«تيت مودرن» في لندن يستضيف ولأول مرة معرضا للفنانة اللبنانية سلوى شقير

120 قطعة فنية أنتجتها الفنانة خلال 60 عاما تعكس اهتمامها بالعلوم والرياضيات والفن الإسلامي والشعر

TT

تشكل بعض الأعمال، التي جاءت على شكل أحجية مصنوعة يدويا من الأخشاب والمعادن والصلصال وخيوط النايلون، معرضا كاملا من المنحوتات. المعرض الحالي المقام في متحف «تيت مودرن» للفنون المعاصرة للفنانة اللبنانية سلوى روضة شقير، يكتنفه لغز ما. تشرح ابنتها، هالة شقير، لصحيفة «الشرق الأوسط» قائلة: «لم تنتج سوى قطعتين فنيتين فقط من القطع التي كانت تحلم بها. إحداهما عبارة عن مقعد في حديقة في وسط المدينة، والأخرى عبارة عن تمثال في حديقة جبران خليل جبران بالقرب من مكتب الأمم المتحدة، كلتاهما في بيروت».

ويعتبر هذا المعرض هو أول معرض رئيس يقام في متحف للفنون ويعرض أفكارا للفنانة سلوى شقير التي ولدت في عام 1916. ويعكس المعرض، الذي يعرض أكثر من 120 لوحة وتمثالا وقطعا فنية أخرى أنتجتها الفنانة على مدى ستة عقود، اهتمامها بالعلوم والرياضيات والفن الإسلامي والشعر. وفي عامها السابع والتسعين، يحتفي المعرض بمجموعتها القديمة الاستثنائية من الأعمال ومساهمتها في الحداثة الدولية.

الانطباع الأول الذي يتكون لدى النقاد البريطانيين عن أعمال الفنانة والمعرض يظهر دورها البارز في حركة الحداثة في الأربعينات من القرن العشرين. ويعتبر هذا المعرض هو الأول ضمن سلسلة مقبلة ينظمها متحف «تيت مودرن» للفنون المعاصرة للفنانين العرب والأفارقة المعاصرين.

وقد أثنت الناقدة الفنية البريطانية لورا كومينغ على المتحف لجرأته في تعريف مرتادي متحف لندن بفنانة غير معروفة خارج بلدها. لقد تم تقديمها بوصفها «لا تحظى بشهرة كبيرة»؛ ويقول أمناء متاحف، في كل من وطنها بيروت ولندن، بأن شقير لم تحظ بالقدر المناسب من الشهرة الذي يسمح لها بتقديم أعمالها وأفكارها لجمهور يتجاوز نطاق دائرة صغيرة.

واليوم، نجد صورة لشقير تعود إلى عام 1943 ما بعد المدرسة التكعيبية، وهي عبارة عن صورة لوجه ينم عن تصميم يحملق بشكل مباشر باتجاه الناظر، على جدران الشوارع والأنفاق عبر أنحاء لندن. وتعتبر الصورة هي أول قطعة يطالعها الزائرون لدى دخولهم المعرض، وإلى جانب ذلك، تشغل الأفكار والأنماط المعترف بها عالميا لنموذج المدينة الفاضلة والإبداع والنمو الحضري في القرن العشرين أربع قاعات رئيسية.

وكانت فترة أواخر الأربعينات ومطلع الخمسينات من القرن العشرين بمثابة فترة مميزة بالنسبة لشقير. جاء اكتشافها للحداثة المجردة في باريس، عندما ذهبت للدراسة في الأربعينات من القرن العشرين؛ ومع مطلع الخمسينات من القرن العشرين، بدأت أفكارها تتحول إلى شكل تماثيل.

تعتبر مجموعة لوحاتها التي تحمل اسم «الرسامون المشاهير» و«الأعمال» بمثابة رد فعل مباشر للوحات أيقونية لأستاذها، الفنان التكعيبي الفرنسي العظيم، فيرناند ليجيه، التي تحمل عنوان «ثلاث نساء». وتعتبر لوحة ليجيه مثالا رائدا لأشكال أشبه بماكينات تحمل تأثير المدرسة المستقبلية؛ يجرد رد فعل شقير تجاه هذه اللوحة الجسد الأنثوي في صورة أشكال هندسية مبسطة مؤطرة باللون الأسود تحمل ألوانا قوية؛ وتتخذ خلفية الصورة اللونين الأزرق والأخضر، فيما يتخذ صدرها شكل مربعات باللونين الأحمر والأبيض. تشرح آن كوكسون، أمينة متحف «تيت» للفنون المعاصرة، قائلة: «إنها تحملق بشكل ظاهر للعيان على مستوى العين. وتحمل طابعا أنثويا يتجلى في الطريقة التي تحمل بها النساء كتبهن ولا يبدو عليهن الخجل في النظر إلى المشاهد». هنا، تتسم النساء بالحيوية ويحتسين القهوة ويقرأن كتابا يحمل عنوان «رسامون مشاهير» (اسم اللوحة نفسها). إن رغبة شقير في مزج الجماليات الشرقية بالحركة الأوروبية في تلك الفترة لها أصداء أيضا هنا من خلال وجود تصميم للنساء في مواقع مماثلة لـ«الحريم» في اللوحات الاستشراقية.

لكن لو كانت شقير قد عاشت حياة أخرى، مثلما ذكرت مرارا وتكرارا، لأصبحت مهندسة معمارية. وبحلول الستينات من القرن العشرين، أخذت تماثيلها منحى آخر، لتنتج قطعا طويلة مصنوعة من قوالب البناء الإسمنتية، متأثرة بإحراز عنصر جمالي ذي طابع وحشي تقدما في ذلك الوقت. تجمع قطعتها «الهيكل اللامحدود» كتل البناء الإسمنتية تتخللها دوائر ومستطيلات، على نحو يحاكي بناء الكتل الحديثة والواجهات الإسمنتية للأنماط المتكررة التي يمكن للمرء أن يجدها في بيروت. وقد شوه اهتمامها بالتطوير الحضري ورغبتها في تشكيل قطع عامة وظيفية لسوء الحظ حالة الاهتياج المستمرة في مدينتها الأم بيروت.

اشترت المدينة أحد مقاعد حديقتها ووضعته في ميدان عام، لكنه لم يحظ بالاحترام الذي يحظى به عمل فني. فقد ترك في المساحة الآيلة للسقوط المجاورة لبركة ناضبة عرضة لرسوم الغرافيتي من قبل المارة. وقد قسم المقعد، مثلما كتب الكاتب الفني كايلين ويلسون غولدي في دليل المعرض، إلى جزأين من قبل شركة «سوليدير»، الشركة الخاصة التي تدير وسط بيروت والتي اشترت ثلاث قطع من أعمال شقير في عام 1998، بهدف أن يتخذ شكل نصف دائرة مثلما هو موضح في النموذج صغير الحجم المصنوع من الفخار ورسوم الدراسة. غير أن «سوليدير» قسمت المقعد إلى اثنين بهدف إفساح المجال للممر.

من المؤسف أن أفكار شقير التقدمية لتصميم منحدرات يمكن وضعها في حدائق وجدران يمكن للأطفال تسلقها لم تكتمل مطلقا. تظهر مجموعتها التي لا تنتهي من اللوحات والنماذج، بعضها معروض في المعرض، رغبة في التجريب وعقلا محبا للتطور. لقد قيل إنها حظيت باهتمام بسيط خلال فترة ذروة نشاطها، وبدأت تجذب انتباه المشترين الدوليين لاحقا وبعد سنوات. إن روح الإبداع والابتكار الرائدة في عمل سلوى روضة شقير، التي يعود بعضها الآن إلى أكثر من خمسين عاما، خالدة، ما زالت تحمل الإمكانات الهائلة للابتكار الجديد والأفكار الديناميكية حتى لعالم اليوم سريع التغير. تعرض أعمال سلوى روضة شقير في متحف «تيت» حتى يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) 2013.