مصنع «خزف جراجوس».. أنشودة فنية في صعيد مصر تجذب السياح

أنشئ على يد الراهب الفرنسي ستيفان ديمون وزاره ملك وملكة السويد

منتجات مصنع جراجوس الخزفية تعتمد على خامة الطين الأحمر
TT

قبل أن يكون مصنعا لإنتاج قطع فنية وأوان فخارية، يظل مصنع الخزف الذي تحتضنه قرية جراجوس بمركز قوص بمحافظة قنا (645 كلم جنوب القاهرة) بمثابة مدرسة لتعليم حرفة الخزف لشباب الصعيد، كما أنه ملتقى ثقافي فني للسائحين والمشاهير والمبدعين، الذين يأتون من كل بقاع الأرض لمشاهدة المنتجات الخزفية المتميزة التي يصنعها 9 فنانين محترفين، قلما يوجد مثلهم في منطقة الشرق الأوسط.

ذاع صيت مصنع خزف قوص منذ ستينات القرن الماضي ليصبح منتجا عالميا له اسمه اللامع في مختلف بلدان العالم، بفضل جودة وتميز منتجاته ودور السياح المقبلين إليه في ترويج منتجاته، كما أن منتجات المصنع لم تكن الوحيدة التي ساهمت في جذب أنظار السياح والمشاهير إليه، بل ساهم في ذلك البناء المتميز للمصنع، الذي أبدعه المهندس المعماري الشهير حسن فتحي، حيث قام بتصميمه بنظام القباب لتحمل حرارة الجو القاسية بصعيد مصر أثناء العمل.

يعود تاريخ مصنع خزف جراجوس إلى عام 1966، حيث أنشئ على يد الراهب الفرنسي ستيفان ديمون الذي كان يقيم بمصر، والسبب الرئيس في إنشائه إيجاد نشاط آخر بجوار حرفة الزراعة، التي كانت الوحيدة بمنطقة جراجوس التي يقع بها المصنع، وبعد رحيله تسلمه العمال الموجودون بالمصنع وتولوا الاهتمام به واستكمال العمل حتى أصبح ملكا لهم، وبعدها تم إشهار المصنع كشركة مصرية لاستكمال الإجراءات الحكومية والتأمينية.

يقول الفنان التشكيلي فواز سيدهم: «بداية المصنع كانت لتعليم الأهالي حرفة وصناعة جديدة بجوار الزراعة التي كانت تعتمد عليها المنطقة بشكل رئيس، وحتى الآن يأتي كثير من الشباب في فصل الصيف يتعلمون الحرفة، كما تأتي إلى المصنع زيارات متكررة؛ سواء من المدارس أو الجامعات أو الأجانب المهتمين بالتراث لمشاهدة منتجات المصنع النادرة، التي لا تصنع في أي مكان آخر».

ويشير سيدهم إلى أن المصنع يتميز بأن له طابعا يميزه عن غيره من المصانع التي تعمل بصناعة الخزف.. «فمن يعملون هنا، وعددهم 9 أفراد، يقومون بإنجاز كل المنتجات التي يخرجها المصنع، وهم بدرجة فنانين محترفين، يعتمدون على خامة (الطين الأحمر) في منتجاتهم الخزفية، التي لا يتم خلطها بأي مواد أخرى، بالإضافة إلى أننا نقوم بتشكيل رسوم معينة تسمى منتجات جراجوس لا ينافسنا فيها أحد، ولا نستخدم سوى اللونين الأزرق والأخضر في عملنا، بالإضافة إلى أن كل منتجاتنا تعبر عن البيئة المحيطة، مثل النباتات والعصافير والأسماك وأواني الطعام التي تتناسب مع البيئة المحلية، وهي تعبر عن التراث، أما ما يصنع في ورش القاهرة فهو تقليد لنا».

أما عن تسويق منتجات المصنع، فيشير رياض كامل، أحد مسؤولي المصنع، إلى أن المصنع يعتمد بشكل رئيسٍ على السياح الذين يقبلون على شراء هذه المنتجات بنهم للعودة بها إلى بلادهم، وهو ما يعطي دعاية للمنتجات خارج مصر، ويضيف: «كما أننا نقوم بعمل معارض خاصة في القاهرة والإسكندرية، بالإضافة إلى بازار في الأقصر لعرض منتجاتنا، لكن البازار تم هدمه ضمن أعمال التطوير بالأقصر، وفي أعقاب الثورة وانهيار القطاع السياحي أصبحنا نعاني بشدة، فقد كنا بشكل كبير نعتمد على السياح، خاصة المقبلين إلى الأقصر، فقد كانت تأتي يوميا ما بين 7 إلى 8 سيارات محملة بالسياح لزيارة المكان، لكن الوضع حاليا تغير، وحاليا لا توجد سياحة، حتى المعارض أصبحت لا تؤدي الغرض المطلوب، لكننا لا نستطيع إلغاءها أو حتى تأجيلها».

وعن مراحل التصنيع، يقول كامل: «تبدأ بتجهيز الطينة ثم غربلتها وتصفيتها في حوض ماء لمدة 20 يوما، بعدها يتم تجفيف الطينة لمدة 3 شهور، ثم نقلها إلى المصطبة داخل الورشة، ويتم اقتطاع مربعات يصل وزنها إلى 25 كيلوغراما لبدء العمل بها، ويتم تدليكها (تمليكها) باليد لمدة ساعة حتى تصبح قابلة للتشكيل، ثم يتم نقلها إلى الدولاب لتشكيل المنتجات المختلفة منها، أما عن الآلات المستخدمة في صنع المنتجات، فنستخدم قوالب مصنوعة من الجبس، ونحن من نقوم بتصنيع هذه القوالب بأنفسنا لتتناسب مع المنتجات التي نقوم بتصنيعها، بالإضافة إلى أدوات من البيئة المحيطة».

أما عن أبرز المشكلات التي تواجههم في الفترة الحالية، فيوضح أن العمالة المحترفة أصبحت سلعة نادرة في الفترة الأخيرة، فالشباب يبحثون عن المكسب السريع، مثل قطاع السياحة أو العمل بالوظائف الحكومية، ولم يعد لديهم صبر على إنجاز هذه المنتجات الفنية الراقية، التي يكون مكسبها قليلا إلى حد ما، كما أن الناس تبحث حاليا عن الأضواء المبهرة والأسعار الرخيصة لظروف المعيشة التي تعيشها البلاد، لكن قليلا جدا من يبحث عن الجودة والقيمة.

وعن أبرز من حضروا إلى المصنع، يقول أكبر العاملين بالمصنع العم نصير رنان: «أشهر من جاءوا لزيارة المصنع ملك وملكة السويد عام 1986، وهي من أكثر الزيارات التي ما زلت أذكرها حتى الآن، لكن هناك كثيرا من المشاهير سواء من داخل مصر أو خارجها زاروا المكان وأبدوا إعجابهم بالفن الراقي الذي يقوم عليه المصنع، ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر الفنانة فاتن حمامة، الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وعائلته، الشاعر الراحل صلاح جاهين، وعدد كبير من الأدباء والمثقفين والمشاهير والوزراء السابقين».