رحيل بيار صادق أحد رواد الكاريكاتير السياسي في لبنان

احترف نقل الواقع بأسلوب تهكمي وكان من الأوائل الذين نقلوا هذا الفن إلى التلفزيون

بيار صادق (أ.ف.ب)
TT

رحل بيار صادق عن عمر 76 عاما بعد صراع مع المرض، تاركا «ريشته الساخرة» يتيمة في لحظة لبنانية وإقليمية دقيقة. هو الذي تربّع على امتداد 50 عاما على عرش الكاريكاتير السياسي المتحرك في لبنان والعالم العربي محترفا نقل الأحداث بأسلوب تهكمي يحاكي الواقع بلسان المواطن اللبناني. جاهر بتطرفه للحرية والديمقراطية وتميّز باستقلاليته رغم أنّه عمل في مؤسسات إعلامية حزبية وذات انتماء سياسي معروف، وهو القائل «أقسم بأنّي سيد مستقل وغير مستغَلّ وأرفض أن أكون مستغِلا».

مسيرته التي وثّق من خلالها تاريخ لبنان، أسست لمدرسة في الكاريكاتير السياسي اليومي وحملت اسمه في الإعلام المكتوب والمرئي، بعدما كان من الأوائل الذين نقلوا هذا الفن إلى التلفزيون، بعد سنوات طويلة في الصحافة المكتوبة. لطالما كان يؤكّد بإطلالاته الإعلامية المحدودة أنّه يتكلّم بريشته وليس بلسانه. كما توقيعه، كذلك، موسيقى «كاريكاتير صادق» التي اختارها بنفسه في عام 1986 عندما بدأ مسيرته في المؤسسة اللبنانية للإرسال (LBCI) قبل أن ينتقل في عام 2002 إلى قناة «المستقبل»، تحوّلت فيما بعد إلى علامة فارقة تطبع أعماله مع نهاية كلّ نشرة أخبار مسائية، إلى جانب الشخصية الكاريكاتيرية للمواطن اللبناني بزيه التقليدي. عشق موهبة الرسم منذ نعومة أظافره وتحدّى بها المجتمع والأهل الذين كانوا يجدون فيها هواية لا فائدة منها، فلم يكن يجد مكانا آمنا أكثر من «تحت السرير» للهروب إليه والتعبير بالألوان، ليتحول فيما بعد إلى فنان مبدع ناقلا بريشته أخبار العالم حتى الرمق الأخير.

يعتبر الفنان الكاريكاتيري ستافرو جبرا أن رحيل صادق هو خسارة كبيرة أفقدت لبنان من وثّق بريشته تاريخ لبنان خلال 50 عاما. قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «هو من أبرز رسامي الكاريكاتير الذين ينتمون إلى الجيل الثاني في هذا الفن، بعدما كان قد سبقهم إلى ذلك، كل من عزت خورشيد وخليل الأشقر وديران عاجميان»، مضيفا: «كان من الرسامين الأوائل الذين أدخلوا الكاريكاتير إلى الصحف اليومية في لبنان بعدما كان يقتصر على المجلات الأسبوعية».

عكست رسوم الفنان الراحل ذات الأبعاد السياسية والاجتماعية الواقع اللبناني على امتداد العهود والأحداث وأهمها الحرب اللبنانية منذ عام 1975 إلى عام 1990. وتميزت رسومه بخطوطها الدقيقة واعتمدت تعليقاته اللعب على الكلام الذكي والسخرية اللاذعة. وكان يعبر عن وجهة نظر المواطن اللبناني العادي كما يراه بزيه التقليدي، من دون أن يترك طرفا سياسيا إلا وانتقده.

تخرّج بيار صادق في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، ليكون الفنان الكاريكاتيري اللبناني الثالث إلى جانب ديران عجميان وخليل أشقر، وكان يبيع لوحاته لوسائل الإعلام وهو لا يزال طالبا على مقاعد الجامعة.

في بداية مشواره المهني، عمل صادق لحساب صحيفة «الصياد»، قبل أن ينتقل عام 1958 للعمل في جريدة «النهار». وخلال الحرب الأهلية اللبنانية، وبسبب موقع سكنه، غادر جريدة «النهار» سنة 1978 للعمل في صحيفة «العمل». وفي أواخر الثمانينات من القرن الماضي، التحق بصحيفة «الجمهورية» لمدة عام واحد.

في عام 1985، دخل ميدان العمل التلفزيوني بفكرة مبتكرة عرضها على المؤسسة اللبنانية للإرسال إذ كان يرغب في المباشرة برسم كاريكاتير سياسي متحرك. وافقت الإدارة فعين مسؤولا عن المشروع. وهكذا دشن بيار صادق أولى شخصياته المتحركة في مايو (أيار) سنة 1986. وفي عام 2002 انتقل للعمل في تلفزيون المستقبل.