معرض «شاي مع نفرتيتي» يزور باريس بعد الدوحة

يستضيفه معهد العالم العربي

نفرتيتي .. نقطة الانطلاق
TT

يقول المصريون «ما غريب إلا الشيطان». وفي هذا المعرض الذي فتح أبوابه، منذ يومين، في معهد العالم العربي في باريس، شيء من الغرابة التي تربك الزائر، للوهلة الأولى.

إنه يقوم على فكرة مبتكرة لا تخلو من نظرة فلسفية، مقترحا قطعا من الآثار والمنحوتات والصور واللوحات والأفلام والوثائق التي لا يجمع بينها جامع. ثم يحاول الزائر، بمساعدة لوحات الشروح المعلقة على الجدران، أن يفهم الحزورة القائمة وراء هذا التجميع الذي يبدو عشوائيا.. لكنه مدروس.

إذا فهمت فأنت لماح وذكي وتستحق ارتياد الآفاق المديدة لتاريخ الإبداع الإنساني. أما إذا لم تفهم فلا بأس أن تهمل كل هذه الشروح المعقدة، وأن تتجول بين القاعات متمتعا بأعمال لفنانين سمعت بهم، أو بلوحات بديعة لأسماء كنت تجهلها وجاء المعرض ليوفر لك فرصة التعرف إليها.

وتبقى إشكالية العنوان الذي يرتكز على الجاذبية الكبيرة لاسم الملكة الفرعونية نفرتيتي، مع لعبة لفظية تجمع (بالفرنسية) ما بين «النظرية» و«الشاي». إنها نظرية نفرتيتي، أو دعوة إلى احتساء الشاي معها، أو الاثنين معا.

ويشير دليل المعرض، الذي سبق أن استضافته الدوحة، إلى أنه حمل هناك عنوان «شاي مع نفرتيتي». ولعل فكرة التسمية جاءت من الصورة التي اختيرت لملصق المعرض وتبدو فيها امرأتان متنكرتان بتسريحة فرعونية تشربان الشاي على دكة دكان شعبي.

يوضح سام بردويل، الذي تشارك مع تيل فيلراث في مهمة الإشراف العلمي على المعرض، أنه اختار منحوتة نصفية لنفرتيتي رمزا لما تحاول هذه التظاهرة تقديمه، وهو «كيف يمكن النظر للأعمال الفنية وأساليب استخدامها في تشكيل صورة عن ثقافة الآخر؟».

إن نفرتيتي إن حكت، هو معرض يجمع 25 فنانا ويتألف من 3 فصول: الفنان، والمتحف، والمجتمع. وحسب اللوحات التوضيحية فإن القائمين عليه يوجهون الدعوة للمتفرج لكي «يراجع عملية النظر والتفكير بالعمل الفني، وأن يتطلع إليه باعتباره دليلا لعملية تواصل ثقافي ولعمليات إعادة الصياغة التي يخضع لها، خارج ضوابط المعنى والرسائل التي تفرض عليه، ومعايير السرد التاريخي الداعي للجدل».

مسكين ذلك المترجم الذي كان عليه أن ينقل هذه التهويمات إلى العربية.

في قسم «الفنان»، تركيز على إنجاز المبدع من حيث شكل عمله ومضمونه، مع اهتمام بخصوصية المكان والزمان اللذين ينتمي إليهما. ومن أبرز المعروضات في هذا القسم منحوتتان متجاورتان تبدوان شقيقتين رغم الحقب التاريخية الفاصلة بينهما؛ الأولى تمثال فرعوني من الأسرة الـ19، أي يعود إلى 1250 سنة قبل الميلاد، والثاني هو منحوتة «القيلولة» للفنان المصري محمود مختار، أنجزها عام 1928 لفلاحة تسند رأسها إلى كتفها، في لحظة غفوة، وهي جالسة على الأرض.

وفي قسم «الفنان» أيضا يرى الزائر شاهدة لضريح قبطي من القرن الثامن الميلادي، وصورة فوتوغرافية كبيرة توحي بالحراك الذي كانت عليه مصر، التقطها مصور مجهول في القاهرة لجماعة «الفن والحرية» عام 1941.

في قسم «المتحف» يرى الزائر ما يفترض أنه، حسب اللوحة الشارحة، «استكشاف لتقنيات العرض البصرية القادرة على تحويل العمل الفني، من حيث المعنى والوظيفة وقدرة العرض، إلى نقد للدور الذي تلعبه المتاحف في صياغة حقائق غير خاضعة للنقد، وفي نشر صور محددة للحضارات.

ومن خلال رصد الرحلات التي خاضتها بعض الأعمال الفنية المحددة، من حيث تاريخ عرضها وما كان قد كتب عنها، يتحول الانتباه من صانع العمل إلى السياق المكاني الذي يعرض فيه، وتحلل آليات العرض البصرية والكتابية، وذلك لكشف كيف أن المؤسسات تحمل العمل الفني معاني ووظائف لم يقصدها الفنان بالضرورة.. سأهز رأسي وأتظاهر بأنني فهمت المقصود.

تستوقف الزائر مجموعة لوحات زيتية كبيرة، تبهج الروح، للفنان المصري الأصل جورج حنا صباغ، المولود في الإسكندرية عام 1887، منها واحدة تعود لعام 1920 رسم فيها نفسه في نزهة مع عائلته. واللوحة مستعارة من مركز «بومبيدو» الثقافي في باريس.

وهناك، بجوار اللوحات، نسخ من أدلة المعارض التي أقامها الفنان في باريس أوائل القرن الماضي.

وكان صباغ قد جاء إلى العاصمة الفرنسية لدراسة القانون وهو دون العشرين، فأغواه الرسم وبرع فيه.

القسم الثالث والأخير من المعرض «المجتمع»، يحاول أن يقدم أمثلة لأعمال تجاوزت مساحة مشغل الفنان وجدران المتاحف ووصلت إلى حلبة المجتمع. هل المقصود أنها نزلت إلى الشارع؟

كما يرصد هذا القسم، من خلال أفلام وثائقية ووثائق وصور «وقائع تاريخية وراهنة أضفت على العمل الفني معاني أخرى اكتسبها حين تم مزجه، قسرا (وردت في لوحة الشرح قصرا) في عملية كتابة المسرودات الشاملة». لن أهز رأسي ولن أتظاهر بالفهم، هذه المرة، بل أمضي لمتابعة تسجيل وثائقي مصور يروي كيف جيء بالتمثال الضخم لرمسيس الثاني إلى المتحف البريطاني. وكان جيوفاني بلزوني (1778 - 1823) المنقب الإيطالي عن الآثار الذي عمل في مصر، قد حصل على التمثال بالنيابة عن هنري سولت، قنصل بريطانيا، في عام 1816. وبعدها بسنتين أخذ مكانه في صالة «تاونلي» وما زال هناك.

وتشير اللوحة الشارحة إلى أن هذا الفيلم «تلخيص عام عن الفن الفرعوني في سياق الإمبريالية».