شابات عراقيات يكسرن عزلة المقهى الرجالي وزبائن يرحبون

وصفن عملهن بالمريح رغم وجود بعض المضايقات

ازدهر في الآونة الاخيرة في بغداد افتتاح مقاه وكافتيريات تقدم أنواعا متنوعة من العصائر والشيشة
TT

لم تخف الصبية سارة نعمان، (17 عاما)، السبب الحقيقي وراء قبولها العمل نادلة في مقهى افتتح أبوابه حديثا وسط حي شعبي مزدحم في العاصمة بغداد، وتقول إن ظروف الحياة الصعبة، والرغبة في وظيفة لا تتطلب شهادة دراسية عالية، شجعها على قبول عملها الذي تصفه بأنه (مريح)، لكنه لا يخلو من مضايقات من بعض الشباب.

وازدهر في الآونة الأخيرة في بغداد، افتتاح مقاه وكافتيريات (كوفي شوب) تقدم أنواعا متنوعة من العصائر والمشروبات والشيشة وبعض الأطعمة الخفيفة، وتتميز بأن معظم العاملين فيها من الفتيات الصغيرات في السن عادة، وهو مايجذب لها الزبائن الذين قد يغدقون عليهن بالبقشيش ويحقق أرباحا أكثر لصاحب المقهى، مما شجع على انتشار هذا النوع من المقاهي.

معظم المقاهي العراقية المعروفة اعتمدت، ولسنوات طويلة، على الرجال حصرا في خدمة زبائنها، وكان وجود امرأة في أي مقهى يثير أكثر من علامة استفهام، بسبب طبيعة المجتمع العراقي المتحفظ على عمل المرأة في وسط رجالي، لكن اليوم تغير الحال مع وجود نساء يحاولن ولوج هذا النوع من الأعمال التي لاقت إقبالا ونجاحا، بحسب تعبير روادها.

فرح سمير، (20 عاما)، إحدى العاملات في مقهى «نسمات» بمنطقة الحارثية (شرق بغداد) قالت لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل هنا منذ شهرين، اخترته لأني لم أحظ بفرصة عمل أخرى، وعموما أجد العمل مناسبا، والزبائن يتعاملون معي باحترام، ومن يخالف تحاسبه إدارة المقهى ويمنع من دخوله ثانيا». وأكدت أن أهلها على علم بعملها وهم لا يعارضونه، لكنهم طلبوا منها أن تتركه في حال وجدت عملا آخر.

يقول أبو رامي، صاحب مقهى «ميلاد الحب» في منطقة السيدية (جنوب غربي بغداد): «إن توافر الجانب الأمني واستقرار المنطقة، ورغبة الشباب في قضاء أوقات مع الأصدقاء، وفر إمكانية نجاح المشروع».

ووصف عمل الفتيات في المقهى نادلات، بـالناجح الذي حفز آخرين على افتتاح مقاه جديدة، وصار هناك أكثر من خمسة مقاه في المنطقة، ونفى أي مضايقات تتعرض لها الفتيات من قبل الزبائن، معللا ذلك بتطور الوعي ومعايشة معظم الشباب لتجارب مشابهة في الدول المجاورة.

وكانت بغداد قد شهدت إدارة امرأة لمقهى رجالي، إضافة إلى النادلات اللاتي كسرن الحاجز الاجتماعي، لكنها لم تستمر طويلا وكان ذلك في عام 2010.

وعن تقبل المجتمع لعمل النساء في المقاهي، يقول الباحث الاجتماعي محمد الزوبعي: «إن المجتمع العراقي ما زال مجتمعا تحكمه العادات والتقاليد التي تضيق على الفتيات، خصوصا امتهان أعمال خدمية، قد تكون شائعة في مجتمعات أخرى، مثل النادلات، لكنه عزا انتشارها إلى تفشي البطالة بين الشباب وصعوبة توفير متطلبات المعيشة، ومحاولة نقل تجارب بعض الدول المجاورة للعراق، خصوصا بعد عودة العوائل العراقية المهاجرة لها أيام الوضع الأمني في البلاد».

وتحاول بعض المقاهي الجديدة في أحياء متنوعة من العاصمة بغداد، إضفاء عوامل تجذب زبائنها كتوفير خدمات الإنترنت والستلايت وتقديم مختلف أنواع المشروبات والشيشة التي انتشرت هي أيضا، إضافة إلى الاهتمام بديكوراتها الحديثة والإضاءة الملونة ومستلزمات الزينة الأخرى، بعض تلك المقاهي تنظم أيضا الحفلات والندوات والسهرات الخاصة بالعوائل.

ورفض الشاب الجامعي ناجح حمزة تقييد المجتمع لعمل المرأة، وتساءل: «لماذا نحارب الاختلاط في أي مكان، في المدرسة والجامعة وحتى المقاهي، العمل متاح للجنسين، والمرأة وحدها قادرة على فرض احترامها، وفي كل مكان هناك من يحاول الإساءة للمرأة، ولا بد أن تتعلم كيف تتصدى له».

وأكد أن «نظرة المجتمع لا بد أن تتغير مع تغير الأزمان والتطور الذي طال كل نواحي الحياة، والمرأة اليوم أصبحت شريكة الرجل في كل شيء وعملت حتى في مهن احتكرها الرجل لنفسه سنوات طويلة كسائقة أجرة أو السلك العسكري، واستطاعت فرض هيبتها ونجاحها». أما الشاب والإعلامي علي ناجي، فيقول: «وجود النساء كنادلات في المقهى عمل ناجح، وبعض الشباب يتعامل مع الظاهرة بإيجابية تعكس ذوقه، لكن الطرف الآخر ما زال ينظر للأمر بريبة غير مبررة، وخلاصة القول إن المرأة المحترمة تفرض شخصيها في أي عمل تمتهنه».