الأميرة كاثرين دي براغانزا همزة وصل بين مدينتي مومباي ونيويورك

تزوجت الملك تشارلز الثاني وأدخلت عادة احتساء شاي بعد الظهيرة للمجتمع الإنجليزي

الحصن البرتغالي في مومباي
TT

تملك كل المدن العظمى في العالم تاريخا وينطبق الأمر بالمثل على مدينتين عظيمتين في العصر الحديث وهما مومباي ونيويورك. يجمع المستعمرتين البريطانيتين السابقتين في الهند والولايات المتحدة ماض مشترك والأميرة البرتغالية كاثرين دي براغانزا التي تزوجت الملك تشارلز الثاني، ملك إنجلترا في القرن السابع عشر.

وما زالت هناك لمسات في المدينتين تعود الى تاثير الأميرة البرتغالية عليهما.

ربطت كاثرين، ملكة إنجلترا في الفترة ما بين 1661 و1685، علاقة وثيقة بإنشاء كل من مومباي ونيويورك: كانت الأميرة البرتغالية التي قدمت المستعمرة البرتغالية مومباي ضمن مهرها، وعندما أنشأ الإنجليز مستعمرات في نيويورك لأول مرة، كانت كاثرين - التي أدخلت الشوكة ومربى البرتقال إلى جانب الشاي في الإمبراطورية البريطانية، هي أيضا الملكة التي نسبت إليها منطقة كوينز (الملكات) الإدارية في مدينة نيويورك اسمها. أطلق على المنطقة الإدارية هذا الاسم في عام 1683 بعد أن انتزعت إنجلترا السيطرة على المدينة التي كانت تعرف في ذلك الوقت باسم نيو أمستردام.

بالعودة إلى القرن السابع عشر، نجد أن العاصمة المالية مومباي كانت عبارة عن تجمع من سبعة مستنقعات تحت حكم سلاطنة غوجارات المسلمين، الذين تخلوا عنها للبرتغاليين في مقابل تأمينهم ضد المغول. وفي عام 1534، أطلق البرتغاليون الذين كانوا يسيطرون على عدد من الموانئ التجارية بالقوة على هذه المنطقة الجديدة التي استولوا عليها اسم «بوم باي» التي تعني «الخليج الحسن» بالبرتغالية.

وقد نما هذا الموقع التجاري ببطء، من خلال اتجار السكان المحليين في منتجات مثل الحرير والموسلين والشيت (القماش القطني المطبوع) والعقيق اليماني والأرز والقطن والتبغ. وبحلول عام 1626، بات هناك مخزن ضخم ودير وحصن وحوض لبناء السفن. كذلك، كانت هناك منازل جديدة لعامة الشعب، وقصور للأثرياء.

غير أن البريطانيين قد رسخوا موطئ قدم في مدينة كلكتا الهندية وكانوا يبحثون عن ميناء استراتيجي على الساحل الغربي، ولكنهم عجزوا عن الاستيلاء على الجزر عسكريا.

عندما كانت كاثرين في سن الثالثة والعشرين من عمرها ولم تكن قد تزوجت بعد، أثار ذلك قلق البلاط البرتغالي، ودخل دبلوماسيو البرتغال وإنجلترا في مفاوضات استمرت لمدة عام وقرروا في النهاية أن تتزوج كاثرين بملك بريطاني. وفي مايو (أيار) 1662، تزوج الملك تشارلز الثاني كاثرين دي براغانزا، التي قدمت أسرتها دوطة ضخمة (هدية من والد العروس إلى العريس). وتمثل جزءا من هذه الهدية في إقليم بومباي البرتغالي.

كان زواج مصلحة لكلا الطرفين. فبالنسبة للبرتغال، ضمن حليفا سياسيا وعسكريا قويا ضد إسبانيا. وبالنسبة لإنجلترا – شبه المفلسة، بسبب حربها الأهلية الأخيرة وأساليب حياة الماجنة للملك الجديد – قدم هذا الزواج مهرا ملكيا ضخما ضم، إلى جانب عدة أشياء أخرى، مليوني كراونز (عملة قديمة كانت مستخدمة آنذاك) نقدا، وحقوق تجارية في جزر الهند الشرقية والبرازيل وميناءي طنجة ومومباي الاستراتيجيين. وكان الأخير هدفا طالما صبا إليه الإنجليز بالنظر إلى التهديد المتزايد من جانب الهولنديين، فقد كانوا بحاجة لمينائها الطبيعي المميز والحماية التي يوفرها ضد الهجمات البرية.

في الوقت نفسه تحديدا، في عام 1664، في منتصف الطريق عبر الكرة الأرضية، استولى الإنجليز على مستعمرة نيوهولند (ولاية نيويورك فيما بعد) من الهولنديين، وسموها ولاية نيويورك، نسبة إلى دوق يورك. وحينها، قام الدوق بتقسيم مدينة نيويورك إلى عدة مناطق إدارية، وسمى أول منطقتين منها على نحو دبلوماسي «منطقة الملوك» و«منطقة الملكات» نسبة إلى الملك تشارلز الثاني والملكة كاثرين. ومنذ ذلك الحين، تم تغيير اسم «منطقة الملوك» إلى بروكلين، لكن منطقة الملكات ظلت على اسمها. في حقيقة الأمر، السواد الأعظم من الناس الذين يطيرون إلى نيويورك وضعوا موطئ قدم لأول مرة في منطقة الملكات، بمجرد هبوط الطائرة في مطار كيندي.

بعد استيلائه على مومباي من البرتغال، وجد تشارلز الثاني أن الاحتفاظ بها سيكون مكلفا جدا، ولم يرغب في أن يتحمل عناء حكم تلك المدينة، لذلك، ففي عام 1668، قام بتأجير مومباي لشركة «الهند الشرقية» مقابل 10 أرطال ذهب سنويا.

وعينت الشركة حاكما جديدا، الحالم جيرالد أونجيير، الذي بدأ في وضع أسس مدينة عظيمة، ومضى إلى حد دراسة خطط المعماري الإنجليزي كريستوفر رين الجديدة لإعادة تعمير لندن بعد الحريق الكبير الذي اندلع عام 1666. وبفضل الأعداد الضخمة من التجار والحرفيين الذين جذبهم أونجيير إلى مدينته عبر وعده بالحرية والتسامح والتجارة الحرة، سرعان ما زاد عدد سكان بومباي من 10 آلاف إلى 60 ألفا – نحو نصف سكان العاصمة الإمبراطورية لإمبراطور المغول شاه جيهان في دلهي.

ويقال إن مهر كاثرين كان مرتفعا بشكل مبالغ فيه نظرا لأنها كانت دميمة جدا. وقد يكون هذا صحيحا؛ إذ يقال إن زوجها، عندما رآها لأول مرة، صاح قائلا: «يا إلهي، لقد أتوا لي بخفاش لأتزوجه!». وبعيدا عن ذلك، فإن كونها قد تربت في دير للراهبات جعلها غير متوافقة تماما مع البلاط الإنجليزي الماجن والخليع.

عاشت الملكة كاثرين حياة تعيسة في إنجلترا. وعلى الرغم من أنها قدمت لزواجها مهرا ضخما – 500 ألف دولار نقدا وموانئ طنجة وبومباي وحقوق تجارة في جميع المستعمرات البرتغالية – لم تكن الملكة كاثرين محبوبة دائما في وطنها البديل.

لم تكن الملكة قادرة على الإنجاب وهو وضع قيل إنه كان سببا لحياكة مؤامرات ضدها. كانت منتمية إلى الطائفة الرومانية الكاثوليكية في دولة بروتستانتية. وقد تعين عليها التعامل مع وجود عدة عشيقات لزوجها الذي كان لديه أطفال غير شرعيين يتراوح عددهم ما بين 10 أطفال و15 طفلا.

وبدافع من إحساسها بالذل والمهانة، انزوت كاثرين في جناحها واكتفت باحتساء الشاي، وهو اتجاه تعرفت عليه كأميرة في البرتغال.

دأبت كاثرين، التي تضمن مهرها الشهير ثلاثة صناديق من الشاي، على احتساء قدح من الشاي كل ظهيرة على الطريقة البرتغالية. وسرعان ما أصبحت هذه تقليعة في البلاط الملكي. وشجعت كاثرين هذا باستيراد أنواع جيدة من الشاي والصبر على تعليم سيدات البلاط كيفية إعداده.

بعدها، انتقلت هذه العادة عبر طبقات المجتمع الإنجليزي، وبحلول الخمسينات من القرن الثامن عشر، أصبح الشاي هو المشروب الوطني لإنجلترا. ومن ثم، كان للتقليعة التي بدأتها الملكة كاثرين تأثير هائل على اقتصاد الهند، حيث رسخت أول صناعة احتفظت فيها الهند بموقع قيادة عالمي على مدار أكثر من 150 عاما. وقد شرعت شركة «الهند الشرقية» في جهود رئيسة لزراعة الشاي في الهند، أولا في أسام، وعندما ثبت نجاح هذا، بدأ يزرع في دارجيلينغ وفي أجزاء أخرى من الدولة.

إذا كانت كاثرين قد لعبت دورا غير متعمد في اقتصاد الهند، فقد لعبت أيضا دورا غير مقصود بالمثل، ولكنه مهم، في السياسة الأميركية. وبحلول منتصف القرن الثامن عشر، انتشرت عادة احتساء الشاي التي أدخلتها في المستعمرات التابعة لإنجلترا. وكان ذلك عندما قرر البرلمان البريطاني فرض ضريبة جديدة على الشاي في أميركا. أثار هذا غضب المستوطنين الأميركيين، ممن كانوا ملتزمين بمبدأ «لا ضرائب من دون تمثيل».

وقد بلغ السيل الزبى في عام 1773، عندما تم رفض السماح للسفن الإنجليزية التي تحمل شحنات من الشاي المفروض عليه الضريبة والقادمة من الرسو في المواني الأميركية. كان الاستثناء الوحيد هو بوسطن، حيث قام الحاكم البريطاني الصارم بالسماح لثلاث سفن تحمل شايا بالرسو وحدثت مواجهة. ففي مساء أحد الأيام، ركبت مجموعة من المستوطنين الأميركيين، يرتدون زي هنود الموهوك، السفن البريطانية وقاموا بإلقاء 342 صندوقا من الشاي في البحر. وكانت هذه الحادثة، التي عرفت باسم حفلة شاي بوسطن، حافزا لعملية بلغت أوجها، بعد ثلاث سنوات، من خلال إعلان الاستقلال الأميركي والفكرة الجديدة المهمة الممثلة في «الحياة والحرية والسعي للسعادة».