المكتبات العامة في بريطانيا تواجه خطر الإغلاق بسبب التقشف

بعد 150 سنة في خدمة الجمهور.. وناشطون يسعون لإنقاذها

في السنوات الأخيرة، أنفق المهتمون جهدا كبيرا لجعل المكتبات جذابة ومفيدة لأكثر قطاعات المجتمع (تصوير: جيمس حنا)
TT

تواجه الكثير من المكتبات العامة في بريطانيا خطر الإغلاق تطبيقا لسياسات التقشف التي أعلنتها الحكومة البريطانية، وفي الوقت نفسه نظم ناشطون حملات تدعو إلى أهمية عامل الابتكار والحلول غير التقليدية لإنقاذ المكتبات العامة في بريطانيا التي تواجه مشاكل متعددة.

المكتبات العامة في بريطانيا هي مجموعة من الكتب والمعلومات الأخرى تحتفظ بها السلطات المحلية لصالح الجمهور. يعود تاريخها إلى أكثر من 150 سنة، وكثير من الخدمات التي تقدمها المكتبات العامة مجانا. وتعود خدمة المكتبة العامة والمكتبات المتنقلة إلى المجالس المحلية الفرعية في بريطانيا، وغيرها من المؤسسات مثل دور المسنين ومراكز الشباب.

وكان معهد المكتبات والوثائق والمعلوماتية في بريطانيا قد حذر من أن نحو خمس المكتبات العامة في البلاد تواجه خطر الإغلاق، فيما أقر آلان ديفي الرئيس التنفيذي لمجلس الفنون، بأن المكتبات العامة تواجه أوقاتا عصيبة ومرحلة حافلة بالتحديات خاصة مع خفض النفقات العامة بسبب الأزمة المالية. والخيارات لاستمرار المكتبات العامة مفتوحة للقراء في القرن الحادي والعشرين خلال إدارة هذه المكتبات «بشراكة مستحدثة ومبتكرة» مع ممثلين للقطاع الخاص والجمعيات الأهلية والخيرية والمجالس المحلية.

وحسب التقرير الذي شارك في إعداده لفيف من ممثلي الهيئات المعنية بالكتاب وجهات الحكم المحلي في بريطانيا إلى جانب بعض مشاهير الكتاب مثل فيليب بولمان وجوليا دونالدسون، فإن زيادة الاعتماد على المتطوعين يمثل أحد السبل لاستمرار المكتبات العامة على قيد الحياة، كما أن المزيد من الكتب لا بد أن توزع عبر منافذ متعددة سواء كانت متاجر أو دور عبادة ومجالس محلية في أحياء المدن والريف فضلا عن المراكز الصحية والمستشفيات وحتى أقسام الشرطة.

ورغم كل المخاوف المبررة بشأن مستقبل المكتبات العامة وقراءة الكتاب الورقي في زمن الإنترنت فقد أظهر التقرير نجاحات حققها برنامج «مكتبات المستقبل» الذي أطلق في العام الماضي وتضمن عشرة مشاريع تجريبية واسترشادية لدعم المكتبات العامة وتشجيع القراء من الشباب وصغار السن على استعارة الكتب من هذه المكتبات. والطريف أن هذا البرنامج يشجع في المقابل فئة كبار السن من القراء على التعامل مع الكتب الإلكترونية مع تقديم أفضل خدمة ممكنة لكل رواد المكتبات العامة.

وتشير الأرقام الحكومية إلى انخفاض الكتب المعارة بنسبة 4% وأعداد المرتادين لها بنسبة 32% خلال الخمس سنوات الماضية في سياق تبرير خطتها الجديدة.

وترد الحكومة بأن الزمن تجاوز عصر الأوراق المطبوعة وأصبح الآن التركيز على بدائل جديدة للحصول على المعرفة من الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة.

التبريرات غير مقنعة لمرتادي المكتبات خاصة أصحاب المعاشات أو الذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع التكنولوجيا الحديثة والهواتف الذكية ويقول في هذا الصدد، جون استويد متقاعد «يجب أن تبقى هذه المكتبات مفتوحة لدينا طلاب ذوو احتياجات خاصة يرتادونها وهي دائما مزدحمة فلماذا يريدون إغلاقها».

بعض الحانات والمحلات التي تبيع المواد الغذائية والمشروبات، قامت مؤخرا بوضع مكتبات بداخلها تتيح لزبائنها قراءة الكتب واستعارتها. ويقول استويد إن البلديات لم تطور المكتبات وكانت دائما تتحجج بأي حجة لكي توفر المال هنالك انخفاض في مستوى المكتبات فهي في مبان قديمة وغير جذابة. ويضيف استويد أن المكتبات لا تقدم لزوارها الكتب وحسب بل تقدم برامج ترفيهية وعلمية وهي ثروة قومية ينبغي الحفاظ عليها.

وبين عامي 1993 و2000. تم إغلاق 203 من المكتبات العامة و29 من المكتبات المتنقلة، وكان السبب الأساسي هو عدم وجود تمويل من السلطة المحلية.

وبناء على ذلك وفي السنوات الأخيرة، أنفق المهتمون جهدا كبيرا لجعل المكتبات جذابة ومفيدة لأكثر قطاعات المجتمع، ولا سيما من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وتصر الحكومة الائتلافية أنها ملتزمة بالحفاظ على خدمة المكتبة ذات الجودة العالية، لكنها قالت أيضا إنها تعتقد أن هناك حاجة إلى «إعادة التفكير الجذري» على كيفية تسليمها.

وعن تاريخ المكتبات يقول ريس ستالارد في وزارة الثقافة والإعلام والرياضة البريطانية بأن المكتبات العامة بدأت في الظهور في منتصف القرن 19. بعد قانون المكتبات العامة لعام 1850. الذي كان ينص على أن الأحياء التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 10 آلاف يسمح لها بفتح مكتبة بدعم من المجالس المحلية التي تعتمد في تمويلها على الضرائب العامة.

وكانت المكتبة الحرة واحدة من الكثير من المجموعات في فترة العهد الفيكتوري التي كان تعمل من أجل «تحسين مستوى الجمهور» من خلال التعليم. وبحلول عام 1900، ارتفع عدد المكتبات العامة إلى 295 في جميع أنحاء بريطانيا.

وحسب ستالارد تخضع خدمة المكتبة اليوم إلى قانون 1964 للمكتبات العامة والمتاحف، الذي يجعل من السلطات المحلية تقدم «خدمة مكتبة شاملة وفعالة»، ويضع هذا العمل تحت إشراف الحكومة المركزية. وهذا هو حاليا دور وزير الدولة للثقافة والإعلام والرياضة.

وفي عام 1995 قامت وزارة التراث القومي بإنشاء لجنة للمكتبات والمعلومات كمصدر وطني لتقديم المشورة للحكومة بشأن جميع القضايا المتعلقة بقطاع المكتبات والمعلومات. تم استبدال ذلك في عام 2000، إلى مجلس المتاحف والمكتبات والمحفوظات.

وفي عام 2003 قامت السلطات البريطانية بتحديد رؤية تتكون من 11 نقطة لتطوير المكتبات بحلول عام 2013 حتى تكون جذابة للجمهور وتواكب التطور التكنولوجي من أجل المستقبل.

من المتفق عليه على نطاق واسع، من قبل مجموعات المكتبات والحكومة المحلية، أن يتم تمويل خدمات المكتبة من إيرادات المنح، وهذا الأمر أدى إلى خسارة المكتبات بسبب ارتفاع الإنفاق. وقد أدى هذا النقص إلى الإغلاق وتخفيضات في ساعات العمل والخدمات في بعض المناطق. وحذرت جمعية المكتبات في عام 2000 من أن 15 فقط من المكتبات في البلاد كلها ستفتح أمام الجمهور لمدة 60 ساعة أو أكثر في الأسبوع.

ولذلك فقد وجدت بعض المكتبات أنها تدور في حلقة مفرغة بسبب انخفاض التمويل، الأمر الذي أدى إلى تدني الخدمات، وتناقص شعبيتها من الجمهور. وقد أظهرت الدراسات، أن مستخدمي المكتبة هم في الغالب من الطبقة المتوسطة. وقد بذلت جهود كبيرة في السنوات الأخيرة لتوسيع نطاق الكتب التي تحتفظ بها المكتبات لجعلها أكثر ملاءمة للأقليات العرقية والجماعات الأخرى، مع بعض النجاح.

وقد سعت الحكومات المتعاقبة، حسب ستالارد، لضمان استمرار المكتبات بعد أن قامت بإدخال تقنية المعلومات لخدمة المكتبات وفي عام 1997 كانت 5% من المكتبات تتعامل مع الإنترنت وبحلول 1999 ارتفعت إلى 41% وفي عام 2004 وصلت إلى 67%.وقد شجعت الحكومة الائتلافية التوجه في هذا الاتجاه. وفي يوليو (تموز) 2010 قام وزير الثقافة إد فايزي، بالتعاون مع جمعية المكتبات بأن تصل خدمات الإنترنت للمكتبات لمساعدة نصف مليون شخص من اكتساب المهارات الرقمية للتعامل مع الكومبيوتر بحلول نهاية عام 2012.

وحسب الإحصائيات هنالك 3300 مكتبة عامة في إنجلترا وأن المجالس المحلية تنفق 900 مليون جنيه إسترليني سنويا في المكتبات العامة. وأن أكثر من 60 من البريطانيين لديهم بطاقة المكتبة.

هناك أكثر من 92 مليون كتاب في المكتبات في المملكة المتحدة.

وحسب دراسة بريطانية أن القراءة يمكن أن تقلل من مستويات التوتر بنسبة تصل إلى 67 والأنشطة الاجتماعية في المكتبات تساعد في التقريب بين الناس في المجتمعات المحلية.

يمكن أن تساعد أيضا الكتب في علاج قضايا الصحة العقلية الخطيرة مثل الخرف. وتشير الدلائل إلى أن القراءة يمكن أن تقلل من مستوى الخرف بنسبة 35.

ويذكر ستالارد «المكتبات هي الأماكن التي يمكن للناس تطوير حب حقيقي مع الكتب ويمكن الوصول إلى المعلومات. وأن تكون أماكن جذابة يمكن من خلالها قيام ملتقيات للموسيقيين وأصحاب الدراما، والفنانين التشكلين».

وحسب رأي ستالارد أصبحت المكتبات الآن تقدم خدمات الفيديو والكتب الإلكترونية والأقراص المدمجة للأفلام والأغاني والوصول إلى خدمات المكتبة من خلال شبكة الإنترنت ولكن: «لا أعتقد أنها سوف تحل محل الكتب المطبوعة أو غيرها من مصادر المعلومات تماما لكنها تعززها وترغب الجمهور للتردد على المكتبات».