتج السينمائي المعروف (نادر أتاسي) قررت إغلاقها في الفترة الحالية بسبب قلة روادها والتكلفة المالية الكبيرة التي تقع على تشغيل أفلامها مع غياب أي ربح وتغطية للنفقات.

ولعل المثير والمحزن أن سينما دمشق التي ظلت لسنوات طويلة شبه مهملة كان أصحابها السباقون لتحديثها قبل نحو خمس سنوات من خلال ترميمها وتطويرها حيث كانت تعرض أحدث الأفلام العالمية، فما يعرض في هوليوود يعرض بنفس الأسبوع في صالتهم والتي أطلق عليها اسم «سينما سيتي» بعد أن حدثوها وطوروها مع إدخال البعد الثالث والتقنيات الحديثة فيها. كما افتتح فيها مقهى راق يطل على الجسر وعلى بعض معالم دمشق العريقة وشوارعها التراثية. وقد لاقت الدار إقبالا من محبي وعشاق السينما ومن الجيل الشاب قبل الأحداث لينخفض الإقبال كثيرا بسبب الوضع الأمني والحرب التي تشهدها البلاد.

وعلى الرغم من أن الصالة وكغيرها من صالات السينما التي ما زالت تعمل في دمشق وعددها لا يتجاوز عدد أصابع اليدين حاول أصحابها التأقلم مع الوضع الطارئ بتغيير مواعيد عروض الأفلام وتخفيضها، بحيث تنتهي العروض قبل الساعة السابعة مساء في حين كانت قبل الأحداث تستمر حتى الواحدة ليلا إلا أن ذلك على ما يبدو لم يفلح في جذب الرواد بالشكل المطلوب.

وفي السياق ذاته أوقف أصحاب سينما الأمير في بداية سوق الصالحية الشهير وسط دمشق مشروع إعادة افتتاح دارهم السينمائية التي كانوا قد بدأوا بتحديثها وترميمها قبل سنتين وليتوقف العمل فيها حاليا متريثين بسبب الأحداث الحالية وعزوف الرواد عن ارتياد دور السينما.

وسينما الأمير التي تعود ملكيتها للسينمائي المخضرم أنطون مسعود تأسست أوائل خمسينات القرن المنصرم وتوقفت عن العروض سنة 2004 على أن ترمم وتحدث وتعود بشكل جديد كما هي حال سينما دمشق (سيتي) ولكن كانت هي الأخرى ضحية الأحداث الحالية حيث تم إيقاف المشروع إلى إشعار آخر!.

يذكر هنا أن دمشق عرفت انتشار دور السينما منذ نحو مائة عام وكان كثير من سكانها يعتبرون الذهاب لدار السينما متعة رائعة ولكن مع دخول التلفزيون في الربع الأخير من القرن الماضي جعل الدمشقيين يعزفون عن الحضور لدور السينما ومع ذلك بقي لها روادها. وفي ثمانينات القرن المنصرم تم اتخاذ بعض القرارات الحكومية اعتبرت مجحفة في حق أصحاب دور السينما الخاصة ومنها حصر استيراد الأفلام الجديدة بمؤسسة السينما الحكومية وقرارات أخرى تم معالجتها فيما بعد وتحديدا في السنوات العشر الأخيرة.

ويوضح المؤرخ السينمائي الدمشقي محمد لبابيدي أن «أول صالة افتتحت في دمشق سنة 1916 في شارع الصالحية تحت اسم (جناق قلعة) وكانت تعرض أفلام كاوبوي وبوليسية صامتة والأشخاص فيها يسيرون بسرعة في الفيلم وكانت قابلة للاشتعال ولذلك احترقت الصالة بعد ستة أشهر من انطلاقتها، بعد ذلك افتتحت سينما (باتييه) في ساحة المرجة سنة 1918 ولتكر السبحة، حيث ضمت دمشق وحتى ثمانينات القرن المنصرم نحو 30 دار عرض سينمائية (كان آخر دار سينما تأسست هي سينما الشام سنة 1982) من مختلف الفئات حيث تصنف بدرجات أولى وثانية وثالثة تختلف من خلالها بثمن بطاقة الدخول، حيث كان الفيلم الجديد القادم يعرض في العام الأول في سينما الفئة الأولى ومن ثم ينتقل لصالات الدرجات الأخرى، بحيث يسمح ذلك لجميع فئات المجتمع الدمشقي مشاهدة الفيلم الغني والفقير، خاصة وأن الدمشقيين بمختلف مشاربهم من مثقفين وأميين ومتعلمين وتجار وموظفين وغير ذلك كانوا يعتبرون الذهاب للسينما حالة اجتماعية عائلية وضرورية، وينظرون إلى أن متعة مشاهدة الفيلم في السينما لا توازيها أي متعة أخرى لا التلفزيون ولا حتى شاشة ضخمة.