معرض للفنان الراحل مان راي في لندن يقدم أعماله الفوتوغرافية

50 صورة بعضها يعرض لأول مرة لمؤسس الحركة الدادائية

كاترين دينيف (وديعة مان راي)
TT

يعتبر معرض الصور الفوتوغرافية لمان راي المقام حاليا في قاعة «الناشيونال بورتريت غاليري» في لندن، معرضا متميزا لمصور فوتوغرافي فنان من الحقبة الإدواردية.

ويعتبر هذا المعرض هو الأول من نوعه؛ إذ يشمل لوحات لم تعرض من قبل في المملكة المتحدة لشخصيات من المشاهير، من بينها كاترين دينيف وكوكو شانيل وواليس سيمبسون. ورغم جمالية اللوحات المعروضة فإن التصوير الفوتوغرافي ليس أكثر أعمال مان راي إثارة.

يتضمن المعرض 150 لوحة أصلية صورها راي فوتوغرافيا في الفترة ما بين 1916 و1968، ويتجلى تعدد مهاراته وأسلوبه التجريبي كفنان في كل أعماله الفوتوغرافية، رغم أن هذه لم تكن مطلقا وسيلته الفنية الأساسية المختارة.

كان راي فنانا مبدعا اعتمد عمله الفني على أسلوب عرفته الحركة «الدادائية»، وهي الحركة التي ينسب الفضل إليه هو وصديقه الفنان الفرنسي - الأميركي السريالي مارسيل دوشامب، في تشكيلها. كانت الحركة الدادائية هي الحركة الطليعية الأوروبية في تلك الفترة، الناشئة من شعور ما بعد الحرب والحاجة لإعادة الابتكار في العالم، ورؤية الأشياء من منظور جديد تجريبي وجريء. ويتمثل جانب يتجلى بوضوح في هذا المعرض في حقيقة أن لوحاته كانت بمثابة صور تعريفية بمعاصرين من الحركة الطليعية، مثل الكاتب السريالي أندريه بريتون، والموزع الموسيقي إيغور سترافينسكي، والرسامة هيلين بيردريات.

وكجزء من عمله الخاص المنتمي للمدرسة الدادائية، لعب دورا مساعدا في تطوير وإنتاج نوع من المخططات الفوتوغرافية سماه «مخطط راي»، حيث توضع فيه الأشياء مباشرة على مكبر الصور لإنتاج أشكال وتكوينات عبر السقوط المباشر للضوء على الورق. وقد قاد إبداعه الفني إلى ابتكاره، جنبا إلى جنب مع حبيبته ومساعدته لي ميلر، أسلوب التشميس.

ويمكننا أن نرى هذا الأسلوب في لوحات إليسا شياباريلي وإيرين زوركيندن ولي ميلر، إضافة إلى لوحته الخاصة التي التقطها بالكاميرا الموجودة في المعرض.

تجسد كل لوحة لحظة باهرة في الحقبة من حيث الموضة والتصميم وإمكانات راي الخاصة بالنحت. كان معروفا بإنتاج مجموعته الخاصة من المجوهرات من عناصر موجودة في الأسواق أو في مرسمه الخاص، مثل الترمومترات التي ارتدتها الشاعرة مينا لوي كأقراط، أو الأنابيب الحلزونية الذهبية ضخمة الحجم التي ارتدتها دينيف (والتي عرضتها دار مزادات «سوذبي» بسعر 20 ألف دولار)، وهي من ضمن المعروضات.

تقدم كل صورة في المعرض قصة عظيمة عن موضوعها، لكنها في نهاية المطاف خلفت أيضا مساحة فارغة، حيث كان الجوهر الحقيقي لعمل راي مفقودا.

إن اللوحات المعروضة في المعرض، المقدمة من قبل عدة متاحف بارزة، منها «بومبيدو سنتر»، ومتحف «جا. بول غيتي»، ومتحف الفن الحديث في نيويورك، ومتحف ميتروبوليتان للفنون، والممولة بقروض خاصة من أرشيف مان راي، كان قد تم تكليف راي بإنتاجها من قبل مجلات موضة ومجلات أخرى لامعة في تلك الفترة.

أمضى مان راي المولود في فيلادلفيا (1890 - 1976) الفترة المبكرة من حياته في نيويورك، ورفض منحة لدراسة العمارة بهدف تكريس جهوده للرسم. وقد علم نفسه في البداية التصوير الفوتوغرافي بهدف إعادة إنتاج أعماله الفنية، لكن في عام 1920 بدأ العمل مصورا فوتوغرافيا لتمويل عمله الفني.

إن مكانته في العصر الجميل في فرنسا جعلته مصورا فوتوغرافيا، يتم التعاقد معه بشكل مستمر للعمل لحساب مجلات الطبقة الراقية في تلك الفترة، مثل «فوغ» و«فانيتي فير»، إلى جانب عمله فنانا مستقلا بذاته، متنقلا بين الولايات المتحدة وأوروبا قبل وبعد الحربين العالميتين.. الأمر الذي هز العالم وغيَّر منظور الناس للحياة اليومية بشكل هائل.

إن علاقته بدوشامب وإنشاءهما الحركة الدادائية، إضافة إلى اهتمامه بالحركات العصرية السابقة، عوامل قادته إلى أن يصبح رساما تكعيبيا ونحاتا قبل عمله في مجال التصوير الفوتوغرافي الاحترافي.

إن التقنيات التي طورها في فن التصوير الفوتوغرافي المفاهيمي والتجريبي أعادت تعريف الوسط، كما أن عمله في عالم السينما الناشئ حديثا وضعه في صدارة الفنون الإبداعية. كانت صوره العارية متمردة من خلال الأسلوب الذي تعامل به مع الأجسام كعناصر يقوم بتصويرها فوتوغرافيا.

كان لعين راي السريالية ومنهجه التجريبي الفني تأثير عظيم على فنانين مستقبليين، أمثال المصور الفوتوغرافي السريالي الألماني بيل برانت. ويمكن ملاحظة آثار من عمله النحتي أيضا في الأعمال المعاصرة للفنانة المفاهيمية الفلسطينية منى حاطوم، حيث يشتركان في طريقة إعادة إنتاج عناصر منزلية في حياتنا اليومية لكشف النقاب عن توترات الرغبة والخوف.

بينما يبرز التصوير الفوتوغرافي الروح الإبداعية السائدة في ذلك الوقت، مثل موضة اللون الأحادي والتركيب المعماري والسريالية وظهور السينما، فإن غالبية الصور المعروضة تم رسمها بناء على تكليف رسمي، وتفتقر إلى النطاق الكامل لمهارته الفنية.

وفي مقاله في دليل معرض لوحات مان راي، يكتب تيرنس بيبر، أمين المعرض بقاعة الصور الوطنية، عن رد راي على سؤال يتعلق بواحدة من أنجح الصور التي التقطها، صورة لواليس سيمبسون نشرت بمجلة «هاربر بازار». فلدى سؤاله عن قدرته على إبراز أذواقها شديدة الغرابة وشخصيتها الكيسة، أجاب راي: «مقابلتي لسيمبسون كانت تجارية بحتة. إنها واحدة من بين آلاف السيدات اللائي قمت بتصويرهن. كان عملا روتينيا». لا يمكن لأحد أن يحدد ما إذا كانت هذه إجابة تنم عن غرور أم واحدة تعكس عملية التصوير الفوتوغرافي العادية، التي تتم بإتقان في الوقت نفسه، التي يعمل شخص ما، حتى الفنان السريالي العظيم مان راي، في إطارها. غير أنه ليس من الصعب إدراك أن أعمال راي المدفوعة بأفكار والأكثر إلهاما، هي تلك التي قام بها كفنان، وليس كمصور فوتوغرافي مكلف بشكل رسمي.

يستمر معرض لوحات مان راي في الناشيونال غاليري حتى 27 مايو (أيار).