جناح دائم للفن الإسلامي في متحف اللوفر

يضم 15 ألف عمل فني بتكلفة 127 مليون دولار

يضم القسم حاليا 15 ألف عمل فني، من بينها 3400 قطعة أهداها متحف فنون الديكور بشكل دائم لمتحف اللوفر (الصور من متحف اللوفر)
TT

يوفر متحف اللوفر - أحد المتاحف الغربية الكبرى - لأول مرة في تاريخه مقرا دائما لمجموعة فنية إسلامية يتم عرضها في قاعات جديدة فاقت بأربعة أمثال المساحة التي كانت مخصصة، لما وصفه مدير متحف اللوفر، هنري لويريت، بـ«واحدة من أكثر مجموعات الفن الإسلامي ثراء في العالم». ومع أن «اللوفر» يعد المتحف الأشهر على مستوى العالم، مع توافد ما يقرب من تسعة ملايين زائر عليه خلال العام الماضي، فمن المفترض أن تجذب قاعات العرض الإسلامية الجديدة مزيدا من الزائرين بفضل سياسات العرض التي تتسم بالحيوية والإبداع المعماري لأعرق المتاحف الفرنسية. ويقول لويريت: «لقد كنا دائما منفتحين على العالم، واليوم يتزايد اهتمام زوارنا بالعالم الإسلامي، لكن لا يعرف الكثيرون أي شيء عنه. ومن المهم أن نظهر لهم الوجه المضيء للحضارة الإسلامية».

خضع المتحف عام 2008 لأعمال ترميم قدرت تكلفتها بنحو 127 مليون دولار، وكانت الإضافات المعمارية الجذرية التي امتزجت مع قصر اللوفر السابق الذي بني قبل 800 عام، تمثل تحديا كبيرا وانتصارا تقنيا. وبإمكان الزوار الآن القيام برحلة حسية حقيقية وعالية التقنية داخل المتحف لاكتشاف 3 آلاف متر مربع يعرض فيها أكثر من 2500 قطعة فنية رائعة. وقد مولت الحكومة الفرنسية جزءا من عملية الترميم الضخمة، التي أميط عنها اللثام في نهاية عام 2012. ومن بين الجهات الراعية لعملية الترميم الحكومة السعودية وحكومة كل من عمان والمغرب والكويت وجمهورية أذربيجان، بالإضافة إلى شركة النفط الفرنسية «توتال».

الجدير بالذكر أن حكومة الثورة الفرنسية استولت على قصر اللوفر القديم عام 1793، وأنشأت متحف فنون الديكور، وصادرت المجموعات الملكية من القطع الفنية. وكان من بينها مجموعة من القطع العربية - الإسلامية، شكلت نواة المجموعة الحالية. وفي بداية القرن العشرين، كان يضم المتحف مجموعات مختلفة من الأعمال الفنية المتميزة التي يمتد تاريخها عبر قرون مضت مثل أدوات خزفية من الحضارة السومرية القديمة، وحضارة ما قبل التاريخ لبلاد ما بين النهرين، والسجاد القديم الذي ينسب للبربر من شمال أفريقيا في حقبة قريبة من تلك الفترة، وكذلك مصابيح ضخمة بديعة الصنع من مساجد مملوكية مصرية، ومنسوجات ساحرة، تمثل جميعا عناصر أساسية للثقافة الإسلامية.

وفي عام 2001 دشن هنري لويريت مشروعا طموحا لتخصيص مساحة أكبر إنصافا وتقديرا لثراء تلك المجموعة التي سيتم دمجها مع تلك المجموعة المهملة في متحف فنون الديكور. وتتكامل كلتا المجموعتين مع بعضهما، حيث تركز مجموعة متحف اللوفر بصفة خاصة على الكنوز الإسلامية خلال العصور الوسطى، بينما تهتم المجموعة الأخرى بمتحف فنون الديكور بفن إمبراطوريات العالم الإسلامي العظيمة والحديثة، بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، مثل الإمبراطورية العثمانية. وبعد مرور عامين، وفي عام 2003، أعلن الرئيس الفرنسي وقتها، جاك شيراك، إنشاء قسم جديد للفنون العربية الإسلامية داخل متحف اللوفر.

ويضم القسم حاليا 15 ألف عمل فني، من بينها 3400 قطعة أهداها متحف فنون الديكور بشكل دائم لمتحف اللوفر. وتغطي هذه المجموعات تاريخ العالم الإسلامي من إسبانيا إلى الهند وتطوره الزمني من القرن السابع حتى التاسع عشر الميلادي.

وما إن تم الإعلان في عام 2005 عن المهندسين الذين وقع عليهم الاختيار لتصميم قاعات العرض الجديدة، بدأ تبلور مشروع ضخم. ولطالما سحر قصر اللوفر طوال 800 عام منذ إنشائه أكثر الشخصيات موهبة وتأثيرا في كل عصر في مجالي العمارة والتصميم. وأثار إنشاء قسم جديد للفنون الإسلامية في باحة «فيسكونتي» بمتحف اللوفر تحديات معمارية هائلة. نجح التصميم الفائز لماريو بيليني ورودي ريتشيوتي في اجتياز الاختبار الذي تمثل في تشييد مبنى أثري في متحف تاريخي محمي، رغم ما أثاره من جدل. ويقول المهندس المعماري ماريو بيليني ميلانو إنه وزميله ريتشيوتي «يكنان احتراما عميقا للمجموعات الفنية الإسلامية وعلى معرفة شخصية بسياقها الجغرافي والثقافي».

تجدر الإشارة إلى أن التصميم باهر ولكنه يتسم بالرزانة، فقد نجح في تحقيق توازن دقيق بين الواجهات النيوكلاسيكية لباحة «فيسكونتي» والحاجة إلى تكريم عصري للثقافة الإسلامية. التصميم عبارة عن سيمفونية ينسجم فيها الزجاج بالمعدن الممتدين تحت مستوى باحة «فيسكونتي» الحالية لتكوين مستويين فرعيين. أحد المستويين مخصص للقطع الأثرية الحساسة للضوء، بينما يضم المستوى الأعمق التسهيلات التقنية. ويعلو الهيكل الأصلي للمعارض سقف زجاجي ذهبي، يحلق مثل شراع عملاق، مما يسمح للضوء الطبيعي بالوصول إلى مساحات العرض. ويعلق بيليني قائلا: «يبدو التصميم كأنه جناح يعسوب هائل يتموج كما لو أنه علق في مهب الريح، ويلمس بذلك تقريبا أرضية الباحة في نقطة ما، من دون أن يغطي على بريق الواجهات التاريخية للمتحف».

ويتسم التصميم الداخلي، الذي نفذه المصمم رينو بيرارد، بالضخامة والدقة والإتقان في ذات الوقت. يكسو الأرضية بلاط نحاسي يتحاور مع اللون الأسود للجدران الخرسانية واللون الذهبي للسقف الزجاجي. توجه تلك الأجواء الهادئة تركيز الزائرين إلى القطع الأثرية الثمينة بجميع ألوانها وزخارفها المختلفة.

تبقى مهمة زيارة المعارض من ضمن مهام المصممين ماريو بيليني ورينو بيرارد عبر جهودهما لتشجيع الزائرين على القيام بجولة في اتجاه واحد داخل المتحف حرفيا ومجازا. بدأ الاثنان بالعمل على مستوى الباحة من خلال عرض أعمال يعود تاريخها من بداية القرن السابع إلى الحادي عشر. وبعد ذلك انتقلا إلى المستوى الفرعي المخصص لعرض قطع أثرية تحت ضوء خافت يعود تاريخها من القرن الحادي عشر إلى نهاية القرن الثامن عشر. ويستحضر هذا الاتجاه الرائع أجواء من التأمل أو التفكر.

تعد المعارض الجديدة مقدمة للتعريف بالملامح الجوهرية التي تميز الفن والثقافة الإسلامية من خلال الاستكشاف الزمني لعدد من الموضوعات، من بينها العمارة، وحياة الحضر، وحياة البلاط وفنون الكتاب، فضلا عن المهارة الفنية. وهناك مجموعة متنوعة من الوسائل عالية التقنية تلقى قبول جماهير المتحف في الوقت الراهن، منها الوسائط المتعددة، والاستماع إلى تعليقات متخصصين باللغة العربية أو الفارسية أو التركية والذين يجيدون أيضا الإسبانية والفرنسية والإنجليزية. وهناك جولات بمرشد خاصة للأطفال والأسر تشمل الاستماع إلى الحكايات الشعبية والموسيقى.

ماذا سيكون شعورنا تجاه قسم الفنون الإسلامية؟ كما رأينا، تأخذنا انسيابية التصميم في رحلة عبر الزمن، وخاصة العصر الإسلامي، بدءا بأولى الإمبراطوريات أو العائلات الملكية، وعصر الخلفاء بداية من عام 632 إلى 1000 ميلادية. كانت الدولة الأموية هي الأولى ثم تبعتها الدولة العباسية. يقدم لنا أحد المعارض فكرة عن روعة وضخامة أحد القصور الملكية في سامراء يقع على ضفة نهر دجلة (العراق حاليا). من المعروضات لوح من باب مصنوع من خشب الساج طوله 240.5 سم وعرضه 56.8 سم.

وقد أسس الفاطميون القاهرة لتكون عاصمة للخلافة الإسلامية بين عامي 909 و1171 ميلادية. وتتجلى من خلال إبريق من حجر الكوارتز المزخرف بزركشة ذهبية الحياة الفخمة التي كان يعيشها الخلفاء والتجار الأثرياء. ومن أكثر القطع الأثرية التي واجه العاملون صعوبة في ترميمها وإعادتها إلى شكلها الأصلي شرفة ملكية يعود تاريخها إلى نهاية القرن الخامس عشر. وقالت صوفي ماكاريو، مديرة متحف اللوفر للفنون الإسلامية: «الأمر أشبه بقصة بوليسية. فجأة تكشف هذه القطعة المعمارية الرائعة عن عظمة القاهرة خلال هذا العصر الاستثنائي. مع ذلك لا أعدكم أن أكون مثل أغاثا كريستي!».

وتعد الإمبراطورية العثمانية، التي امتدت من القرن الرابع عشر حتى القرن العشرين، هي آخر حقبة يغطيها المتحف. لوحة الرقص الكلاسيكية «المينيويت» في القرن السابع عشر. ويتم عرض مجموعة من الأواني الخزفية الأزنيق التركية، ومن بينها 3 آلاف بلاطة، يرجع تاريخها إلى القرنين السادس والسابع عشر مهملة منذ السبعينات. ولإعادة بناء الجدار الرائع والمذهل المغطى بالبلاط وعرضه مرة أخرى، تقول صوفي ماكاريو: «كان علينا حل طلاسم لغز معقد استغرق أكثر من سبع سنوات لاستكمال بنائه».

ويستعرض آخر الأقسام في جناح الفنون الإسلامية، الذي يركز على جميع عصور الحضارة الإسلامية، فنون الكتابة والأنماط المختلفة للرسوم التوضيحية في المخطوطات، بما في ذلك فن الخط والأطر المرسومة والحروف بالإضافة إلى طرق تجليد الكتب التي تمتد من شمال أفريقيا إلى الهند عبر إيران وتركيا والسعودية.

لا يتمثل الهدف الأكبر في مجرد دعوة الزائرين لمشاهدة التسلسل الزمني لقطع فنية، ولكن الهدف هو اصطحابهم في رحلة لا تنسى إلى قلب الحضارة الإسلامية. ويزداد ثراء تلك المجموعات في قسم الفنون الإسلامية من خلال المشتريات الهائلة والهدايا والإرث. ويضمن هذا أن يظل متحف اللوفر مكانا يضم واحدة من أهم وأثمن المجموعات في العالم.