«حمام الشفاء التركي».. قبلة زوار نابلس لأكثر من 800 سنة

يحيي تراثا أوشك على الاندثار ومن أبرز زواره الدبلوماسيون المعتمدون لدى السلطة الفلسطينية

فتحات زجاجية في سقف حمام الشفاء للإضاءة وضبط درجة الحرارة (« الشرق الأوسط»)
TT

«دخول الحمام مش زي الخروج منه».. ينطبق هذا المثل الشعبي بشدة على «حمام الشفاء التركي» الذي يقع في قلب مدينة نابلس الفلسطينية، فزائره سيخرج منه إنسانا مفعما بالنشاط والحيوية بعد أن استمتع بالخدمات الصحية التي يقدمها الحمام الذي يبدو أن له نصيبا من اسمه.

فلا يمكن لزائر نابلس أن يخرج منها دون أن يأكل الكنافة النابلسية أو يشتري الصابون النابلسي المصنوع من زيت الزيتون، وبالطبع دون أن يزور حمام الشفاء أقدم الحمامات التركية التسعة الموجودة بالمدينة.

ويعود تاريخ إنشاء حمام الشفا التركي إلى عام 1225 ميلادية في نهاية العهد العثماني، وهو يقع في قلب البلدة القديمة بمدينة نابلس، فما إن تدخل شارع النصر بالبلدة القديمة حتى تجد بضعة سلالم حجرية تعلوها لافتة تحمل اسمه تقودك إليه، وبمجرد مرورك من الباب ستشعر أنك انتقلت إلى عالم آخر، فعبق التاريخ يسيطر على المكان، والصوت الجبلي للمطربة فيروز يصدح بأغانيها لتضفي على المكان رونقا مميزا.

شاهر أبو يوسف مدير حمام الشفاء يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الحمام ملك لعائلة طوقان، وهي من أعرق عائلات مدينة نابلس، وقد تدهورت حالته كثيرا نتيجة الإهمال، في فترة الاحتلال، إلى أن قام بترميمه السيد يوسف الجابي في عام 1993، وأنا حاليا أستأجر المكان منهم لأديره».

يضيف أبو يوسف وهو يسترجع شريط الذكريات: «كانت فلسطين تشتهر بالحمامات التركية وكان بها نحو 40 حماما، وكان أكثرها في نابلس، وكان لكل عائلة لها حمامها الذي ترعاه، لكن لم يتبق الآن سوى تسعة حمامات في المدينة أغلبها مغلق ولا يعمل منها سوى ثلاثة أو أربعة فقط». ويوضح أن تسمية الحمامات بالتركية سببه أن الأتراك عندما حكموا فلسطين أمموا الحمامات وأتاحوا لكل الناس استعمالها بعد أن كان كل حمام مقصورا على العائلة التي شيدته.

ويلفت أبو يوسف إلى أن الحمام استخدم في بنائه «الحجر الملوكي» الذي يتميز بأنه يمتص أول وثاني أكسيد الكربون، بينما يوجد في السقف نحو 500 فتحة زجاجية تدخل ضوء الشمس والحرارة، وهي موزعة بشكل يحافظ على درجات الحرارة معتدلة داخل الحمام.

ويضيف: كما أن أرضية الحمام يكسوها حجر صلب يسمى «الحجر السلطاني» ويتم تنظيف بماده خاصة يتم جلبها من المصابين، التي تنتج الصابون النابلسي، وهي عبارة عن مزيج من الزيت والصابون. ومع دخول فصل الصيف تزداد الحركة على الحمام لكونه موسما للزواج، حسبما يقول أبو سوف، والمقبلون على الزواج من الشباب والبنات هم غالبية زبائن الحمام.

ويشرح أبو يوسف الفوائد الصحية للحمام التركي قائلا: «إن من أبرزها تنشيط الدورة الدموية، وإزالة الجلد الميت عن البشرة عن طريق تكييس الجلد، وتخليص الدم من الشوائب والجراثيم، وتخليص الجسم من الأملاح الزائدة التي تسبب الكثير من الأمراض، والتعرق بكميات كبيرة وهو ما يريح الكلى ويزيد من كفاءتها ونشاطها، ومعالجة أمراض الروماتيزم والشد العضلي، وتخفيف آلام الانزلاق الغضروفي، وكذلك تنشيط الجسم وتجديد شباب الجلد وحيويته، والمحافظة على جمال البشرة ونضارتها». ويضيف «نقدم أيضا خدمات خاصة للعرسان والعرائس ونقيم ليلة الحنة التي تسبق العُرس ونحرص على إقامتها طبقا للتقاليد الفلسطينية للحفاظ عليها من الاندثار». ويوضح أن القائمين بالعمل داخل الحمام خاصة في مجال التدليك من المتخصصين في العلاج الطبيعي لضمان تقديم أفضل خدمة للزبائن بطريقة صحيحة، خاصة أن الحمام يقدم خدمة العلاج الطبيعي لما بعد الإصابات بالكسور.

وعن أبرز زبائنه حاليا يقول أبو يوسف «نتيجة الاحتلال الإسرائيلي فالسياحة شبه منعدمة، ولكن من أبرز زوارنا غالبية الدبلوماسيين الأجانب المعتمدين لدى السلطة الفلسطينية والكثير من عرب 1948، بالإضافة إلى المقبلين على الزواج».

ويوضح أن تكلفة الخدمات التي يقدمها الحمام تبلغ نحو 20 دولارا، وقال «إنه مبلغ زهيد مقابل الفوائد الصحية التي نقدمها لزوارنا».

وحول طقوس الحمام يوضح أن زائر الحمام بعد أن يخلع ملابسه ويجلس في بركة من الماء الفاتر لتهيئته، يدخل إلى قسم «بلاط النار»، وهو عبارة عن قطعة حجرية كبيرة متدرجة السخونة ينام عليها الزائر لمدة تتراوح بين نصف ساعة إلى ساعة لتخلص جسده من الطاقة السلبية والآلام الروماتيزمية والرطوبة.

ويقول أبو يوسف «بعد ذلك ينتقل الزائر إلى غرفة الساونا حيث يمضي فيها نحو ربع ساعة، يعقبها غرفة البخار يقضي فيها ربع ساعة أخرى، قبل أن ينتقل إلى مرحلة التكييس، وهي مرحلة يتم فيها نزع الجلد الميت من الجسد كله باستخدام كيس مصنوع من ذيل الخيول مصدره مدينة حلب وهي عملية تساعد على تجديد خلايا الجلد وتنشيط الغدد وتزويدها بالطاقة».

يضيف أبو يوسف «بعد ذلك ينتقل الزائر لعمل تدليك للجسم كله (مساج) بزيت الزيتون، على يد متخصصين، قبل أن ينتقل للمرحلة الأخيرة، وهي الاستحمام بالصابون النابلسي الشهير ومياه جوفية من بئر أسفل الحمام».

وحول طقوس العرسان الجدد يقول أبو يوسف «نقدم للمقبلين على الزواج خدمات خاصة، إذ عادة ما يغلق الحمام على العريس وأصدقائه الذين يأتون معه، ويظلون ينشدون الأغاني التراثية الخاصة بالزواج طوال فترة الاستحمام، ويحملون العريس على أكتافهم ويجوبون به جنبات الحمام».

ويوضح أبو يوسف أن الحمام التركي لا يقدم فقط الخدمات الصحية بل يستضيف أيضا في ساحته الخارجية ندوات ولقاءات ثقافية واجتماعية، تسهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية.